يوسف غانم
أبدعت الأديبة والشاعرة د.نورة ناصر المليفي باختيار كلماتها التي نظمتها قصائد وجمعتها في كتاب «هذولا عيالي»، جسدت خلالها بعض الأحداث والمناسبات المحلية والعربية والدولية، والتي غلب عليها الطابع الإنساني، فخطت أناملها لكل من هذه الأحداث أبياتا من الشعر عكست فيها ما يختلج الكويت قيادة وشعبا من مشاعر وأحاسيس جياشة تجاهها، وبالشكل الذي يؤكد الدور الإنساني الذي قامت وتقوم به الكويت عبر تاريخها، والذي جبل عليه أهلها في مختلف مراحل حياتهم سواء قبل اكتشاف النفط أو ما بعده، والذي يبدو جليا في نبع الخير الذي لا ينضب، والذي يسهم في رفده جميع أبناء الكويت الفقير قبل الغني، فالكويت وطن إنساني منذ القدم وحب الخير سمة توارثوها عن الآباء والأجداد عندما كانوا يجوبون البحار ويقدمون العون للفقراء في رحلاتهم وأسفارهم.
وجاء إهداء كتاب د.نورة المليفي «الى العالم أجمع أنقل رسالة حب وسلام، من أرض الانسانية والأمان لتبقى الكويت فوق هامة الأمم أسطورة من أساطير الزمن»، وكانت افتتاحيته بقصيدة «هذولا عيالي» والتي جاءت بعد التفجير الإرهابي الذي تم في مسجد الإمام الصادق يوم التاسع من رمضان، والذي أفجع صاحب السمو الأمير القائد الإنساني الشيخ صباح الأحمد، والذي زار الموقع فور حدوث الانفجار، وقد حاول وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد منعه من الدخول حرصا على سلامته، فقال سموه عبارته المشهورة : «هذولا عيالي».
وتقول المليفي في قصيدتها:
ذبت حزنا عليه، قلبي شرود
وعزائي، عليه يبكي القصيد
في مصلّى الحروف صلت جروحي
وأمامي استوى كتابي الشهيد
أيها الليل كيف تأتي نهارا
فيه صلى على النجوم السجود
أي فتوى تبيح للموت يدنو
من صلاة تفيض منها الحشود
كيف ترمي على المصلين حقدا
أصفر اللون كي يموت الشهود؟
نحن شعب الكويت للحب ركن
شيدته من القلوب الزنود
هم عيال الكويت (ذولا عيالي)
قالها والدموع ملحا تزيد
صاحب القلب يا سمو الأمير
أيها الوالد الحنون الرشيد
كلنا سنّة وشيعة قلب
واحد بيننا السلام يسود
وفي قصيدتها الثانية «قائد إنساني» تعبر الشاعرة نورة المليفي عن فخرها وفخر الكويتيين بمناسبة إطلاق الأمم المتحدة لقب القائد الإنساني على صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في سبتمبر من عام 2014، حيث ركزت في أبياتها على دور سموه في خدمة الإنسانية التي جعلت منه قائدا إنسانيا عالميا، وبدأتها قائلة:
انّ سر الغيم في الشجر
منذ عاد البحر بالمطر
مثلما الإنسان جمّله
بالمزايا خالق البشر
الأيادي البيضاء نعرفها
من وجوه الناس والعبر
الى آخر القصيدة التي تقول فيها:
عاش إنسانية جعلت
منه بحرا خالي الكدر
(بصباح الأحمد) ارتبطت
صفة الإنسان في السُّوَر
كما تطرقت د.نورة المليفي الى دور الكويت الإنساني تجاه مصر أثناء حادثة العبارة «السلام» وغرقها عام 2006، وبكلمات مليئة بأرق المعاني بدأتها بـ «الله أكبر الله أكبر»:
يا هذه الدنيا ندائي فاسمعي
عشق الكويت لمصر فوق توقعي
من مصر قد جاء المعلم واعتلى
قوس العدالة عالم بالمرجع
مرّت على مصر الحبيبة نكبة
فإذا الكويت أمامها بالمدفع
وكذلك كان للقدس وغزة نصيب من شعر المليفي في «الى غزة والقدس المصان» اذ قالت في احد أبياتها:
أيها الربان هل أخبرتنا
عن ثرى غزة، والقدس المصان؟
صرخة الحق هنا طار بها
فاعل الخير الى ذاك المكان
وكذلك ركزت المليفي في قصيدتها «كبوة دمشق» على المحنة التي تمر بها سورية الشقيقة ودور الكويت في إنقاذها، وما قدمته في مؤتمر المانحين وتبرع صاحب السمو بمبلغ 300 مليون دولار للشعب السوري الشقيق فبدأت قصيدتها قائلة:
يا دمشق لا عتب
كلنا بك العرب
أبجدية كتبت
إنما الفصيح أب
احملي رسالتنا
أينما الورى ذهبوا
سوف ينجلي بغدِ
عن عيونك التعب
كبوة الحصان لها
من لجامه سبب
كلما استعاد لنا
صهلة جثت رُكب
أيها الزمان كفى
قد تذمّر الغضب
أنقذي الكويت أخا
للضياع ينتسب
زاهد بخيمته
لاجئ ومغترب
لا تدعه يا وطني
غربتين يرتكب
من له سواك إذا
عنه أهله اغتربوا؟
أما في «قلب بيروت» فتؤكد عشق الكويت للبنان الشقيق، الذي ذاق الويل منذ أمد طويل، وتجرع الحزن وشهد ألوانا من الدمار، ويبقى الشعب اللبناني يصارع الدمار ويتحدى الركود ليظل شامخا رغم الحروب، والكويت تساهم في هذا التحدي وتمنح عين بيروت أملا في الخلود وفي نهضة الإعمار والتعمير، فتقول المليفي:
يا لباب السلام كيف استجابا
ليد بادرته بالحب بابا
عين بيروت أبصرتها غيوم
تذرف الحزن بعدما الجرح شابا
.. لتصل الى:
كنت أيها الكويتي صدرا
يمنح الأمن حينما السلم غابا
وستبقى الكويت مصباح نور
وعلى الحب تجمع الأحبابا
وفي «نجدة الى الشرق» تعبّر الشاعرة نورة المليفي عن وقوف الكويت الى جانب دول شرق آسيا، اذ ان هذه الدول لم تكن بعيدة عن الضمير الإنساني الكويتي، وقد وصل عطاؤها الى اندونيسيا وبنغلاديش والفلبين بعد ان تعرضت هذه الدول للعديد من الكوارث الطبيعية، فتقول:
لبيك يا من تراني
ينام وسط الجنان
ان سال جرحك، قلبي
يسيل من شرياني
وغيرها الكثير من القصائد الإنسانية التي تناولت فيها الجفاف والجوع اللذين أصابا السودان والصومال وما قدمته الكويت من عطايا، وكذلك تسامي الكويت الحبيبة فوق جراح وغدر جارها العراقي وفتحها صفحة مليئة بالتسامح من أجل غد مشرق مفعم بالخير، سلاحها العلم، مظلتها الأمة العربية.
كما وضعت المليفي تأريخا شعريا للعديد من المناسبات الوطنية في الكويت، ووثقت بكلماتها الكثير من الأحداث والفعاليات التي شهدتها الساحة المحلية سواء كانت تراثية أو تربوية أو علمية وأدبية وإنسانية، كرحلة الأمل، ومهرجان المباركية، وافتتاح القرين 21، ومعرض الكتاب-39، ونادي الفتاة، والكويت واسبانيا، وفي توسعة متحف الفن، ومشاريع النور، وقصة مسرح، وثروة، ومجمع بهبهاني، والباب المفتوح، الى البابطين شهادة للفخر، وأحلام بيئة، وعيد الإمارات، وفي اكسبو ميلانو، لتختم كتابها بـ «جاءت سعاد» التي أهدتها للشاعرة سعاد الصباح التي تبرعت بترميم مسرح رابطة الأدباء عام 2015، والتي تقول في مطلعها:
جاءت سعاد وجنّ الصمت والقيلُ
والليل عادت لعينيه القناديلُ
وألف ألف سؤال غير متزن
هل كان في مظهر التجديد تمثيلُ؟
وكان ردي جوابا واحدا وكفى
قلبي عن الشك بالأفعال مشغولُ
المسرح الأدبي اليوم حلته
كأنها لعروس الشعر إكليلُ
... لتختتمها قائلة:
ان القصيدة من نون النساء أتت
أنثى وقد رتب الأسماء جبريلُ
هذي سعاد وكان الاسم متفقا
مع كلِّ وصف من القرآن منقولُ.
المؤلفة في سطور
د.نورة ناصر ابراهيم المليفي، مدرس لغة مشارك ـ جامعة الكويت ـ كلية الآداب.
صدر لها
1- العزف على أوتار الجرح «ديوان شعر»
2- حصار عاطفي «ديوان شعر».
3- سمان منا «ديوان شعر».
4- طفولة إنسان «ديوان شعر للأطفال».
5- لغات العرب عند ابن جني.
6- الجملة العربية الموسعة.
7- دراسات لغوية.
8- تدريب لغوي.
9- قراءة جمالية في ديوان خليفة الوقيان.
10- التجربة العذرية في ديوان مسافر في القفاز.
11- الرحلة إلى الوطن في رواية الكويت وطن آخر.
٭ للمؤلفة ستة أبحاث علمية منشورة في مجلات علمية محكمة.