هو ابن عامر بن مجدعة الأنصاري الشهيد وكان من الصادقين مع الله الذين رفع الله ذكرهم بصدقهم فنالوا شرف الشهادة، أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عشرة من الصحابة عيونا وجعل عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري فأحاط بهم أعداؤهم فرموهم بالنبال فقتل عاصم أميرهم وأوثق الأعداء جنيب بن عدي وباعوه في مكة فاشتراه بنو الحارث بن عامر وكان جنيب هو القاتل للحارث يوم بدر فلبث عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله فسألهم ان يعطوه موسا ليستحد بها ـ أي يحلق شعره ـ فأقبل عليه وهو في قيده غلام صغير لبنت من بنات الحارث ففزعت فقال جنيب: أتخشين أن أقتله والله ما كنت لأفعل ذلك أبدا، فقالت بنت الحارث: والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من جنيب.
فانهم خرجوا به ليقتلوه خارج الحرم، فقال جنيب دعوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين ثم قال: الله احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم احدا ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلما
على أي جنب كان في الله مصرعي
ذكر حسن
كان جنيب اول من سن الصلاة عند القتل ثم قال «اللهم اني لا اجد من يبلغ رسولك مني السلام» فبلغه جبريل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فأخبر صلى الله عليه وسلم اصحابه بذلك وتظهر صلابة الرجل وصدقه مع الله وحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضع على الخشبة فقالوا له وهو مصلوب يا جنيب أتحب ان تعود الى اهلك وولدك ويكون مكانك هنا محمد، فقال رضي الله عنه: والله ما احب ان يفديني بشوكة في قدمه، فأعطى رضي الله عنه مثلا كريما في ثباته وصدقه مع الله ومع رسول الله فنال هذه الكرامات العاليات وبقي ذكره على ألسنة الصادقين يدفع أهل الحق للثبات على حقهم ويقوي دعاة الخير للصمود امام معاول الهدم وسهام الاحقاد وبقي ذكر جنيب في صفحة الخالدين الأولين فنتذكره دائما اذا ذكر الصدق ونأخذه نموذجا حيا حينما نسلك مسالك الدفاع عن حقوقنا وعن احد مواقف الصدق مع الله، لجنيب بن عدي في عدم استكانته لمصاعب العدو ولا لضغوط المشركين موقف يثبت صدق الصادقين مع الله الذين قال فيهم ربنا سبحانه وتعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) وكان هذا الموقف دعوة للمسلمين في كل زمان ومكان لاتخاذ هؤلاء الصادقين أسوة وقدوة، فما رفع منزلة جنيب وجعله خالدا في أذهان الأمة الا موقف الصدق الذي وقفه فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على ثبات الايمان عند الرجال الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغلغل الايمان في قلوبهم.