- النشمي: تخل بتوازن سيولة الأموال في الدولة التي يشرف عليها ويوجهها البنك المركزي فأضرارها على الدولة كبيرة
- الجميعة: تتيح مجالاً كبيراً للنصب والاحتيال والمخادعات ومصدر السلعة مجهول فلا ضامن لها
- العنزي: مال وهمي ليس له أصل والبنوك المركزية تحذر منه وفيه نقاط تخالف الشرع كالجهالة وغيرها
تتداول عبر الانترنت عملة جديدة اسمها البيتكوين وهي عملة الكترونية تعاملاتها المالية عن طريق التوقيع الالكتروني بين شخصين مباشرة دون وجود هيئة وسيطة تنظم هذه التعاملات، حيث تذهب النقود من حساب مستخدم الى آخر بشكل فوري دون أي رسوم تحويل ودون المرور عبر أي مصارف أو جهات وسيطة.
وهي عملة رقمية غير ملموسة وليست عملة ورقية، مما يجعلنا نتساءل: ما الذي يمكن أن يجعل عملية البيتكوين حراما في الإسلام؟ وما الذي يجعلها أيضا حلالا؟
يقول د.عجيل النشمي: يسأل الكثيرون عن حكم البيتكوين باعتبارها عملة الكترونية شغلت عالم المال وأغرت الكثير من الأشخاص والشركات بالتعامل فيها.
ولا بد لنا كمسلمين أن نتريث في التعامل بها حتى نعرف الحكم الشرعي.
فهل هي حلال فنتعامل بها أو حرام وما هو سبب التحريم في هذه الحال؟
الجواب: يسبق الحكم الشرعي تصور ما هي هذه العملة فإذا عرفناها بوضوح يمكن بيان الحكم الشرعي.
فالبيتكوين كما عرفت في المصادر العلمية الموثوقة هي عملة ونظام دفع عالمي يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى مثل الدولار أو اليورو، لكن مع عدة فوارق أساسية، من أبرزها: أن هذه العملة هي عملة إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها. وهي أشهر من عملات أخرى مثلها مثل الريبل والأيثير، وهي أول عملة رقمية لا مركزية فهي نظام يعمل دون مستودع مركزي أو مدير واحد، أي أنها تختلف عن العملات التقليدية في عدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها.
وتتم المعاملات بشبكة الند للند بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام التشفير.
يتم التحقق من هذه المعاملات عن طريق عقد الشبكة وتسجيلها في دفتر حسابات موزع وعام يسمى سلسلة الكتل.
اخترع مجموعة من الناس البيتكوين أو هو شخص غير معروف عرف باسم ساتوشي ناكاموتو. وتم طرح «البيتكوين» للتداول في عام 2009م بقيمة 0.0001 دولار، وارتفع في منتصف عام 2011م إلى 35 دولارا، ووصل في بداية عام 2017م إلى 1000 دولار، ثم تصاعد «البيتكوين» بشكل سريع حتى وصل إلى نحو 6055 دولارا في 21 أكتوبر الماضي، واعتبارا من فبراير 2015، فقد اعتمد أكثر من 100.000 تاجر وبائع البيتكوين كعملة للدفع.
وتشير تقديرات البحوث التي تنتجها جامعة كامبريدج إلى أنه في عام 2017، هناك ما بين 2.9 إلى 5.8 ملايين مستخدم يستعمل محفظة لعملة رقمية، ومعظمهم يستخدمون البيتكوين.
وقد سجلت ارتفاعات فلكية في الشهور الأخيرة من عام 2017 حيث ارتفعت قيمتها بنسبة 1327% ولكنها في الوقت ذاته متذبذبة القيمة ومضطربة فقد تعرضت لهزات عنيفة – وتدنت مليارا في أسبوع -.
فقد تتدني قيمتها الى النصف أو أكثر وتراجعت القيمة السوقية لعملة البيتكوين والريبل والايثير630 دولارا مقابل 730 بنهاية الأسبوع الماضي.
وتعد ألمانيا من الدول التي اعترفت رسميا بعملة بيتكوين بأنها نوع من النقود الإلكترونية، وبهذا اعتبرت الحكومة الألمانية أنها تستطيع فرض الضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بـ«البيتكوين»، في حين تبقى المعاملات المالية الفردية معفاة من الضرائب. ويتداول البيتكوين في أسواق كوريا الجنوبية.
وهذا يكفي لمعرفة حقيقة ما يسمى عملة بيتكوين ولتصور ومعرفة حقيقتها.
فإذا اعتبرناها نقدا فإن حقيقة النقد ووظيفته لا تتحقق فيها، فقد وضع الفقهاء تحديدا دقيقا لحقيقة النقد فهو وسيط للتبادل، ومعيار ومقياس لقيم الموجودات بيعا وشراء.
ومعيار للمدفوعات الآجلة، وتحظى بالقبول العام.
والحكم الشرعي ليس متعلقا بمادة البيتكوين إن كانت من حديد أو ورق أو رقما الكترونيا، فليس المهم الشكل أو المادة وإنما المهم والمعتبر تحقق معنى وحقيقة النقد بأن يكون معيارا ومقياسا لما يتعامل به، ولا تكون هي مقصودة بالبيع والشراء مثل السلع.
