حول الأمراض التي تنتقل بالوراثة وخصوصا زواج الأقارب يشير د.المنذر الحساوي الى أنه في أغلب الأحيان يكون أحد أفراد العائلة حاملا المرض ولا تظهر عليه الأعراض الا إذا تم الزواج من شخص آخر حامل للمرض، فإن اعراض هذا المرض تظهر في هذه الحالة في نسلهما، مؤكدا ان اغلب حال المصابين بأمراض الدم الوراثية لديهم هذا الموضوع وهي الانيميا المنجلية والثلاسيميا إضافة إلى بعض الأمراض الأخرى عند وجود تاريخ عائلي للمرض.
ويحكي د.المنذر عن حالة صادفته فيقول: طفل عمره خمس سنوات تعرفت عليه قبل تخرجي في كلية الطب إذ كان حينها طريحا في المستشفى بسبب مرض وراثي في الدم، اشفقت عليه وعلى حاله وقضيت معه أياما معدودة ثم انقطعت لقاءاتنا بسبب انتقالي الى مستشفى آخر، ومرت الأيام والسنوات ونسيت الأمر الى أن كان في يوم ما بعد تخرجي واثناء عملي في المستشفى الأميري حينذاك قابلته مرة أخرى وهو لايزال يصارع المرض نفسه وقد نهش من جسده، وأخذ منه ما أخذ ولقد بلغ عدد مرات دخوله المستشفى اكثر من 20 مرة وتجاوز عدد سجلاته الطبية سجلات مرضى في الـ 80 من أعمارهم، فقلت في نفسي وكلي إيمان بقضاء الله وقدره: ما الذي منع اباه وامه من فحص بسيط قبل زواجهما ما كان ليستغرق ساعات، ليس من اجلهما بل من أجل هذا المسكين الذي ظل طوال حياته في المستشفى يكابد ما يكابد؟ إنها النظرة القاصرة للأمور وعدم التبصر بالعواقب فقد يغلب الهوى أو الحب والعشق حينها، وقد يظن البعض للأسف ان هذا من تمام التوكل ولو زار أحدهم المستشفيات يوما واحدا لأيقن ان ما فعله هو عين التوكل.
ضرورة
وأكد الحساوي ان الذي قدر الاسباب والمسببات وأنزل الداء هو الذي انزل الدواء، ولا خلاف في أن الدواء الأمثل والأفضل لهذه الأمراض الوراثية هو تجنبها قبل وقوعها، ولا يكون ذلك الا بالفحص قبل الزواج، فمغبون ومغرربه من يظن ان الفحص قبل الزواج يقدح في عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر.
وأوصى د. الحساوي بالتوعية الثقافية لتقليل نسبة زواج الأقارب وتشجيع المقبلين على الزواج خصوصا الأقارب مع القيام بعمل التحاليل الوارثية اللازمة قبل الزواج، مؤكدا أن فحص الراغبين في الزواج أصبح ضرورة حتمية، سواء قبل الزواج أو بعده مباشرة حتى لا يفاجأ الزوجان بوجود خلل يؤثر في حياتهما أو إصابة أحدهما بمرض معد لذا فبالمصارحة والفحص يمكن للزوجين تلافي العديد من المشكلات.
إحصاءات
وزاد د.الحساوي: يتوقع إحصائيا أن يصاب طفل واحد من كل 25 بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات أو بمرض له عوامل وراثية خلال الـ 25 سنة من عمره، ويتوقع ان يصاب طفل واحد لكل 33 حالة ولادة بعيب خلقي شديد، كما يصاب نفس العدد بمشكلات تأخر في المهارات وتأخر عقلي وتسعة من هؤلاء المصابين بهذه الأمراض يتوفون مبكرا أو يحتاجون الى البقاء في المستشفيات لمدة طويلة أو بشكل متكرر ولها تبعات مالية واجتماعية ونفسية.
انتشار الأمراض
وحول نوعية الأمراض المنتشرة في العالم العربي، أفاد الحساوي بأن نسبة الانتشار لهذه الأمراض تختلف من دولة إلى أخرى ولكن بشكل عام تعتبر الأمراض الأكثر شيوعا في العالم العربي هي أمراض الدم الوارثية مثل فقر الدم المنجلي وفقر الدم البحر المتوسط وانيميا الفول، وامراض الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات الجذعي وأمراض ضمور العضلات باختلاف انواعها، وضمور المخ والمخيخ، أما القسم الثاني فيضم أمراض التمثيل الغذائي المعروفة بالأمراض الاستقلابية التي تنتج بسبب نقص انزيمات معينة وتشمل القسم الثالث امراض الغدد الصماء خاصة امراض الغدة الكظرية والغدة الدرقية ومعظم هذه الأمراض تنتقل بالوراثة المتنحية والتي يلعب زواج الاقارب فيها دورا كبيرا في زيادة اعدادها.
وعن أهمية الفحص الطبي قبل الزواج، قال الحساوي من الممكن إلى حد ما التنبؤ باحتمال اصابة الذرية بمرض وراثي عن طريق فحص الرجل والمرأة، وعلى حسب نوع المرض يمكن الحديث عن امكانية تفادي حدوثه أو لا.
زواج الأقارب
وأكد د.الحساوي ان زواج الأقارب له دور كبير في الإصابة بالأمراض الوراثية الناتجة عن الوارثة المتنحية كفقر الدم المنجلي وانيميا البحر المتوسط، ولكن هذا لا يعني ان عدم الزواج بين الأقارب يضمن أن تكون الذرية سليمة من أي مرض وراثي ولذلك من المهم القيام بتحاليل للكشف عما اذا كان الشخص حاملا للمرض بغض النظر عن صلة القرابة، لذلك ففحوصات ما قبل الزواج مهمة للاقارب وغير الاقارب وتكون اكثر أهمية للأقارب إذا كانت هناك أمراض وراثية.
آثار نفسية
حول أثر الفحوص قبل الزواج نفسيا واجتماعيا يقول د.صالح الشويت من كلية الآداب ـ علم النفس: الفحص الطبي قبل الزواج أمر مهم جدا لأنه يحدد طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة خاصة إذا عرف مرض أحد الطرفين سواء الزوج أو الزوجة حتى يقبل كل طرف بهذه الشروط، وهذا بكل تأكيد يجلب الاستقرار والاطمئنان فيما بعد نتيجة لمعرفة مرض كل واحد منهما، وبذلك يكون للفحص اثر طيب من ناحيتين: الناحية الأولى هي الاستقرار والثانية هي البدء في مرحلة العلاج إذا ما كان المرض يستوجب العلاج.
ويشجع د.الشويت على إجراء الفحوص الطبية قبل الزواج خاصة انها لا تتعارض مع الدين أو التقاليد الاجتماعية، واشار الى أن رفض بعض الدول الفحوصات يعود الى عدم وجود الثقافة الكافية.