د.عجيل النشمي
ان التشريع الاسلامي يجب ان يؤخذ كاملا غير مجزأ، وألا يفصل بين احكامه، لأن كل حكم فيه وضع منسجما مع الاحكام الأخرى، ولكل دوره، فالفصل بين احكامه بتر له، واخراج له عن مساره الصحيح، ولا يصح ان نقول اننا نطبق الشريعة بينما نحن نطبق جزءا او اجزاء منها.
وكما انه لا يجوز ان نفصل بين احكامه كذلك لا يجوز ان نفصل بين تشريعاته، فلا يفصل بينه: كالقانون الجنائي والمدني والتجاري وغيرها.
وذلك لأن القوانين كلها انما وجدت لتكفل للاسرة والمجتمع الطمأنينة والحماية، وتعطي كل ذي حق حقه، فقانون الاحوال الشخصية ـ مثلا ـ هو القانون المباشر للاسرة وافرادها، والتي هي نواة المجتمع، وما ينبثق عن علاقات الأسرة والأفراد تتدخل القوانين الاخرى ـ كل في مجاله ـ لتحديده، فحينما ينظم قانون الاحوال الشخصية علاقات الاسر ويحدد حقوق الزوجية ـ مثلا ـ ثم تحدث خيانة لهذه العلاقة من احد الزوجين يرتب الشارع عقوبة الزنا، منسجمة مع ما كفله للعلاقة الزوجية من حقوق وواجبات، وما حاطها به من رعاية وامن، لذلك تختلف العقوبة مع غير المتزوجين عن عقوبة المحصنين، فلا يمكن الفصل مطلقا بين القانون الذي ينظم العلاقة والقانون الذي قرر العقوبة، ما دام مصدر التشريع واحدا، وهو الله عز وجل.
لذلك، كان من الخطأ الجسيم فصل قانون الاحوال الشخصية عن القانون الجنائي، او العقابي، وجعل الاول اسلاميا، والثاني فرنسيا، ومثل ذلك ما اذا طبقنا فريضة الزكاة ووصلت الى مستحقيها ولم يصبح المال دولة بين الاغنياء، بل بين الاغنياء والفقراء فلا يكفي ذلك، بل لابد ان نطبق النظام المالي الاسلامي في المعاملات فهما بابان متكاملان وان كان احدهما عبادة والآخر معاملة، كما لا يمكن ان يكون الربا احد الادوات المالية السائدة في المجتمع لأنه يتنافى مع النظام الاسلامي عقائديا وماليا.
وقِس على هذا الخطأ خطأ الفصل بين كل القوانين، واختلاف هويتها، فبعضها اسلامي والآخر شرقي او غربي!
ولما كانت قضية وحدة التشريع امرا مهما اكد عليه القرآن الكريم تأكيدا ادخله في صفات الايمان، وجعل مخالفته ردا لحكم الله عز وجل، وكفرا به، وشدد العقوبة فيه، فقال تعالى (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ـ البقرة: 85).
فما دمنا نريد بناء اسلاميا فلا يصح ان نأخذ احكاما من هنا واخرى من هناك، ونقوم بعملية ترقيع لا تناسب ولا تناسق بينها وبين الاجزاء والواقع والدور المطلوب القيام به والاثر المنتظر!
وكذلك الشأن مع القانون الجنائي او العقابي، فلا يمكن ان نقيم الحدود الاسلامية ما لم يتهيأ الجو الاسلامي الذي يتنفس فيه افراد المجتمع عبير الاسلام وهديه، فإقامة حد الزنا ـ مثلا ـ يفترض وجود مناخ اسلامي في المجتمع، او بمعنى اصح مجتمع اسلامي ييسر سبل الزواج، ويضيق طرق الحرام، فيشجع الزواج المبكر، ويرخص المهور ويهيئ السكن المريح، ويغلق ابواب الاثارة والاغراء، فينظف وسائل الاعلام ويوجهها الوجهة البناءة.
اما اذا انعكس الحال فضيقت ابواب الحلال، وفتحت ابواب الحرام على مصاريعها وترك الاعلام يعيث في الاسرة والمجتمع الفساد فإن العقوبة حينئذ لا تتناسب، بل يشعر الفرد بظلم العقوبة من جانب، ولن يرتدع بها من جانب آخر، وحد السرقة ـ ايضا ـ لا يمكن تطبيقه ما لم نهيئ للفرد العمل المناسب له، ونأخذ الزكاة من الاغنياء ونعطيها للفقراء، فنقيم التكافل بين افراد المجتمع ونقضي على البطالة. فتهيئة المناخ الاسلامي للاحكام الشرعية مطلب مهم في حد ذاته.