أهل التقوى
ونحن بين يدي شهر كريم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن علينا ان نتفكر اننا بصيامنا نحقق ركنا من أركان الإيمان، فلا نصوم عادة ولا مجاراة ولكن نصوم محتسبين لله عز وجل، وهي أيام قليلة معدودة ولابد ألا يمر يوم من أيام رمضان إلا وقد بذلنا فيه غاية الجهد ونؤدي فيه أقصى ما عندنا من العبادات والاجتهادات فإن لله نفحات رحمة يفتحها لعباده، فهذه أيام في موضع يرضاه فلا ينظر الينا ونحن في موضع لا يرضاه فإن في ذلك إثم عظيم، قال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا) مناديا أهل الإيمان بهذا النداء الرباني ان كنتم تتصفون بهذه الصفة فحري بكم ان تنفذوا ما يأتي بعدها من الأوامر، يقول ابن مسعود اذا سمعت قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك أي انتبه فإنها اما خير تؤمر به أو شر تنهى عنه (كتب عليكم الصيام) مكتوب ممن؟ من الله عز وجل، فرض واجب لا هوادة فيه، ركن من أركان الدين لا تساهل فيه، لا يسقط الصيام عن مسلم بالغ عاقل مستطيع، لا يسقط الا اذا كان معتوها او كان مريضا لا يرجى برؤه فهو بذلك عاجز عن الصيام، وسبق هذا الفضل اعلان بالنداء من الله لأهل الإيمان يخاطب المؤمنين حقيقة عن أهل الإيمان، قد كتب عليكم الصيام، اذا اول ما استحضر في رمضان أني منفذه أمر الله، حقق عبوديتي لله عز وجل الذي يقول (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فلا أنشغل بغير هذه المهمة، مسؤوليتي ان اؤدي واجباتي تجاه الله عز وجل وترتيب الأولويات مهم جدا وإلا ضاعت علينا العبادات وسرقها الشيطان وأعوانه.
تحقيق التقوى
بين لنا الله عز وجل الغاية من فرض الصيام وهي تحقيق التقوى، والله يأمرنا بالعبادة ولا يبين لنا في كل عبادة الغاية منها فإنما علينا التسليم والائتمار بأمر الله عز وجل والعمل (لعلكم تتقون) اي تحققون التقوى فإن صيامكم هذا وسيلة لتحقيق الهدف الأكبر وهو تقوى الله عز وجل، ولابد ان نتعرف على التقوى التي لخصها لنا العلماء ومنهم ابن عثيمين - رحمه الله - في رسالة لطيفة اسماها «من فوائد التقوى في القرآن» وسطر فيها ما يزيد عن التسعين فائدة، فلابد ان نستحضر التقوى، وكان السلف الصالح يتواصون بالتقوى، ومعنى التقوى ان يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية وان تقي نفسك من عذاب النار، وتقوى العبد لربه ان يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك.
كيف أتقي غضب الرب
وبفعل طاعته واجتناب معصيته تتقي غضب الله، الأمر واضح، أدّ ما عليك وانته عما نهاك الله عنه، دين واضح ويسير ولا حرج فيه، لكنه يسير على من يسره الله.
بعض السلف قالوا في التقوى، المتقون الذين يحذرون من الله وعقوبته، قال ابن مسعود: قوله تعالى (اتقوا الله حق تقاته) أي يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وان يشكر فلا يكفر، الفوائد المترتبة على التقوى في الدنيا والآخرة ومنها تيسير أمور الانسان (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا).
والتقوى سبب لحماية الانسان من ضرر الشيطان (ان الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) تحفظهم تقواهم عن الانزلاق في مزالق الشيطان، والتقوى سبب لتفتيح البركات من السماء والارض، تزيد الرزق، اتق الله عز وجل اطع امره وانته عما نهاك عنه.
وفي التقوى ايضا سبب في توفيق العبد في الفصل بين الحق والباطل ومعرفة التمييز بينهما (يا أيها آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) وأحوج ما نكون في هذه الأيام أيام الفتن التي اشتدت والأهواء التي سادت ان نعرف الحق من الباطل والتقوى تحقق ذلك (يا أيها الذين آموا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به) نور في القلب ونور في الوجه ونور في الدرب والطريق، ترى الله عز وجل في كل شيء وتتبع سنته صلى الله عليه وسلم في كل أمر، والتقوى سبب للخروج من المآزق وحصول الرزق والسعي للمتقي من حيث لا يحتسب (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) والتقوى تجلب الرزق وسبب لنيل الولاية وكلما زادت التقوى زادت ولاية الله لك حققي تقوى الله تحصل لك ولايته
يقول تعالى: (والله ولي المتقين) فإذا كان الله ولي المرء فماذا يخشى؟ والله لا يخشى رزقا ولا صحة ولا مرضا ولا فساد ذرية ولا فساد حال لأن الله عز وجل قد تولاه، والتقوى سبب لعدم الخوف من ضرر وكيد الكافرين (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) والتقوى سبب لنزول المدد من السماء عند الشدائد ولقاء الأعداء وهي سبب لعدم العدوان ولعدم إيذاء عباد الله عز وجل، بل هي مدعاة للتعاون على الخير (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
فضائل التقوى
المتقون تجدهم يسارعون الى كل خير، يتعاونون ولا ينتظرون الأجر والثواب لأنهم ممتثلون لأمر الله عز وجل، وهم أيضا إذا رأوا اجتماعا على ضلالة تركوه، لأن المتقي لا يؤذي أحدا، والتقوى سبب لتعظيم شعائر الله عز وجل، وهي سبب لصالح الأعمال وقبولها ومغفرة الذنب، وهي سبب لنيل محبة الله في الدنيا والآخرة، وهي سبب لنيل العلم وتحصيله، والتقوى ايضا سبب قوي يمنع صاحبها من الزيغ والضلالة بعد ان من الله عليه بالهداية، وهي سبب لنيل رحمة الله في الدنيا والآخرة وهي سبب لحصول البشرى في الحياة الدنيا سواء بالرؤيا الصالحة او بمحبة الله والثناء عليه، وهي سبب في إعطاء المطلقة متاعها الواجب لها (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين)، وهي سبب في عدم ضياع الأجر في الدنيا والآخرة (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)، والتقوى سبب لحصول الهداية وسبب للفوز والفلاح، وهي سبب قوي لأن يرثوا الجنة (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) وهي سبب لنيل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وسبب لعدم الخوف والحزن والأسى.
بشارات
التقوى تحصل بها البشارات، لهم البشرى في الآخرة بألا يحزنهم الفزع الأكبر وتلقي الملائكة لهم (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، لحظة الموت من أصعب اللحظات على الكافرين ومن أيسر اللحظات على الصالحين ـ جعلنا الله وإياكم منهم ـ في لحظة موت الصالح يرى كوكبة من الملائكة وفد جاء يستقبله فتسيل الروح من جسده كما تسيل القطرة من فم السقاء بكل سهولة يقول لها ملك الموت (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) مشهد ملائكي، تكريم من الله تعالى لهذه الروح الطيبة تصعد بها الملائكة، تحنطه بأطيب الحنوط وأجمل الأكفان، ليرى مكانه في الجنة.
هل تكون هناك علامات على الميت تدل على صلاحه؟ إن العلامات في حياته يختم بها مماته، فإن من عاش على شيء مات عليه، فالإنسان يجب ان يحرص على صلاح حاله في الدنيا حتى يلقى الله ويبشر ببشارات تتلقاهم الملائكة (لا يحزنهم الفزع الأكبر)، (ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين).