- الخراز: لا تكن عبداً رمضانياً وكن عبداً ربانياً
- الماص: على المسلمين أن يخرجوا من الشهر الكريم أشد حرصاً على الطاعات والعبادات
سؤال يتجدد كل عام.. ماذا بعد رمضان؟ هل تجعل من رمضان بداية لعهد جديد من التوبة والاستغفار والخير؟ أم نرجع الى المعاصي والفتور في العبادة؟ وكيف نستثمر زاده الإيماني طوال العام؟
أكد الشيخ خالد الخراز ان العبادة ليست مقتصرة على موسم معين، كما ان الطاعة ليس لها شهر معين، والمسلمون مأمورون بعبادة الله جل وعلا في كل لحظة وفي كل وقت وفي كل زمان، فإذا كان شهر رمضان قد مضى بصيامه وقيامه، فإن صيام المسلم لا ينقص ولا ينقطع، وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم فضل الصيام بعد رمضان، بل وفي غيره من شهور وأيام العام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» وقال صلى الله عليه وسلم: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة والصيام جنة»، والصوم ليس قصرا على رمضان، وهذا الجزاء وذلك العطاء ليس لمن صام في رمضان فحسب بل هو لكل صوم يصومه العبد لله جل وعلا.
وقال: ان كان شهر الصوم مضى فإن الصيام باق طالما الإنسان على قيد الحياة فلا تكن عبدا رمضانيا وكن عبدا ربانيا.
كذلك اذا كان قيام رمضان انقضت لياليه فإن قيام الليل لم ينقض ولم ينته وهو مشروع في رمضان وفي غيره من ليالي العام.
وكان قدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم لا يعبد الله جل وعلا في رمضان فقط بل كان عبدا ربانيا يعبد الله تعالى على الدوام في رمضان وفي غير رمضان، فكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى قام حتى تفطر رجلاه قالت عائشة أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا.
مؤكدا ان اليقظة الدينية والروحية مطلوبة في حياة المسلم كلها حتى يحقق قول الله عز وجل (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) اما ان تختزل العبادة في شهر رمضان فهذا من قبيل النفاق، لذا لا ينبغي افراد شهر رمضان بالعبادة والطاعات دون بقية أشهر السنة، لأن الذي كلف هذه الطاعات كلف بها كل أحوال المسلم وفي كل الأزمان.
ومن يفرد رمضان بالعبادة دون بقية أشهر السنة فقد ظلم نفسه فإن جميع الأوقات قد يضاعف الله تعالى فيها الحسنات وهذه الحسنات قد يضاعف الجزاء فيها الى 70 ضعفا كما قال سبحانه وتعالى.
وبين الداعية الخراز ان العبادة في المواسم أمر مطلوب ولا ينبغي التنفير منها بل يجب تشجيعها والحث عليها، فالله عز وجل قد قدم للناس أوقاتا مباركة وخص لهم أماكن مباركة فيها يضاعف العمل ويعظم الثواب ويقف الإنسان فيها موقف الحساب مع النفس لمراجعة ما تم عمله أو ما سيقوم بعمله سواء كان هذا في شهر رمضان ويوم الجمعة أو في غيرهما، وهذا فيما يتعلق بالأزمنة أو الكعبة المشرفة وهي تعبير عن الأماكن المباركة، ويجب على المسلم ان يكثر من الطاعة وفعل الخيرات في هذه المواسم الزمانية أو المكانية لكن ان يقصر المسلم عبادته وطاعته وتدينه على هذه المواسم فهذا خطأ، ولذلك فعلى المسلم ان يواصل مسيرة النقاء والطهر في حياته كلها حتى يحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم «اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن».
وزاد: اذا كان الله عز وجل قد أكرم عبده في شهر رمضان بالمواظبة على العبادة والطاعة وعاش العبد في هذا الجو فكيف يغادر هذا الجو الرباني وهذه البركات؟ ثم ان الله تعالى هو الكريم لم يقطع مدده عن عبده بعد شهر رمضان ولم يقطع الرزق عليه بعد شهر رمضان ولم يقطع عنه النعم فكيف بالعبد بعد شهر رمضان ينقطع عن العبادة والطاعة التي هي سبب في رضا ربه عنه؟
تقوى الله
يوضح د.بدر الماص ما يجب ان يكون عليه المسلم بعد رمضان فيقول: بعدما خرجنا من رمضان بحصيلة التقوى، وكنا من الاتقياء في رمضان، فإذا تمسك المسلم بالتقوى بعد رمضان صار من المقبولين، يقول الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ منوها بما للتقوى من جليل القدر وعظيم الأجر «التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل»، واكد ان فضيلة التقوى يجب ان يتحلى بها المسلم واضحة في قول لقمان لابنه «يا بني ان الدنيا بحر عميق وقد غرق فيه أناس كثيرون فلتكن سفينتك تقوى الله عز وجل وحشوها الايمان بالله وشراعها التوكل على الله فتنجو».
وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى سعد بن أبي وقاص ومن معه من الأجناد: «أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو واقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك ان تكون أشد احتراسا من المعاصي، منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش اخوف عليهم من عدوهم، ولا تعملوا بمعاص وانتم في سبيل الله.
مسك الختام
واكد على ضرورة تمسك المسلمين بتقوى الله بعد ان تسابق الصائمون في الطاعات طوال شهر رمضان، وتنافسوا في أداء العباءات بايمان وجد واخلاص لكي يصلوا الى نهاية الشهر وهو مسك الختام واعمالهم مقبولة عند الله وطالب المسلمين بأن يخرجوا من هذا الشهر العظيم وهم اشد حرصا على الطاعات والعبادات بفضل الالتزام بتعاليم الاسلام.
ثمرة الجهاد
ولفت د.الماص الى ان من اخلاق المتقين كما قال تعالى (والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوه وهم يعلمون)، فكما تبين الآية الكريمة ان الغاية من الصوم هي التقوى وهي ثمرة الجهاد.
وان من اخلاق المتقين مراقبة الله والخوف والرجوع اليه اثر المعاصي بالندم والاستغفار وعدم الاصرار على فعل السيئات، ومن هنا نجد ان التقوى بهذا الاعتبار من الأمور التي لا تمنع المسلم في هذه الحياة من العمل للدنيا ولا تحرم من التمتع بملذاتها المشروعة، ولانفرض عليه مقاومة نفسه الى حد المستحيل من ترك المعاصي كليا، بل انها تدعو الى مراقبة الله والخوف منه والثقة به والرجوع اليه وطلب الرحمة والمغفرة في كل وقت لاسيما عند كل معصية، ومن اجل هذا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على ان يكون في قلوب اتباعه الخوف من الله باعتباره وحده مدبر الأمر كله قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).