بعد أن بين الله، عز وجل، أحوال الأبرار وأحوال الأشقياء وختم بقوله تعالى: (إن الله يفعل ما يريد)، قال تعالى: (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء...) أي من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله فإن النصر من الله ينزل من السماء والله ناصر عبده ومتم نوره، فيا أيها الكافر ويا من ملأ قلبه الكفر وأراد بنبي الله كيدا رد الله كيده في نحره.
فاعمد الى حبل ثم علقه في السماء ثم اصعد به (هل يذهبن كيده ما يغيظ) فإذا أردت أن تذهب غيظ قلبك أيها الكافر فاصعد الى السماء بهذا الحبل.
طوائف أهل الأرض
ثم يخبر الله تعالى أهل الأديان المختلفة فيقول: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة...) أول سورة يقابلنا فيها ذكر المجوس وهم عبدة النار وأن الله تعالى سيجمع طوائف أهل الأرض جميعا ويفصل بينهم بالعدل، فإياك أن تظن أن الله يغفل (إن الله على كل شيء شهيد) فاعلم أن يوم الفصل آت.
(فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار) أي ثياب من قطران وتشعل فيها النار فتعمهم من كل جانب (يصب من فوق رؤوسهم الحميم) الماء الحار جدا يصهر ما في بطونهم من شدة حره.
(ولهم مقامع من حديد) بيد الملائكة تضربهم بها وكل ضربة تسلخ العضو من مكانه ولهب النار يعلو بهم ثم يعيدهم الى النار (كلما أرادوا أن يخرجوا منها...) (وذوقوا) غاية التهكم بهم فالذوق الذي يستلذ به الإنسان.
البشارة الكبرى
ثم يذكر الله تعالى حال أهل الجنة (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار...) الله بفضله سيدخلك الجنة أيها المؤمن لأن المؤمن في كنف الله تعالى ومن أحب الله أحب لقاءه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. والوصف لا يصدق فهم يحلون فيها من أساور من ذهب رجالهم ونساؤهم (ولباسهم فيها حرير) فتم نعيمهم بذلك، بفضل الله من هداهم الى الايمان هدوا الى الصراط وهو المكان الذي يحمدون فيه ربهم يسمعون فيه الكلام الطيب.
سجدتان
سورة الحج فضلت بسجدتين عند قوله تعالى: (إن الله يفعل ما يشاء) آية 1٨، والثانية عند قوله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) آية 77، وذلك لأن السجود عند المؤمن غاية التقرب الى الله والإنسان أكرم ما يكون عندما يضع جبهته على الأرض، وكلما سجد ابن آدم يبكي ابليس، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله أمر بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار».
أحكام سجود التلاوة
سجود التلاوة ليس فرضا لازما وهو سنة مؤكدة ولا يأثم الإنسان إن تركه، فقد ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ السجدة التي في (سورة النحل) على المنبر فنزل وسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد، ثم قال: «إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء».
ما يقال في السجود
يقول مثلما يقول في سجود الصلاة «سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين».