يوسف غانم
هي بعض من مشاعره تجاه الجميع، العدو والصديق، البعيد والقريب، هي احاسيس كتبها وتوجه بها الى من يعرفه ومن لا يعرفه، هي كلمات ومجموعة خواطر جمعها الكاتب والمؤلف اللبناني نضال محمد الحاج علي، في كتابه «بين عاطفتي وأنتِ؟».
كتاب الحاج علي عبارة عن تجربة حياة وفكرة عاشها هو كما يعيش كل انسان عاشق للحياة، يطرحها بأسلوب ادبي شائق وقريب للقارئ، فمع اول كلمة في الكتاب تبدأ محطة العشق، كما كانت في كتابه السابق «كلمات آخر المشوار» لحظة في بداية المراهقة التي انطلقت للغوص في معظم تلك المرحلة حتى بدء الدخول في مرحلة النضج والانطلاق ونحو عالم المسؤوليات الحتمية.
كلمات نابعة عن تجربة خاصة، عاشها كل يوم، وعاشوها معه في بعض لحظاتها، وعانوها معه، عاشها مع كل انسان في محيطه، وعاشها في احلامه وآماله وخياله، ومازال يعيشها ليتعلم منها، ويأخذ العبر لمستقبله ومستقبل أيامه، الى من حافظوا على العهد في مشوار حياتهم بلا كذب ولا خداع.
وبعد الاهداء والمقدمة يأخذنا الحاج علي لنغوص معه في بحر كلماته وامواج «بين عاطفتي وأنتِ؟» برسائل الى فتاة ما، تلك السيدة الجميلة العظيمة، التي تريد ان تتباهي امام البشر بجمالها الخلاب، الذي لا مثيل له، وهي تنسى او تحاول ان تنسى انه لا جمال بعد جمال خلق الله الطبيعي، الخالي من السموم المصطنعة على يد البشر، الى الفتاة المحجبة بحق، التي لا تخلع حجابها ابدا، ولا تستسلم لغوغاء الشياطين من البشر.
الى فتاة.. لن ينساها ابدا، فكيف ينساها، وهي منارة فكره، ورونق ايامه، ونور عينيه؟ وان نسيها كحبيبة، فلن ينساها كأنسانة، ذات روح طاهرة، شريفة كريمة، حطمت غدر الزمان، واقتحمت اسوار الايام، في سبيل ان تنتصر بحبها، وانتصرت في النهاية لانها ارادت ان تنتصر وتنجح في حياتها، وهو الذي يريدها دائما وابدا منتصرة ناجحة، لا تهمها الدنيا بمن فيها، الامل حليفها، وليس لليأس والفشل طريق اليها.
فمن انت أصل الحكاية، وطلب المساعدة بتحطيم صمت الجدار الذي يقيد البشر، إلى «بعض الكلام في الصداقة» ومحاولته تقديم كل ما لديه لصديقه من حب وإخلاص وتضحيات مهما كان الثمن ودون انتظار أي ثمن لهذا الحب والعطاء، وكيف يجب أن يكون الصديق مخلصا وفيا واقعيا امينا واثقا بصداقته، مستعدا دائما للتضحية في سبيل صديقه، يتساءل الكاتب كذلك عن الحب والمستقبل وتحكيم العقل قبل القلب في بناء علاقة الحب في مرحلة كافية من النضج ليتكلل هذا الحب بحياة زوجية مستقرة.
إلى صاحبة القلب الكبير وإلى من تخلت عن حبها.. إلى حبيبة جنوبية.. فـ«قدر مكتوب» إلى امل المعذبين.. و«كلام في علاقة صامتة» لن أستسلم مع حبك يتغلغل في جسدي فلمن اكتب وقلمي غاضب مني إلى «وردة السلام» مشيت طويلا في صحراء الحياة.
وفي «ورقة أخيرة» يقول الحاج علي: إن كلماتي يتيمة في بعدها عنك، غريبة لا تعرف كيف تسير وتجول في طرقات لا تمت إليها بصلة، الفرحة التي كانت تملأ كلماتي تحولت إلى احزان، الأمل الذي كانت تحمله عباراتي تحول إلى يأس مقيت بغيض.
وفي «من وحي الألم» يقول: انت في موقفك هذا تظهرين كإنسانة ضعيفة مقيدة ومظلومة لا تملك من حريتها شيئا، وهذا ما أرفضه بشدة لك أنت بالذات.
إنك تجعلين حبيبك يشعر وكأنه قد سرق منك أحلامك وألقى بك في غياهب السجون. لا يا سيدة قصر احلامي، عودي إلى رشدك، لا تدخلي معركة لا تمت إليك بصلة ومن ثم تخسرين كل شيء تملكينه.
وفي «لحظة اعتراف صادقة»: دوما تحملت غدر الآخرين وخيانتهم وطعناتهم في الظهر ونفاقهم الذي لا يحتمل، تحملتهم حتى أحمي حبي وأحميك شخصيا من كل غادر لعين، لا ألقي بنفسي في التهلكة في سبيل اناس لا يستحقون الحب ولا الاخلاص، ولا كلمة صدق صافية. قلوب البشرية غطيت بالسواد وأعمتها نيران الحقد والكراهية.
تساؤلات
وفي الفصل الثاني يثير الحاج علي مجموعة من التساؤلات، قائلا: اتساءل في قرارة نفسي عن مدى الحالة التي قد أصل اليها ان استمررت هكذا لأخرج الى دنيا الحياة من اي الطرق آتي اليك، وانا اجد كل الممرات قد اغلقت وكل المنافذ قد سدت في وجهي، ربما ان بقيت على حالي هذه من دون ان اسمع كلمات حبك الرقيقة او احس بلمسات يديك الحانية او حتى ارى بسمة شفتيك الجميلة، أريد أن أحس أقله بوجودك!
أما في «تساؤلات مقهورة»، فيقول: ها قد التقينا من جديد، وللأسف كان لقاؤنا بمثابة اشعال نار الحرب والخلاف.. ولماذا؟ من المفروض ان نعلن الحب ابديا في قلبينا، ونتيح له الفرصة ليعبر عن الشوق الدفين والحنان الفريد في نوعه، لماذا هذا الضجيج والصراخ العقيم؟ كالعادة يا حبيبتي «نعم حبيبتي ستبقين»، اعلم ان قصتنا فيها من المشاعر والاحاسيس ما لا قدرة لنا على التعبير عنه حتى ولو بكلمة، وفي قصتنا تعلمنا ان نشارك كل من حولنا في أسرارنا وآلامنا وأفراحنا، وفي قصتنا أيضا وصلنا الى مرحلة بدأ كل منا يشعر بأنه يرغب في السيطرة على تحركات حبيبه، وكل منا تعلم من الآخر الكثير لدرجة اننا اليوم بالفعل نعجز عن تفسير مشاعرنا ولا نستطيع الكلام.
وطنيات
وفي الفصل الثالث، يتحدث الكاتب الحاج علي عن قضايا الوطن، موجها نداءه الى الشعب الاصيل ان انتبه لهذه المؤامرات البشعة التي تحاك ضدك، والتي يتعرض لها الوطن بأسره، وللأسف من اقرب ابنائه الذين اعمت بصائرهم الاموال، وفي الدرجة الاولى ذلك الجهل الذي تغلغل في صفوفهم، في عصرنا الرديء هذا يجب ان تتخذ موقفا من اصحاب الشعارات والمبادئ الزائفة التي لا تنتمي الى واقع شعبنا الأبي الذي يؤمن بأن الارض والوطن حق لمن يدافع عنهما ويحررهما.
وفي «كلمات في الحرية» يخاطب الحاج علي والدته: أماه، دعيني أكتب لك كلمة حب، وأسطر لك من وحي آلامي قصيدة تشرح لك معنى الحرية التي لا يعرف معناها إلا من يعيش خلف قضبان السجن ومن يحارب في سبيل الحصول عليها.
تمر علينا فترات صعبة جدا لدرجة أن كلامنا يتوقع سقوطه مضرجا بدمائه وهو لا يعرف كيفية سقوطه، لأن هذه الحرب قذرة جدا، فالجميع يحارب لأسباب عديدة، لكن المهم من يسقط في سبيل حقه وكرامته، فعلى كل شخص فينا أن ينتظر لحظة الموت لأنه حق والشهادة حقيقية.
و«للشهيد قيمة»، فالشهيد يا أحبتي هو الروح الوحيدة التي تبقى ولا تموت حتى تطمئن إلى كل حبة تراب من أرض الوطن، الشهيد يا أخوتي هو الروح التي تحلق في سماء الوطن، تسهر على راحة المظلومين وتعمل على نجدتهم.
فـ «صرخة مظلوم».. البداية كانت صرخة عارمة بوجه الإنسان المظلوم، فطلقة نار تسقط حرية الكلمة وتعذب ضمير الأمة، لكن ذلك الإنسان شهيد بإذن الله تعالى، شهيد الحق، والواجب، حيث سقط دفاعا عن كلمة الحق التي يخاف أن يعلنها ذلك الذي يخشى ضياع سلطانه، وعلى عكس ذلك الذي لا يملك إلا التضحية بدمه في سبيل أرضه، وبالتالي يخرج أجيالا تنصر الوطن وترفع راية الحق والكرامة.
كما أن العمل في سبيل نصرة المظلومين والمحتاجين والمقهورين والمساكين هو أكبر مهمة وواجب إنساني أحب أن أقوم به، وأخوض كل صعب من أجل الانتصار على المشاكل والعقبات التي تعترض الطريق.
كلمات الحاج علي كتبها في مرحلة من المراحل، كان يشعر فيها بأن كل يوم هو الأخير، لذلك كان أكثرها بمنزلة وصية، عاد لنشرها اليوم لأننا بحاجة إلى الذكرى والتعلم من مآسينا وصراعاتنا اليومية، ولأن شهيد الوطن لم يرحل إلا من أجل هذه الأرض، لنحافظ على دم كل شهيد عسى أن نستطيع العودة إلى العقل لنحمي ذلك الوطن ونرتقي إلى عالم من المحبة والإنسانية.
فوق ضريح الحب نلتقي..
منذ الصباح وأنا أبحث عنك، عن بسمتك ونظراتك، ذهبت الى اقصى الارض ثم عدت في المساء وأنا ماأزال أحمل رغبة شديدة في لقياك، وكان ما شئت ان يتحقق منذ الصباح وليته لم يتحقق، وجدتك، وجدت نفسي، لكنني اكتشفت انك حتى هذه اللحظات لم تجدي شيئا من نفسك.
في المساء حين دخلت برفقة الإخوة وصديقتك الوحيدة، كنت كإنسانة تراني للمرة الأولى، لا اعلم هل هو عيب في أم فيك؟ جلست شامخة كالملوك ينقصك تاج لن يوضع على رأسك إلا إذا كان صاحب التاج هو انا.
تحاولين ان تتجاهلي نظرة الألم في عيني وإن شاهدت نظراتي فأنت لن تشعري بالنيران المتأججة في قلبي وعقلي وصدري.
عفوا، إذ إنني لن أتكلم معك كثيرا لأنك لن تهتمي بجراحي، لكنني أذكرك كيف رحلت في آخر السهرة، فقد كنت كمن أجهز على ضحيته وقتل كل أثر للحياة في شخص أحب روحا لا جسدا، لكن واأسفاه على إنسان أحببته من كل قلبي، فتجاهل حبي بازدراء وغرور فإلى متى ستبقين على معاملتك لي هكذا يا.. حبيبتي؟!