الحرية قضية تاريخية عقائدية فكرية فلسفية اجتماعية، قضية الإنسان مع نفسه وقضيته مع غيره، وقضية الغير معه.
وقد خلق الله الإنسان مولودا حرا مكرما تعشق نفسه وروحه الحرية، وتطمح لأن تعيش كما تريد وتهوى، لا كما يريد لها الآخرون ويهوون، فالأصل في الإنسان الحرية، وسلبها أو سلب بعضها عارض، لا يحاكي حقيقة هذا الأصل، فيعيش أناس متمتعين بالحرية، وآخرون محرومين وإن ولدوا أحرارا لكنهم ولتوهم يفتحون أعينهم على الأرض عبيدا لمجرد أن آباءهم وأمهاتهم مستعبدون، والتاريخ يحكي أن الأقلية قد تستحوذ على حرية الأكثرية، كما يستحوذ الغزاة المعتدون المستعمرون على ديار غيرهم، فيملكون الأرض وخيراتها، ومن عليها من أهلها عبيد.
وقد تستبعد الاكثرية الاقلية وتسلبهم حريتهم باسم الاجناس الشريفة والأصول والأعراق والقبائل، وما الى ذلك من ظلم الإنسان للإنسان، ولا يبعد القول: ان محور صراع الإنسانية هي هذه الحرية مطلوبة أو مسلوبة، وقصة الحضارة منذ نشأت هي هذه.
بسببها ساد الظلم والفساد والإفساد على هذه الأرض، ومنذ أن سلب قابيل حرية هابيل، وإلى أن يرث الله الأرض والناس أجمعين.
بسببها قامت حروب محلية ودولية وعالمية، فنيت فيها ملايين النفوس.
ومما جعل موضوع الحرية شائكا وتشتد الحاجة الى بيان مفهومه وحدوده وضوابطه، الانحراف الفكري والعقائدي، وشيوع الاتجاه الإلحادي باسم الحرية، حرية الفكر والتعبير.
وان انحرافا أو شذوذا آخر الى جانب الانحراف العقائدي، الانحراف الأخلاقي والسلوكي باسم الحرية، أفرادا وسلطة ونظما، فحسب أفراد ذكور وإناث أن بوسعهم أن يفعلوا ما يحلو لهم فهم أحرار في أنفسهم ومظهرهم وملبسهم وتصرفاتهم وإن تعدت حدود حق الآخرين أو خرقت الخلق والدين والآداب والأعراف.
وانحراف الافراد هذا قد يكون منبعه ومظلته السلطات والنظم التي تسمح وتتوسع في مفهوم حرية الافراد حتى لو نزعوا عنهم ستر العفاف والعفة باسم الحرية الشخصية، بل وتحميهم تلك النظم من أن يعترض أو يعتدي عليهم أحد، حتى وصل الشذوذ منتهاه فأقرت بعض هذه النظم الانحلال والتعري وزواج المثليين وما هو من جنس ذلك فاعتبروا انتكاسة الفطرة نوعا من التقدم والحرية.
وإن من الأبواب التي ولجها الانحراف الفكري والعقائدي واتخذها وسيلة للانحراف ميدانين خطيرين:
الأول الفضائيات، والثاني: ما اصطلح على تسميته «وسائل الاتصال الحديثة»، أما الأول فأمره واضح ومساهماته في الانحراف الفكري والعقائدي، ومحاربة عقيدة الإسلام وتشويهها جلية واضحة، فهناك فضائيات متخصصة في ذلك لا يردعها نظام ولا قانون محلي أو عالمي وتدعي أنها محمية بالنظم والقوانين والمواثيق الدولية.
ولعل ما يحتاج الى مزيد بيان وتوجيه النظر اليه هو ما يسمى بوسائل الاتصال الحديثة، وتشمل التواصل والنشر عبر الانترنت والتويتر، والواتساب، وأمثالها وقد أعطت هذه الوسائل مساحة واسعة ومؤثرة في نشر عقيدة الإسلام ومفاهيمه وتصحيح الكثير من الممارسات الخاطئة، وأسلم كثير من الناس بسبب هذه الوسائل سواء الفضائيات أو وسائل الاتصال الحديثة.
ولكن الذي يعنينا منها هنا النشر المنحرف عقائديا وفكريا، عبر وسائل الاتصال الحديثة.
فالملاحظ في العديد منها الطرح الإلحادي والمعادي لعقائد الإسلام خاصة، ويتخذ دعاته من هذه الوسائل وسيلة لنشر انحرافاتهم، ومما يعين ويشجع هذا النهج انعدام التكلفة المالية وانعدام الرقابة في العديد من الدول تحت مسمى حرية التعبير والرأي، ومحدودية الرقابة في العديد من الدول، والأخطر من هذا ادعاء أن هذا محمي بالقوانين والنظم والمواثيق الدولية، وان منعه يعد خرقا لهذه القوانين والنظم، وللأسف فإن هذا الادعاء يجد له مستندا فعلا في كثير من هذه القوانين والنظم والمواثيق الدولية.
ومن خطورة وسائل الاتصال الحديثة هذه أيضا أن استخدامها فردي في صفته العامة، ولكن قد تتخذه جهات متخصصة في حرب عقيدة المسلمين وسيلة قد تظهر فيها باسمها المعلن، وقد تنتحل صفة فردية.
وهذا كله جعل الحاجة ضرورية أن يتدخل الإسلام بمنهجه القويم فيبين للبشر المفهوم الصحيح للحرية، وأن يخرج الانسان من حظيرة البهيمية الى طبيعته وفطرته الإنسانية، (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ـ سورة الروم: 30)، وما رسالة الإسلام، كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا دعوة الى الحرية، وإلى عودة الإنسان مكرما كما خلقه الله وأراد له أن يكون مكرما، دعوة للحرية بمعناها الواسع حرية العقيدة من داخل النفس، وحمايتها من خارجها، بمحاربة الظلم والفساد والإفساد، والجهاد لحفظ كرامة الإنسان من أن تنتهك، والسعي لتحقيق العدل والإخاء والمساواة بين بني البشر أجمعين.