- الطبطبائي: ينبغي استحضار سيرته العطرة بقلوبنا وليس بألسنتنا فحسب
- علي: فلنتأمل أخلاقـه صلى الله عليه وسلم لتكون منهجنا القويم في حياة يسودها الحب والسلام
-
بوحمرا: ما أحوج الناس إلى هذا الخلق في عصر متلاطم الأمواج وغابت فيه القيم!
مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف ونحن ننهل من كتب السيرة النبوية العطرة ونأخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة والمثل الصالح. وحول ما يجب علينا كمسلمين من التأسي بسيرته وهو سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ورسول الإنسانية، ماذا يقول العلماء؟
خلقه القرآن
يقول العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.محمد الطبطبائي: جميع مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم هي المثل الاعلى لكل مسلم حتى مع اعدائه ومن تعمدوا ايذاءه، كان يدعو الى العفو والسماحة، يقول الإمام ابن عياض في كتاب «الشفاء»: انه لا يخفى على احد ان كان حليما قد عرفت منه زلة وخطفت عنه هفوة ولكن صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد من كثرة الاذى الا صبرا وعلى اسراف الجاهل الا حلما، ولذا كانت تقول السيدة عائشة رضي الله عنها «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط الا اختار ايسرهما ما لم يكن اثما فإن كان اثما كان ابعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه الا ان تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله وعندما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم احد شق ذلك على اصحابه وقالوا لو دعوت عليهم يا رسول الله فقال: اني لم ابعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».
الاسرة
وعن علاقته صلى الله عليه وسلم الاسرية بأهل بيته قال الطبطبائي: كان صلوات الله عليه يقوم الليل راكعا ساجدا يفيض الدمع من عينيه من خشية الله متهجدا يسمع لصدره ازيز بكاء الرجال فتقول له عائشة: اتفعل ذلك يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيجيبها: «أفلا أكون عبدا شكورا» فلقد كان خلقه القرآن كما قال الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم).
تعليم الأبناء
وبين د.الطبطبائي ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك مناسبة الا ويعلم فيها الاباء كيف يعينون ابناءهم على ان يبروهم فتراه يحرص على ان يكون الاباء والامهات القدوة فيما يأمرون به الابناء، فيروي ابو داود عن عبدالله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني امي يوما ورسول الله قاعد في بيتنا فقالت: يا عبدالله تعال حتى اعطيك فقال لها صلى الله عليه وسلم ما اردت ان تعطيه؟ قالت اردت ان اعطيه تمرا فقال: اما انك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة، وروى انس رضي الله عنه ان رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، وجاءت ابنة له فأجلسها بين يديه فقال له رسول الله: الا سويت بينهما. واضاف: فليتعلم من يشكون التفكك الاسري وعقوق الابناء ويعزون ذلك الى العولمة ودعاوى المادة نقول لهم قوله صلى الله عليه وسلم : «رحم الله والدا أعان ولده على بره»، وقوله صلى الله عليه وسلم «الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها وقوله: «لأن يؤدب الرجل ولده خير من ان يتصدق بصاع».
الملاطفة
وزاد د.الطبطبائي ومازال يتحدث عن حياة الرسول الاسرية ورحمته بالصغار فقال: وكان صلى الله عليه وسلم يضرب بنفسه القدوة في ملاطفة الصغار ففيما رواه مسلم انه اتي بشراب لرسول الله فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره اشياخ فقال للغلام: اتأذن لي ان اعطي هؤلاء فقال الغلام، لا والله لا اوثر بنصيبي منك احد! فكانت هذه الملاطفة منه صلى الله عليه وسلم لذلك الصبي سببا في أن يتعلم هذا الطفل آداب الشراب وأن تكون لديه الثقة بالنفس فلا يمكن أن يتعلم الاطفال الأمانة والصدق إذا كان الآباء يكذبون ولا يمكن ان يتعلموا حلاوة اللسان إذا كان الآباء يشتمون ولا يمكن أن يتعلموا الرحمة والمودة إذا رأوا القسوة والجفاء من الوالدين ولا يمكن أن يتعلم الطفل الاتزان إذا كان يرى من ابويه الغضب والعصبية والانفعال. فينبغي لنا استحضار مسيرته العطرة بقلوبنا وليس بألسنتنا فحسب.
سماحة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن سماحة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب والمشركين يقول الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف د.عبدالعال علي لم تقتصر سماحة النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين فقط بل شملت أهل الكتاب والمشركين اثناء الحرب فقد أوصى بالقبط خيرا وثبت عنه أنه قال: «إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما» وفي صحيح مسلم «ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما» أما سماحته مع اليهود فعندما قتل أحد الصحابة في أحد أحياء اليهود في خيبر فقد رضي وقبل صلى الله عليه وسلم يمين اليهود إذ أقسموا أنهم لم يقتلوه ولم يعلموا قتله فقد أخرج البخاري بسنده عن بشير بن يسار قال: «زعم أن رجلا من الانصار يقال له سهل بن أبي حثمة اخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا قتيلا وقالوا للذي وجد فيهم قد قتلتم صاحبنا قالوا ما قتلنا فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا قال: الكبر الكبر فقال لم تأتونِ البينة على من مقله؟ قالوا: مالنا بينة قال: فيحلفون، قالوا: لا نرضى أيمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه فوداه بمائة من ابل الصدقة، وانتقل الداعية علي إلى مثل آخر من سماحته صلى الله عليه وسلم مع لبيد بن الأعصم الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة وجف طلع نخل ذكر في بئر روان وحين أخبر عائشة بذلك قالت له أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا، فأمر بها فدفنت وهكذا كان تسامحه مع بعض المنافقين فقد تحمل المنافق عبدالله بن أبي بن سلول رأس الإفك ومع ذلك فقد عفا عنه صلى الله عليه وسلم بل حينما مات عبدالله بن أبي غطاه بقميصه واستغفر له حتى نزل قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم).