كما قال الإمام ابن تيمية: «الدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها بل هي وسيلة إلى التعامل بها، ولهذا كانت أثمانا بخلاف سائر الأموال، فإن – هذه الاموال - المقصود الانتفاع بها نفسها» والعملات في الدول اليوم لا تعتمد للتداول إلا باعتماد بنوكها المركزية.
ولكن البيتكوين اذا اعتبرناها عملة فإن البنوك المركزية لم تعتبرها، فإذا اعتبرتها أصبحت عملة مضمونة بضمان البنك، وهذه العملة لا تخضع لهذه البنوك.
فهي عملة غير مضمونة، وفي هذا جهالة ومخاطرة، بل لا يعرف لهذه العملة مصدر محدد يمكن الرجوع إليه، فالجهالة والغرر مستحكم فيها، وهي بصورتها الحالية نوع من القمار، لأن من يتعامل بها يقدم بوضع أمواله وهو يعلم بالمخاطر ويعلم أنها عملة غير مضمونة من جهة بنكية معتبرة، ويعلم باضطرابها، وأنها قابلة للخسارة لبعض أو كل أمواله، لأنه لا قيمة حقيقية لها، إذ القيمة الحقيقية لها كما يقول المختصون «ان القيمة الحقيقية للبيتكوين الإلكترونية هي صفر».
ومع ذلك يطمع المتعامل بالربح وهذه هي المقامرة المحرمة. ولعل أخطر ما فيها اقتصاديا أنها تخل بتوازن سيولة الأموال في الدولة التي يشرف عليها ويوجهها البنك المركزي، فأضرارها على الدولة كبيرة، وخاصة أنها أفسح مجالا وأوسع في غسيل الأموال المشبوهة الناتجة عن عمليات المخدرات أو بيع الأسلحة وغيرها، وهي غطاء للفساد المالي والتهرب الضريبي وغير ذلك من المفاسد والأضرار على ميزانيات واستقرار الدول إلى جانب الأضرار على المتعاملين، ولهذا منعت العديد من الدول التعامل بها وبدأت تراقب نمو الأموال غير الطبيعية للشركات والأفراد وتجرم أعمالهم.
وبناء عليه فيحرم تداول هذه العملة لأنها جمعت بين الغرر والجهالة والمقامرة، إلى أن تتحقق فيها عناصر العملة المعترف بها دوليا وتخلو من هذه المحاذير.
ويقول أستاذ الفقه د.جلوي الجميعة إن البيتكوين هي عملة الكترونية افتراضية ليس لها غطاء من ذهب أو فضة فهي ليست أكثر من سلعة، ولكن هذه السلعة مجهولة المصدر، فلا ضامن لها، وتتيح مجالا كبيرا للنصب والاحتيال والمضاربات والمخادعات، إذن لا يجوز بيعها ولا شراؤها وبخاصة أن مصدرها المجهول يوجد شكوكا في أن هذا المصدر ليس بعيدا عن بعض الدول الرأسمالية أو عصابة مرتبطة بدول لها غرض خبيث، أو بشركات دولية كبرى للقمار وتجارة المخدرات وغسيل الأموال وإدارة الجرائم المنظمة، والخلاصة أنها سلعة مجهولة المصدر لا ضامن لها، عرضة لعمليات النصب والاحتيال لاستغلال هذه الأمور لنهب ثروات الناس، ولذلك فلا يجوز شراؤها ولا التعامل بها للأدلة الشرعية التي تنهى عن شراء وبيع كل سلعة مجهولة وكل بيع فيه غرر، ومن الأدلة على ذلك: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الانعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل أو وزن، ونهى عن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص».
رواه ابن ماجة واللفظ له، والترمذي مختصرا، وابن أبي شيبة وأحمد، والدارقطني، والبيهقي.
وعن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم : «نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة» رواه الطبراني في الكبير والبزار.
وعن نافع عن ابن عمر قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر» وقد أخرج مسلم النهى عن بيع الغرر من حديث ابن عباس والطبراني من حديث سهل بن سعد ولأحمد من حديث ابن مسعود رفعه: «لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» فشراء السمك في الماء نوع من أنواع الغرر، ويلحق به الطير في الهواء والمعدوم والمجهول والآبق ونحو ذلك.
مال وهمي
ويرى د.سعد العنزي أن موضوع «البيتكوين» موضوع كبير ويحتاج الى مجالس لمناقشته، خاصة أنه مال وهمي ليس له أصل وهو مال برمجي غير حقيقي.
كما أن البنوك المركزية في العالم تحذر منه وفيه الكثير من النقاط التي تحتاج الى نظر ومتابعة وفيها أيضا نقاط تخالف الشرع كالجهالة وغيرها.
لذلك أرى أن نترك الحكم للمجامع الفقهية للنظر بتوسع لهذه العملة لوجود الكثير من الشبهات فيها وتوضيح تفاصيلها لتبيين حقيقتها وكيفيتها ومن ثم يصدر الحكم لكل جزء من أجزائها الرقمية.