«إلى الوطن الذي أسسه أجدادنا وعمرناه بأعمارنا وغرسنا به شبابنا وأصبح ظلا لأجيالنا اليه اخلاصنا ومحبتنا»، كلمات اختصرت بها نورية السداني رحلة العمر والكفاح المستمر. أكثر من أربعين عاما والسداني وهج لا يخفت تحمل هموم وأفكار ومشاريع وطن وتنتقل من إنجاز إلى آخر ومن محطة إلى أخرى، لا تهدأ ولا تستكين ولا تكتفي بلائحة الإنجازات التي حققتها، بل تبحث دائما عن الأفضل للوطن وعن التربة التي ستزرع فيها البذرة لتراقبها تنمو وتكبر ولتعطي حصادها للجميع بعد ذلك. فرائدة الأوليات في الكويت وبعدما رأت زرعها يثمر بدخول المرأة العمل المدني والوزاري والنيابي لم تقف على أطلال الإنجازات مزهوة ومكتفية بالذي تحقق بل شدت الرحال صوب تنمية الكويت ومستقبلها عبر عقد مؤتمر الطبقة المتوسطة وهو المؤتمر الأول من نوعه الذي شارك فيه قطاعات مختلفة من الشعب الكويتي للاطلاع عن قرب وإبداء الرأي في المسار التنفيذي للخطة التنموية للبلاد.
فألف ساعة عمل وجهد متواصل على مدى شهرين وهمة السداني لم تهن ولم تتراجع واضعة نصب أعينها الارتقاء بالطبقة المتوسطة وتفعيل رؤية استراتيجية لخلق مجتمع متوازن ومنتج اقتصاديا تسوده روح الانتماء والمواطنة والولاء.
فالمجتمع المدني مع مشرفة المؤتمر العامة نورية السداني أصبح شريكا وفاعلا في برنامج وخطة العمل لأن على الشعب حماية ومتابعة تنفيذ «خطة الأمة» ووضعها تحت المجهر لينال الجميع (حكومة ومجلسا وأمة وشعبا) ثقة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بحسب رؤيتها.
تكريس العدالة
الجهد الدؤوب الذي بُذل في هذا المؤتمر لم يكن طارئا بل كان تجسيدا لرسالة ومبدأ دأبت السداني على الإشارة اليه والتأكيد على أهميته حيث طرحت مشروعها الفكري النهضوي الاقتصادي في بدايات عام 2009 عندما ذكرت ان توازن المجتمع يقوم على مرتكزات أساسية أهمها تكريس العدالة الاجتماعية والعمل المنتج والتخطيط التنموي للمستقبل ومحاربة النمط الاستهلاكي.
الاتجاه للتنمية
قالت «كفى» عندما وجدت ان برامج الحركات النسائية اليوم استهلكها التاريخ ودعت للاتجاه نحو التنمية على أمل ان يتبعها الجميع فحس نورية السداني لم يخطئ يوما، حيث تُعبد الطريق وترسمه ليلحقها بعد ذلك من يؤمن بفكرها خاصة ان مسيرتها وسيرتها أثبتت صواب رؤيتها عندما رسمت لجيل كامل خطوات الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية وأدرك الجميع بعد ذلك صوابية رؤيتها.
فأستاذة الأجيال ورائدة الحركة النسائية عشقت العمل العام وتفانت لأجله، لم تحلم يوما حلما خاصا بها، فالمناصب عندها زائلة وصناعة التاريخ باقية، تعشق القاعدة لا القمم ولذلك هي على استعداد تام لرفض الوزارة لو عرضت عليها، تؤمن بمقدرات المرأة الكويتية ولا ترى ان هيلاري أفضل من سبيكة وحصة ومنيرة وان سجلت بعض الاعتراضات على ما تسميه «الدكاكين النسائية».
إنكار الذات
لم تهتم يوما بالمناصب والمراكز بل تتبع مبدأ «إنكار الذات من أجل المجموع» فالتضحيات التي تقدمها ليست لشخصها بل للوطن الذي ولدت في رحابه والذي سيستقبل أجيالا جديدة اخرى تسير على هدي من سبقهم.
عاشقة النكتة
لا يفارق القلم يدها لتدون كل فكرة تراودها ولتصنع منها منهجا وطريقا، متعاونة لأقصى الحدود، عاشقة للنكتة وان تعرضت لضيق أو ضغط نفسي لا يلطف مزاجها سوى الطبخ، هوايتها الأولى كانت قيادة السيارات في فترة الستينيات، حيث كانت تركب «الكمارو» من المدينة الى الأحمدي ولا يفارقها صوت عبدالحليم حافظ، تستهويها البرامج الوثائقية وتشدها الأفلام ذات الطابع التاريخي والإنساني، تستثمر وقتها على أكمل وجه فتصحو فجرا للصلاة وقراءة القرآن ثم تجلس للكتابة لإنجاز ما لديها، لم تنقطع عن صديقات الطفولة والنضال، وأولى أولوياتها دائما الكويت التي تتمنى ان تعود كما كانت زهرة الخليج وهي الفترة التي تحن لها دوما، حيث كانت المرأة قائدة الأسرة في خروج الرجال الى البحر لمدة 9 اشهر، ولم يكن هناك صراع طبقي، فالغني بجانب الفقير والجميع يساعدون بعضهم ولم يكن هناك أي تميز أو طبقية.
الصبر مفتاح الفرج
رغم كل ما قدمته تتمنى ان تكون قد استطاعت تقديم خدمة وطنية للأجيال التي تركت لها مهمة قراءة التاريخ لتحكم بنفسها على تجربتها.
الصبر عندها مفتاح الفرج فبه واجهت المرض الخطير الذي لازمها وعلمتها الحياة القدرة على الصمود في وجه الصعاب.
في مسيرتها الكثير من السطور المضيئة التي تستحق أن نتوقف عندها، وفي خاطرها العديد من التساؤلات والهواجس التي تؤرقها من نوع التوجس من المستقبل.
أمنيتها ورسالتها في الحياة أن تساهم في خلق وإيجاد الأمن والسعادة في المجتمعين الكويتي والعربي، لأننا في النهاية جزء من هذا الوطن العربي الكبير.
رحلة الإنجازات
رحلة طويلة وشاقة لكنها مليئة بالاحلام التي تحققت، بدأتها السداني عام 1964 عندما ألقت كلمة للمرأة الكويتية في القدس، وهي الذكرى التي لا تمحى من ذاكرتها، ثم نظمت عام 1971 أول مؤتمر نسائي وأسست وترأست أول جمعية نسائية بتاريخ الكويت وأول رئيسة اتحاد نسائي، وأول عضوة مجلس إدارة في جمعية الروضة وحولي التعاونية، كما أسست أول دار حضانة لأبناء الأسرة العاملة، وقادت المطالبة بالحقوق السياسية للمرأة الكويتية عام 1971.
وقدمت أول عريضة عام 1971 تطالب بالحقوق السياسية للمرأة الكويتية وناقشها مجلس الأمة لأول مرة في تاريخه عبر ثلاث جلسات عام 1973 وعرفت بـ «وثيقة نورية السداني»، كما تعتبر السداني من رائدات الإعلام الكويتي ومن أوائل العاملات بالإذاعة الكويتية.
كما تعد أول مخرجة تلفزيونية كويتية درست الاخراج التلفزيوني في القاهرة 1964 ـ 1965.
ومنحت تفرغا من مجلس الوزراء لإدارة عملها القيادي في الاتحاد النسائي العربي العام ومنظمة الأسرة العربية في الفترة من 1970 حتى تقاعدها من العمل بوزارة الإعلام في ابريل 1983 وهو أول تفرغ يمنح لامرأة كويتية، كما تولت العديد من المناصب العربية، فقد ترأست لجنة الأسرة بالاتحاد النسائي العربي 1970 ـ 1975، ثم الأمينة العامة للاتحاد النسائي العربي لشؤون الأسرة 1975 ـ 1977 والمديرة العامة لمنظمة الأسرة العربية 1979 ـ 1982، كما بذلت جهودا متميزة في أحداث الأمة العربية 1967 و1973، وسعت لتأسيس التجمع النسائي العربي الدولي في لندن.
كتبت المقالات الصحافية منذ الستينيات، وانخرطت في العمل التطوعي ضمن اللجنة الكويتية العليا في لندن عند احتلال الكويت في الثاني من اغسطس 1990، ومسؤولة لجنة مجلة «كويت التحدي» حتى تم تحرير الكويت، وكتبت ثماني عشرة سيرة لشهداء الكويت وتحولت هذه السير الى مسلسلات اذاعية، وقد نال هذا العمل تقدير الجــــميع والمـنسق العام لمجلة «كويتيات» أول مجلة تصدر على الانترنت في العالم العربي فبراير 2000.
كما ترأست تحرير مجلة «نحن الكويتيات» التي أصدرتها مجموعة من نساء الكويت في لندن لتسهم في ابراز ما حصل في الكويت المحتلة 1991.
وأصدرت وترأست تحرير مجلة «صوت المرأة الكويتية» لتبرز التضحيات التي قدمــــــتها المرأة الكويتية أثناء الاحــــتلال.
تقدمت بمشروع لأول مرة للمرأة الكويتية في المهن الطبية وتحول المشروع الى واقع في 4 مارس 2000، ونفذت مع فريقها أول مؤتمر للمهندسة الكويتية 25 مارس 2001 بالاضافة لتنظيمها ومشاركتها في العديد من المؤتمرات والندوات.
المؤرخة «المرجع»
للمؤرخة الكبيرة نورية السداني العديد من المؤلفات التي ترصد فيها تاريخ الكويت بمراحله المتنوعة، وتعتبر مؤلفاتها مرجعا بارزا يلجأ اليه العديد من الباحثين للتزود بالمعلومات القيمة التي ذكرت في الكتب، وأشد ما يؤلم السداني هو الاقتباس من كتبها دون الإشارة اليها أو الى جهدها المبذول.
ومن كتبها: تاريخ المرأة الكويتية 1972، المرأة في الجزيرة والخليج العربي 1972، تاريخ المرأة الكويتية 1980، المرأة الكويتية في القرن العشرين 1980، الحركة النسائية في القرن العشرين 1982، المسيرة التاريخية للحقوق السياسية للمرأة 1982، تاريخ المرأة العمانية، الجماعات الضاغطة ـ القوى الطلابية الكويتية 1985، رواية الكويت ـ ملحمة التاريخ التي لا تنسى 1985، سناء الفودري أول شهيدة كويتية 1991، وفاء العامر عنيدة الحق 1991، أسرار القبندي 1991، سعاد الحسن 1991، خنساء الكويت 1992، أحمد قبازرد 1992، أسرار الكويت 1992، من تاريخ المقاومة الكويتية 1993، تاريخ الحقوق السياسية للمرأة الكويتية 1994، نجاة السلطان 95 و1999 وهدى البحر، نورية السداني والمعركة الأخيرة، نورية السداني اربعون عاما من التاريخ الخليجي والعربي الدولي 2005، رواية في وطني أبطال 2005.
نورية وسعاد حسني ورشدي أباظة
في أحد لقاءاتها الصحافية روت المؤرخة نورية السداني حكايتها مع سعاد حسني وذلك أثناء تواجدها بالقاهرة للدراسة فقالت: دفعتني جرأتي الى الاتصال ببيت سعاد حسني لمقابلتها فرحبوا بي، وذهبت فقابلتني اختها صباح وعندما أتت سعاد حسني جلسنا معا ومنذ لحظتها تطورت علاقتنا الى صحبة وصداقة وكنت أذهب معها الى الاستديوهات للتصوير فأتيحت لي الفرصة للالتقاء بالقمم أمثال عبدالحليم حافظ وشادية، وأحيانا كانت سعاد تصور مشاهد في منطقة المقطم، واذكر ذات مرة ركب في المقعد الخلفي لسيارتي رشدي أباظة وكانت بجانبي سعاد حسني كان عمري وقتها (18 عاما) وايضا أتذكر عندما كنت اذهب مع أخت سعاد لشراء الدجاج المشوي ونذهب الى استديو النحاس بالهرم حيث كانت سعاد تصور مشاهد هناك ونتناول الطعام مع الفنانين، لقد عايشت سعاد حسني عن قرب فقد كانت دائما تنتقل معي بسيارتي.
الكويت بقلم السداني
الكويت هي أرضنا وعرضنا وشرفنا وعزنا ومجدنا.. هي التراب الذي يحتضن وجودنا حينما نأتي لهذه الدنيا، ويدفئنا حينما تضمنا في ثراها الطاهر وما بين الميلاد والممات تنتصر مثل الحياة وقيمها.
أرضها أعطتنا الخير وسماؤها خيمة حياتنا وبحرها استضاف اقتصادنا وعمره بالاستثمار الصالح النبيل لعقول هؤلاء الرجال الأخيار، الذين تركوا بصماتهم الكريمة كشاهد عز للإبداع الكويتي في الاقتصاد.
هي الكويت التي تجمعنا في حبها الكبير، هي الكويت التي ان أصابتها الخطوب ضعنا جميعا في الدروب، ننشد الأرض والوطن والعز والمجد.
فلنتذكر الآن ذلك الحب الساقط في أعماقنا ولنسم عليه بالرحمن وندعو له بالاستمرار ليبقى الوطن لنا جميعا واحة حب وظل وأمان، وتسترجع ذاكرتنا ذاك اليوم الصيفي الحار الذي انطلق فيه صوت من مذياع الكويت البسيط ليزف خبر استقلالها وما ان عمت الفرحة في أحواش مدارسنا، في ذاك اليوم الذي لم ندرك أبعاده الوطنية كما ندركها الآن في مرحلة النضج الكامل ما ان حدث ذلك حتى علت ريح الشمال فالتف رجال الديرة ونساؤها حول شيخ الكويت وباني استقلالها ودستورها عبدالله السالم يعاضدونه ويحملون الأسلحة البسيطة ليؤمنوا مناطقهم من شر الشمال.
واقرأ ايضاً:
الحكومة توافق على منح الكويتية الموظفة المتزوجة من كويتي علاوة الأولاد
العمر: إقامة مؤتمر خاص للمرأة ودورها في نهضة الأمم كل سنتين
هدى الشايجي: اجتماع اللجنة الدائمة الخليجية للتشريع لوضع النظام الأساسي
الشملان: افتتاح الحلقة النقاشية الثانية للقياديين الكويتيين في باريس اليوم
الحربان والوقيان ضيفا الصالون الإعلامي اليوم