شافعي سلامة
صدر حديثا كتاب جديد لينضم زهرة جديدة فواحة العبير إلى بستان المكتبة الكويتية يستمتع به كل مهتم بالثقافة والأدب في الديرة لا سيما القصة القصيرة وتاريخها. «طلائع كتّاب القصة الكويتية» كتاب يسرد تاريخ هذا الفن الجميل الذي قالت عنه د.سعاد الصباح في تقديمها: «للقصة القصيرة خصوصية في الأدب من حيث قدرتها على إعطاء صورة حية ونابضة عن المجتمع وعلائقه وعلاقاته، وتطوره وهموم الفرد وهموم العامة فيه، واهتمامات المواطن وقضايا الوافد ومن بينهما، ومئات الصور التي يسبر غورها عالم القص المذهل والجميل، والذي كان للأديب الكويتي فيه حضور وسبق على مستوى الأدب العربي».
جاء الكتاب الذي يلقي الضوء على مجموعة من كتاب القصة القصيرة اللامعين في 392 صفحة من القطع المتوسط وهو يضم بين دفتيه دمجا للبحثين الفائزين بالمركزين الأول والثاني في مسابقة د. سعاد الصباح للإبداع الأدبي والفكري ضمن موسم عام 2011 ـ 2012، كما يقول مدير دار سعاد الصباح علي المسعودي في توطئة الكتاب. هكذا ينقسم الكتاب إلى جزأين أو فصلين الأول ألفته شيماء جنيدي محمد والثاني من تأليف فيبي فايز حبيب.
يتحدث الفصل الأول عن البدايات والرواد، حيث جيل البعثة ثم جيل الستينيات. تبدأ شيماء جنيدي بالحديث عن أول قصة كويتية والتي كتبها الشاعر خالد الفرج ونشرها في العددين السادس والسابع من مجلة الكويت الصادرين في شهري نوفمبر وديسمبر من العام 1929 والتي بدأت، كما تقول، بهذه المقدمة الأنيقة: «تلك القوة المجهولة الخارقة الكامنة بين ذرات المغناطيس تجذب إليها القطع العديدة من المعادن؛ أشبه شيء بذلك الجسم الذي يمثل الشباب الغض والجمال الكامل فيجذب إليه حبات القلوب ونظرات العيون؛ تلك المجموعة الرائعة الجذابة مصوغة بصورة امرأة من البشر أطلق عليها أهلها اسم منيرة..»، ثم أوضحت الكاتبة أنه على الرغم «من أن منيرة بطلة خالد الفرج تنتحر في ختام القصة بسبب عجزها عن مواجهة ما آلت إليه أحداثها المأساوية، لكن ذلك الموت الاختياري العاجز يفتح الباب واسعا أمام حياة مستقبلية للفن القصصي برمته في الكويت، فبعد فترة توقف تلت ظهور أول محاولة قصصية منشورة استمرت ما يقرب من عشرين عاما، بدأت إرهاصات حياة قصصية جديدة تنشط على صفحات الصحف والمجلات التي كانت قد بدأت بالصدور بانتظام في كويت الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين».
ثم تناولت جنيدي بعد ذلك في حديثها عن جيل البعثة مجموعة متميزة من الرواد الأوائل في الحركة الأدبية والثقافية في الكويت بالإضافة إلى خالد الفرج ومنهم فهد بن يوسف الدويري، فاضل خلف، جاسم القطامي، ونجمة إدريس؛ حيث تناولت سيرتهم ومسيرتهم الأدبية وإسهاماتهم في مضمار القصة القصيرة، وتناولت بالتحليل أعمالهم ومشاركاتهم في الساحة الأدبية وبصماتهم التي تركوها على مسيرة العلم والثقافة والفن والأدب والفكر في الكويت. فمن شعور خالد الفرج في كتاباته بوحدة الأرض العربية الى الحس الاجتماعي لدى فهد الدويري وتركيزه على ضرورة إصلاح وضع الطبقة الفقيرة نرى تصوير فاضل خلف لواقع الأسرة واهتمامه الكبير بوضع المرأة وتقيده بالخصوصية الكويتية والتزامه بالخطوط العامة للواقعية، ثم نرى اهتمام جاسم القطامي بوضعية البحار وما يتعرض له من ظلم من جراء العلاقات الاقتصادية السيئة. ثم تتناول جنيدي في نهاية حديثها عن هذه المرحلة الكاتبة نجمة إدريس واهتمامها في كتاباتها بموضوع القهر الاجتماعي الذي يمارس ضد المرأة في المجتمع الذكوري.
جيل الستينيات
في الجزء الثاني من الفصل الأول تتطرق جنيدي الى كتاب جيل الستينيات وهم: سليمان الشطي، سليمان الخليفي، عبدالعزيز السريع، إسماعيل فهد إسماعيل، مشيرة الى ان هذا الجيل عاصر جملة من التحولات الجذرية على المستويين السياسي والاجتماعي في الكويت، حيث الاستقلال وقيام مؤسسات الدولة الحديثة وغيرها من الأحداث السياسية التي أحدثت نقلة حضارية في البلاد، بالاضافة الى التحولات الاجتماعية التي صاحبت تحول المجتمع الكويتي من العوز والفقر الى الوفرة والثروة.
وتذكر الكاتبة ان كتابات هذا الجيل تميزت بعدة أمور منها الوعي النظري بالقصة القصيرة بوصفها جنسا أدبيا محددا في فترة مبكرة، تغييب صوت المؤلف الحقيقي المباشر، قلة إنتاج أفراد هذا الجيل، ظهور التجريب الفني والموضوعي بصورة واضحة عند الشطي والخليفي، هذا بالإضافة الى الاتجاه نحو البعد عن ملاحقة التفاصيل الخارجية في الواقع وتسجيلها وصرف النظر عن الصورة المكانية والاهتمام بالصورة الداخلية للمجتمع والإنسان.
هكذا نرى سليمان الشطي في قصة «خدر» يمزج بين الواقع والذات والتاريخ في إعادة لصياغة واقع جديد من خلال آلية الزمن النفسي لشخصية البطل (عبدالحميد).
أما سليمان الخليفي فنتابع من خلال مجموعاته القصصية تغلغله في البيئة الاجتماعية الكويتية بعمق ورصده ومعالجته بعض الظواهر السلبية وكذلك تناوله بعضا من المظاهر الناتجة عن الفورة النفطية وما أحدثته من خلخلة وتبدل فجائي سريع.
كذلك تشير جنيدي الى جهد عبدالعزيز السريع من خلال كتاباته في «تعميق الاتجاه الى الواقع النفسي والبحث عن المعنى الإنساني الأشمل لهذا الواقع بتكنيك تيار الوعي وتقنية المزج بين الواقع والرمز من اجل إحكام النظر الى الخصائص الإنسانية العميقة».
وفي ختام الحديث عن كتاب القصة القصيرة من جيل الستينيات تقول الكاتبة ان اسماعيل فهد اسماعيل يعتبر العمود الأهم للفن الروائي والقصصي في الكويت، حيث في عالمه القصصي امتداد سردي للنصوص بما يطابق الحضور الإنساني في رسم ملامح الشخصية لديه وعوالمها الداخلية ومعالمها الخارجية.
من إبداعات القصة القصيرة
جاء الجزء الثاني من الكتاب أو الفصل الثاني الذي كتبته فيبي فايز حبيب أكبر حجما، أكثر اتساعا وشمولية من الأول، فتناولت فيه الكاتبه التطور والإبداع في القصة الكويتية على مدار تاريخها، مؤكدة أنها ولدت في حضن الصحافة، حيث نشرت أول قصة قصيرة «منيرة» في العام 1929 على صفحات مجلة الكويت التي أسسها المؤرخ والباحث عبدالعزيز الرشيد عام 1928. وهكذا تناولت في الباب الأول سردا تاريخيا للفترات الزمنية للقصة والأجيال المتعاقبة إلى أن وصلت إلى الجيل الحاضر الذي أوردت أنه أكثر الأجيال انشغالا بالفن القصصي في ذاته من تطوير الشكل والأسلوب أداة وبنية للنص.
خصصت حبيب الباب الثاني لجانب من إبداعات القصة القصيرة في الكويت بدءا من حقبة العشرينيات، حيث نشرت القصة الأولى ومرورا بعقود القرن الماضي المتتالية ووصولا إلى عام 2007 حيث تم إصدار 5 مجموعات قصصية.
وفي الباب الثالث قدّمت الكاتبة لكبار الكتّاب ورواد القصة القصيرة بسير ذاتية ولمحات من حياة كل منهم، وشمل ذلك كلا من خالد الفرج وخالد خلف وفهد الدويري وفاضل خلف وجاسم القطامي وفرحان الفرحان وعبدالعزيز السريع وسليمان الشطي وإسماعيل فهد إسماعيل وسليمان الخليفي وخالد سعود الزيد.
كذلك أفردت حبيب الباب الرابع للأنثى في عالم القصة الكويتية، حيث تحدثت في البداية عن معاناة المرأة المشرقية في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي سبقت أو رافقت تأسيس الدول العربية واستقلالها، ثم ألقت الضوء على مجموعة من رائدات القصة القصيرة هن: ضياء هاشم البدر، فاطمة يوسف العلي، ليلى العثمان، هداية سلطان السالم، وثريا البقصمي.
بعد ذلك تناولت حبيب في الباب الخامس دراسات فنية لبعض أشهر المجموعات القصصية المعروفة، لتتحول بسرعة في الباب السادس إلى وتختتم كتابها بالحديث عن الاتجاه الاجتماعي في القصة الكويتية وتشعباته وتعقيداته في الكويت.
هذا، واعتمدت الكاتبتان بصفة عامة خلال هذا الكتاب الجيد على كمّ هائل من المصادر والمراجع، واتسم جزآ الكتاب بالجنوح نحو الأكاديمية في طريقة التوثيق وتقسيم الأبواب والفصول، وهكذا يمكن اعتباره مرجعا جيدا يمكن لكل مهتم بالقصة القصيرة في الكويت اللجوء إليه.