ما زلنا مع سورة المؤمنون التي أشادت بالمؤمنين وعرضت السورة بعض صفاتهم، ويدور محور السورة الرئيسي حول قضية الايمان والتوحيد وهذه السورة بشارة للمؤمنين لما يتمتعون به من صفات نبيلة.
نجاة المؤمن
(فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) فنجاة المؤمن وهلاك الكافرين فضل عظيم بأمر كن فيكون يقلب الله، عز وجل، بها الموازين، فكانت دعوة نبي قد بدلت الكون كله، فإذا علوتم عليها واستقلت بكم في الامواج فاحمدوا الله على النجاة والسلامة (فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) وهذا تعليم منه له ولمن معه أن يقولوا شكرا وحمدا على نجاتهم من القوم الظالمين.
التفكر في خلق الله
لما ذكر الله تعالى نوحا وقومه وكيف أهلكهم قال: (ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) وثم تفيد التراخي والظاهر أنهم ثمود قوم صالح عليه السلام وهي آية عظيمة فعلى المؤمن أن يتعظ ويتفكر في آيات الله.
رسالة التوحيد
(فأرسلنا فيهم رسولا منهم... ) أي من قوم يعرفونه ومن جنسهم ليكون أسرع لانقيادهم اذا كان منهم فدعا الى ما دعت اليه الرسل جميعا (أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) كل الرسل اتفقوا على هذه الدعوة عبادة الله وحده، وهناك تفسير يقول هؤلاء قوم هود وآخر يشير الى قوم صالح (ثمود).
حياة الترف
(وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا..)، قال الرؤساء الذين جمعوا بين الكفر والمعاندة وانكار البعث والجزاء وهذا علة سلوكهم لو آمن الانسان وعرف ان هناك بعثا ما انكروا، فهم عاشوا في رغد العيش والبلاد الآمنة والماء الجاري والأكل الوفير ومع ذلك كفروا وكذبوا وظنوا ان هذا الإنعام باق لهم.
الطعن في بشرية الرسول
(ما هذا إلا بشر مثلكم) اول ما ذكروا الأكل والشراب، فاذا احب الانسان شيئا اكثر ذكره، وكثرة الالتفات الى المطعم والمشرب ليست من صفات المؤمنين لانهم مشغولون بدينهم، اما البقية فمشغولون بما يأكلون ويشربون وحجتهم انهم بشر مثلهم فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب.
كلام باطل
(ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون) لئن للتأكيد الجملة الاسمية أي لئن أطعتم بشرا مثلكم فإنه خسران لكم، وهذا جهل وسفه لمن تكبر عن الانقياد لبشر ارسله الله بوحيه وفضله برسالته، وزيادة في اكاذيبهم (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) السؤال الذي يحمل بذرة الشك.
هيهات: للبعد وفي الأمر السيئ تقال غالبا «إن هي» للتأكيد أي ما نحن بمبعوثين (قال رب انصرني بما كذبون) فأجابه الله بذات مقاله ودخلت لام التأكيد.
«فأخذتهم»: الفاء تفيد التعقيب.
(ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين) بعد هؤلاء المكذبين انشأنا رسلا متتابعين لعلهم يؤمنون ولم يزل الكفر والتكذيب دأب الأمم العصاة والكفرة كلما جاءهم رسول كذبوه.
إبادة جماعية
(ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون) صفة الاستكبار والعلو في الأرض ومواجهة الحق بالكذب هي صفتهم، فجاء موسى بآيات بينات عظيمة ورغم ذلك كذبوه بسبب استكبارهم، نفس المنهجية الطعن في بشرية الرسل (فكذبوهما) جاءت الفاء للتعقيب السريع فكان جزاؤهم الغرق في البحر وبنو اسرائيل ينظرون، ولما ذكر الله اهلاكه للأمم المكذبة ذكر منبها الأمة لكتاب موسى الذي جعل فيه الرحمة والنور لبني اسرائيل ومن تبع موسى (لعلهم يهتدون) بكتاب الله وبرسول الله ويهتدون بما في كتابه من هداية وخير.
آيات الله
اكتملت رباعية خلق البشر، خلق آدم بلا أم ولا أب وخلق حواء من آدم وخلق عيسى من انثى دون ذكر وخلق بقية البشر من ذكر وأنثى، فلا شيء بعيد عن الله ويخبرنا الله تعالى عن نبي كريم (وجعلنا ابن مريم وأمه آية...) زيادة لشرفها ونكرانا لما قاله اليهود من كذب وبهتان في حقها. آية عظيمة ولادة المسيح دون ذكر، كرم الله عيسى وامه بهذه المعجزة وهيأ لهما كل ما يحتاجان إليه (وآويناهما إلى ربوة) أي مكان مرتفع (ذات قرار) اي مستقر وراحة ومعين «ماء جار».