كان الشاب الإنجليزي ستيفن جورجيو ذو الثمانية والعشرين ربيعا يسبح في البحر في صيف عام 1975، دوامة شديدة تظهر فجأة فيشعر بضعف شديد يجعله غير قادر على الاحتفاظ بتوازنه في الماء، لا يجد أحدا قريبا منه يمكن أن يساعده، ينادي بأعلى صوته لعل أحدا ينقذه لكن من غير جدوى، وحين أوشك على الغرق صرخ بأعلى صوته: يا رب، وأخذ على نفسه العهد: «لئن أنقذتني فلسوف أعمل من أجلك شيئا» كان هذا الشاب هو «كات ستيفنز» الذي كان يلقب بملك موسيقى الروك آند رول في بريطانيا، وحين استجاب الله له ونجاه من ضره، كان أول ما حرص عليه أن يبر بوعده فلم يمكث كثيرا حتى أعلن إسلامه وصار يوسف إسلام أشهر دعاة الإسلام في الغرب الآن.
رحلة البحث عن اليقين
ولد في بيت مسيحي متعدد المذاهب، فقد كان أبوه يونانيا أرثوذكسيا، بينما والدته سويدية كاثوليكية، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع البريطاني طبقا لتعاليم الكنيسة الإنجيليكانية، أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلها إذا أتقن عمله، فشجعه هذا على إجادة الغناء، وأصبح يحلق في آفاق أوروبا كلها أثناء موجة «الهيبز» في ستينيات القرن الماضي ولم يكن قد تعدى الثانية والعشرين من عمره بعد.
وعندما أتم عامه الثاني والعشرين أصيب كات ستيفنز بمرض السل الذي أقعده في الفراش معزولا عن الناس في أحد المستشفيات لمدة عام تقريبا عكف فيه على القراءة في كتب الفلسفة والتصوف الشرقي وتمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي، إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل على الرغم من النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أن يعود إلى الغناء ولكن بمفاهيم جديدة تتفق مع ما قرأه في أثناء المرض.
وبالفعل حققت أغنيتاه «الطريق لمعرفة الله» و«ربما أموت الليلة» نجاحا كبيرا زاده حيرة، فطرق باب البوذية ظنا منه أن السعادة هي أن تتنبأ بالغد لتتجنب شروره، فصار قدريا وآمن بالنجوم وقراءة الطالع، ثم انتقل للشيوعية ظنا منه أن السعادة هي تقسيم ثروات العالم على الجميع ولكنه شعر بأنها لا تتفق مع الفطرة، فاتجه كات ستيفنز إلى تعاطي الخمور والمخدرات ليقطع هذه السلسلة الصعبة من التفكير بعد أن أدرك أنه ليست هناك عقيدة توصل إلى اليقين، وعاد إلى تعاليم الكنيسة التي أخبرته أن الله موجود ولكن يجب أن تصل له عبر وسيط، فأدى هذا به إلى أن يختار الموسيقى دينا له يفرغ فيها أفكاره ومعتقداته.
الطريق إلى الإسلام
تصادف حادث الغرق ومرض كات ستيفنز بالسل مع عودة أخيه من رحلة زار فيها القدس وأحضر فيها هدية له عبارة عن نسخة مترجمة من القرآن.
ويحكي كات هذه اللحظة في مذكراته: «أمسكت بالمصحف فوجدته يبدأ باسم الله، فنظرت للغلاف فلم أجد إسم مؤلف، حاولت أن أبحث فيه عن ثغرة أو خطأ فلم أجد، إنما وجدته منسجما مع الوحدانية الخالصة، فعرفت الإسلام».
وبعدها قرر كات ستيفنز السفر إلى فلسطين، ودخل المسجد الأقصى فأحس بالطمأنينة، وعندما رجع لندن التقى بفتاة مسلمة صرح لها برغبته في نشر إسلامه فأخذته إلى المركز الثقافي الإسلامي بلندن، وهناك نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه، وفى تلك اللحظة طوى الشاب الإنجليزي صفحة «كات ستيفنز» تماما وأصبح يعرف باسم «يوسف إسلام».
الدعوة بالأناشيد الهادئة
وبدخوله الإسلام اعتزل يوسف إسلام الموسيقى الصاخبة ورأى أن يستغل موهبته التي أعطاها الله إياها في خدمة الدعوة إلى الله فقام بتسجيل عدد كبير من الأناشيد الدينية التي ألفها بالإنجليزية مع تطعيمها بكلمات وجمل عربية لإكسابها روحا إسلامية عذبة، وحرص في تلك الألبومات على إيصال قيمة ومفهوم الإسلام للمسلمين وغير المسلمين، إذ تضمنت هذه الشرائط أناشيد وأغنيات دينية ذات محتوى تثقيفي تعليمي.
البداية من المدرسة
ورغم اهتمام يوسف إسلام بأمور المسلمين المختلفة فإن جل اهتمامه انصب على التعليم الذي رآه البداية الحقيقية لتكوين جيل مسلم في أوروبا، فبدأ اهتمامه بالتعليم الإسلامي عام 1983 عندما أصبح رئيس وقف المدارس الإسلامية ببريطانيا، فأسس المدرسة الابتدائية الإسلامية تحت اسم «إسلامية»، ثم المدرسة الثانوية الإسلامية للبنين والبنات في شمال لندن - وهما أول مدرستين إسلاميتين بريطانيتين - ثم طالب يوسف إسلام الحكومة البريطانية بتخصيص ميزانية للمدارس الإسلامية أسوة بالمبالغ التي تخصصها الحكومة للطوائف الدينية المسيحية واليهودية، ورغم أن الحكومة لم تستجب لطلبه آنذاك فإنه لم ييئس، بل استمر في حملته إلى أن وافقت حكومة بلير الحالية على تخصيص ميزانية لدعم المدارس الإسلامية ببريطانيا.