أهل الذمة
ويبين الداعية علي ان حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه أي محاججه» يدل على سماحة رسولنا الكريم مع أهل الذمة، حيث وجه الاسلام اتباعه إلى حسن الحوار وأدب الجدال مع أهل الكتاب وهم أهل الذمة فقال القرآن: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)، فعلينا أن نأخذ العبر والعظات من رسولنا الكريم ونسأل انفسنا ماذا فعلت امته برسالته ومنهجه، فلنأخذ منه صلى الله عليه وسلم العبرة والتذكر وأن نتأمل أخلاقه لتكون منهجنا القويم في حياة يسودها الحب والعدل والسلام والعلم والمعرفة والرقي الانساني.
الرسول القدوة
وتضيف مديرة ادارة التنمية الاسرية بوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية سعاد بوحمرا ان الله تعالى جعل الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة ونموذجا يجسد الدين الذي ارسل به حتى يعيش الناس مع هذا الدين ورسوله واقعا حقيقيا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة للامة في تطبيق هذا الدين ليكون منارا لها الى يوم القيامة، يقول الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)، فهو القدوة الحسنة في جميع مجالات الحياة، ففي بيته وصفته ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: كان خلقه القرآن، فانبثق سائر اعماله عليه صلى الله عليه وسلم من هذا الخلق العظيم الذي اشار اليه القرآن الكريم (وانك لعلى خلق عظيم)، وكان هذا الخلق واضحا في بيته مع زوجاته وبناته، حيث كان يحدثهن بأطيب الكلام وارق التعابير وكان يلاعبهن ويلاطفهن ويدخل السرور الى قلوبهن ويعدل بينهن. قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اراد ان يخرج في سفر اقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، وتقول عنه ايضا: كان بشرا من البشر يغسل ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه، يفعل هذا وهو نبي الامة وقائدها يريد ان يعلم امته من بعده ان الانسان مهما علا شأنه واسمه يجب عليه الا يتنكر ولا يتجبر بل يحافظ على تواضعه وحلمه، وكتب السيرة حافلة بمثل هذه الصفات التي تميزت بها شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته وبين اهله.
أخلاقه مع الصغار
وتذكر لنا بوحمرا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما ودودا مع الصغار، حيث كان صلى الله عليه وسلم يمازحهم ويلاعبهم وكان لا يغضب عليهم ولا يضربهم حتى احبه جميع الصبيان والاطفال، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيدعو لهم فأتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فاتبعه اياه ولم يغسله، وكان صلى الله عليه وسلم يلاعب زينب بنت ابي سلمة ويقول: يا زوينب، واذا اصاب احد الاطفال مكروه تجد الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي عليهم ويحزن لمصابهم، فقد رآه مرة سعد بن عبادة رضي الله عنه وعيناه تفيضان دموعا، فقال رضي الله عنه: يا رسول الله، ما هذا؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وانما يرحم الله من عباده الرحماء، وكان يداعب الحسن والحسين فيمشي على يديه وركبتيه ويتعلقان به من الجانبين فيمشي بهما ويقول: نعم الجمل حملكما ونعم العدلان انتما.
مع أعدائه
واشارت بوحمرا إلى معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اعدائه والتي ادهشت العالم فلم يظهر في التاريخ ارحم منه مع اعدائه رغم ما كان يلاقيه منهم من الاذى والعذاب والتشريد، فعندما فتحت مكة ودانت للدين الجديد القبائل والوفود وصار جميع الاعداء الذين كانوا يحاربونه بالامس ويحاربون دعوته تحت يده وتصرفه نادى فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش، ما ترون اني فاعل بكم؟ فقالوا: خيرا، اخ كريم وابن اخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وعندما ذهب الى الطائف لعله يجد من ينصره هناك استقبله بنو ثقيف بالطرد ولحقه صبيانهم بالحجارة والشتائم حتى ادميت قدماه، جاءه ملك الجبال وقال له: ان شئت ان اطبق عليهم الاخشبين، فقال صلى الله عليه وسلم: بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا.
فما احوج الناس الى هذا الخلق العظيم في هذا العصر المتلاطم الامواج، حيث حلت الوحشية محل الرحمة، والنفاق محل الصدق والاخلاص، وما نراه على مدار الساعة ما بين القتل والتشريد والحرمان والفقر في العالم هي من نتائج غياب الاخلاق والقيم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الامة.