السيرة النبوية تضع بين يدي قارئها أعظم صورة عرفتها الإنسانية، وأكمل هدي وخلق في حياة البشرية، كما انه لم يعرف إنسان على هذه الأرض عُرف تاريخه على وجه الدقة مثل نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، مع وضوح هذه السيرة قبل مولده وبعده حتى وفاته.
قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (الأحزاب: 21).
قال الحافظ ابن كثير (التفسير 6/350): «هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أُمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم؟».
وقال سبحانه: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (الحشر: 7).
وقال الله عز وجل: (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) (آل عمران: 32).
قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ (الأخلاق والسير 91): «من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق ـ كلها ـ واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقه، وسيرته ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به، بمنه، آمين».
وكان السلف الصالح يتدارسون السيرة النبوية لما لها من أهمية في حياتهم الدنيوية والأخروية، وقد نقل الخطيب البغدادي في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (195/2) جملة من الآثار النافعة حول أهمية السيرة ودراستها:
1 ـ قال الإمام الزهري: «في علم المغازي علم الآخرة والدنيا».
2 ـ وقال إسماعيل بن محمد بن سعد: «كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعدها علينا، وسراياه، ويقول: يا بني، هذه مآثر آبائكم، فلا تضيعوها».
3 ـ وقال علي بن الحسين: «كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه، كما نُعلَّم السورة من القرآن».
وقال ابن سعد في ترجمة المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث: «وكان ثقة قليل الحديث إلا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها عن أبان بن عثمان، فكان كثيرا ما تُقرأ عليه ويأمرنا بتعلمها».
قال الحافظ ابن كثير (الفصول 8): «فإنه لا يجمل بأولي العلم إهمال معرفة الأيام النبوية، والتواريخ الإسلامية، وهي مشتملة على علوم جمة، وفوائد مهمة، لا يستغني العالم عنها، ولا يعذَر في العرو منها».
لأن دارس السيرة النبوية يجد ما يعينه على فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالآيات القرآنية تفهم من خلال السيرة النبوية كما في قوله تعالى: (ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) (الأنفال: 62)، فلا يمكن التعرف على ظروف نزولها بدقة ما لم نتمكن من معرفة قصة الأسرى بعد غزوة بدر الكبرى.
كما أن دارس السيرة يتعرف على ما حفلت به السيرة من مواقف إيمانية عقدية وقفها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لإعلاء كلمة الله، تقوي من عزائم المؤمنين السائرين على خطى نبيهم صلى الله عليه وسلم، وتثبتهم في الدين، وتبعث فيهم روح التضحية والجهاد.
كما ان التعرف على شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وآدابه، وصفاته الخَلقية، تنبه المسلم على مكارم الأخلاق وتذكره بفضلها، وتعينه على اكتسابها، ومن عرف شمائل نبيه وأحبه اقتدى به، ومن اقتدى به فقد اهتدى.
قال ابن حزم (الفصل 73/2): «فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى».