من مقالة «بوس الواوا» حتى «سلوى ـ نيويورك» مسافة 54 يوما غابت خلالها تعجبات فؤاد الهاشم من الزميلة الوطن ومن الصحافة الكويتية بشكل عام ليعود صاحب الـ 14 ألف مقال إلى قلمه وساحته الإعلامية التي استقبلته بأصدق المشاعر لعودته سالما من رحلته العلاجية.
حبر قلمه ثلاثة أنواع الأول حبرا مطاطيا يطق وعواره بسيط والثاني «الرصاص الحي» وهو ممكن ان يجرح، أما الحبر الثالث فلا يستخدمه إلا عندما يتم المساس بالكويت وهو من نوع «الدمار الشامل» عنده بحيث لا يبقي ولا يذر.
قراؤه ايضا ثلاثة انواع يقسمهم كالتالي المجموعة الأولى من 12 ـ 18 سنة يعتبرونه والدا وأبا، والثانية من سن 18 ـ 38 سنة ويعدونه صديقا، والمجموعة الثالثة من سن 48 ـ 68 ويسمونه أخا.
أما المقالة الصحافية عنده فأيضا تعتمد على ثلاث نقاط وهي البداية والمضمون والنهاية، ويعتبر ان ما تشهده الساحة الصحافية في بعض مقالاتها ما هو الا كلام نسوان في جلسة ضحى!
السعدني والصالح
الكتابة الساخرة عنده لا تأتي بالتعليم بل هي موهبة وملكة تولد مع الشخص إذ لا يمكن برأيه لمحمد حسنين هيكل ان يكون ساخرا وحتى لو حاول فسيعجز وكذلك أحمد بهاء الدين وغيره من الكتّاب الكبار.
الراحل محمود السعدني أكثر من تأثر به وكان يعتبره صديقا وأستاذا ويعتبر الأستاذ محمد مساعد الصالح شيخ الكتّاب لتمتعه بسلاسة القلم.
الذاكرة الحادة
يفتخر ويفاخر بأن القراء يعتبرونه أحد أفراد عائلتهم ويشعرون بقربه منهم وهو يرى نفسه واحدا منهم فيتكلم في خصوصياتهم مزيلا الحواجز بينه وبينهم فلا يخاطبهم من برج عاجي، اذ لا يوجد لديه حتى سكرتيرة لأن باستطاعة الجميع لقاءه او الاتصال به برقمه المتاح لجميع القراء.
صاحب ذاكرة حادة في وصف الأحداث بمجرياتها ووقائعها الدقيقة، فهو من النوع الذي يحفظ كل ما يقرأ ويرسّخ المعلومة في ذاكرته ليسترجعها عند الحاجة.
المصطلحات الحادة
مصطلحاته حادة وصارمة في احيان كثيرة من لبيسة الحفاظات الى ابن ستين الف... الى عبدالباري دولار وغيرها، وينتقل في كتاباته من مقال ناري الى مقال هادئ يكون بمنزلة مضخة حريق بعد مقالة تكون اضاءت انوارا كثيرة عن المسؤولين، فيلجأ الى التهدئة في اليوم التالي ليتوجه احيانا الى الطبخ ليطفئ نار ما اوقده مقاله السابق.
يردد احيانا كثيرة انه لا يعرف جدول الضرب في مقالاته ولا استخدام الكمبيوتر، فالصفحات الاقتصادية والرياضية آخر اهتماماته رغم انه كانت لديه كتابات وآراء في المجال الاقتصادي ومارسها في مجلة «العقار والاستثمار» لفترة وجيزة.
جلد الضب
احد اكثر الكتاب تعرضا للهجوم والنقد اللاذع ولا يرى في ذلك الا دليلا على تأثيره، فمصطلحات مثل «عميل» «خائن» «مأجور» وصولا الى التهديد اصبحت لا تثيره ولا يعيرها اهتماما وتمر عليه مرور الكرام، لأن المناعة التي تكونت عنده بعد مشواره الصحافي الطويل جعلت جلده اقوى من جلد «الضب» بحسب تعبيره في لقاء مع الزميلة «الرؤية».
يتبع مبدأ عدم الرد على الانتقادات التي تطوله ويستذكر بداياته الصحافية عندما تعرض للقذف والذم هو وزملاؤه، فاختار الآخرون الرد على كل من صوب لهم اتهاما، وكان خيار بوعبدالرحمن الاستمرار في الصعود دون الالتفات الى الوراء.
يراهن ـ ويكسب دائما ـ على صدق معلوماته التي يوردها في عموده اليومي وكثيرا ما يورد اخبارا تتبين صحتها ودقتها لدرجة ان الرئيس الاميركي السابق جورج بوش رد على مقالة له بعد ساعات قليلة من كتابتها.
المهنة والاحتراف
لم يفكر في البداية في احتراف الكتابة كمهنة، الا ان القدر جعلها مهنته التي ابتدأت بأول مقال كان عبارة عن ورقة من كراس المحاضرات في الجامعة بعنوان «ما هكذا تورد الابل» ونشر في مجلة «آفاق» الجامعية، وكان عنيفا في مفرداته واثار ردود فعل قاسية داخل الجامعة التي شكلت لجنة تحقيق من عمادة شؤون الطلاب، لتبدأ مسيرته الاحترافية في مهنة المتاعب مع جريدة «الأنباء» التي استمر فيها لمدة عام ونصف العام تقريبا ليبدأ بعدها رحلته مع الزميلة «الوطن».
القتال بالقلم
افضل وسائل القتال عنده هي الـــقلم ومعاركه على الورق، ورغم انه الساخر الســـاحر في الصحافة الكويتية الا ان حياته العادية تتسم بالجدية ممزوجة بالود العامر مع جميع اطياف المجتمع، يتجنب الكتابة في لحظات الغضب ما قد يوقعه في مطبات عديدة الا انه في المقابل يغرف من مفردات اللغة العربية التي يعتبرها بحرا ما يؤدي نفس الغرض عنده في ايصال الرسالة.
القناعة والأعرابي
لا يكتب مقاله بناء على وجهة نظر واحدة بل يتبع مبدأ الاحاطة بجوانب المشكلة ليتبحر بها ويستحضر دائما قصة الاعرابي الذي ذهب يشتكي الى الخليفة وعينه مخلوعة، فقال له: ان احدهم خلع عيني هذه، فكان سيحكم له بالإدانة بناء على ذلك، لكن مستشاره قال له انظر للثاني، فإذا بالثاني عيناه الاثنتان مخلوعتان.
الكاتب عنده هو من يمسك قلمه ويسطر به قناعاته فالقناعة حلقة متصلة اذ لا يمكنك اقناع القارئ اذا لم تكن انت مقتنعا بما تكتبه، ولا يوجد تقاعد للكاتب في نظره الا عندما يسقط القلم من اليد بعد ان يتوقف القلب كحال الفنان الذي يموت على خشبة المسرح ولا يجد فرقا بين قلم نسائي وقلم رجالي فاليد التي تمسك القلم واحدة وقد حدث في احدى المرات ان اخترع عمودا اختار له اسما نسائيا هو «عزيزة الغزال» واتى بصورة ارشيفية من مجلة اسبانية.
الملك فؤاد
ولد في السعودية عام 1952 وهو موعد ميلاد ولي عهد مصر حينها الملك احمد فؤاد لتأتي تسميته بـ «فؤاد»، يهوى البقاء في المنزل ويعتبر نفسه «بيتوتي» لدرجة انه قد يكون الكويتي الوحيد الذي لا يحب الذهاب للديوانيات. دراسته ازهرية حيث التحق بمعهد ديني وتخصص في المذهب الشافعي ومثله الاعلى د.طه حسين الذي كان قلعة من قلاع التنوير واعتبر التعليم الديني ليس لاغلاق الذهن بل لتفتيحه، كما درس فترة في الولايات المتحدة ثم عاد الى جامعة الكويت.
«كفاحي».. و«ماو»
ورث من والده الذي توفي عام 1966 الكرم ويصفه بصاحب الشخصية الجبارة الذي كان يتعلم منه بنظرة العين فمنه تعلم حب القراءة لامتلاكه مكتبة ضخمة قرأ منها «كفاحي» و«مذكرات تشرشل» وكتاب «ماو الاحمر» الذي قرأه في سن الـ 18.
صلى بالمسجد الاقصى مئات المرات بحكم تملكهم بيتا في منطقة رام الله التي تبعد عن القدس كيلومترات قليلة وعاش حلمه العروبي بكل انتصاراته ونكساته حتى جاء الخميس الاسود في الثاني من اغسطس عندما تكشفت الاقنعة وسقطت اوراق التوت وتعرت الاجساد السياسية والادمغة الحزبية وكان صاحب الاقتراح بخصوص التحرك لنقل مقر اتحاد الصحافيين العرب من بغداد الى عاصمة عربية اخرى.
يهوى الحداق ويمارسه بعض الاحيان، عشقه الاول بعد الكويت لسويسرا، يحرص على قراءة الكتب التي تهدى اليه، قيلولة الظهر عنده اساسية وكذلك متابعة نشرات الاخبار وقراءة الصحف اليومية جميعها اضافة للفاكسات الواردة التي يعتبرها مصدرا اساسيا للمعلومات.
فؤاد بن شداد والسوط والنجلاء والدعجاء
وصفه صالح الغنام في جريدة «الشعب» بأنه الكاتب الأكثر حضورا وشهرة، في الصحافة الكويتية.. لا يختلف اثنان على مدى حرفيته في الكتابة الساخرة.. وقدرته الفائقة على صياغة العبارات والجمل القصيرة الرشيقة المثيرة المفعمة بالسخرية.. ان نجومية الهاشم وضعته في مصاف أهم وأشهر الكتاب الساخرين، وهو يمتلك قلما، أظن ان السوط أخف منه وطأة، لذا فإن أغلب المسؤولين في الدولة يطلبون وده ويتحاشون إغضابه اتقاء لشر قلمه اللاذع، ويردد البعض طرفة لا تخلو من الخبث، عن أن أحد الوزراء يضع الجاروف على كتفه ويقف على أهبة الاستعداد كل صباح منتظرا التعليمات وأوامر العمل التي تأتيه من زاوية علامة تعجب.
أما الزميلة «عالم اليوم» وفي احدى صفحاتها المتخصصة كتب مشرفها قائلا: عندما أقرأ مقالة فؤاد الهاشم أضحك تعجبا من شجاعة هذا الرجل «اللي صج بايعها»، أو كما نقول في الكويت «ما يرد على لباس العمامة»، وبما ان العمامة لا يلبسها الآن إلا بعض رجال الدين نقول «ما يرد على لباس العقال»، وبما ان العقال لبسه كل من هب ودب، فلا أجد للهاشم لباسا يخاف منه، لذلك أجد نفسي أقول لو ان لشداد العبسي ولدا غير عنتر، لكان فؤاد الهاشم، وذلك بالسيف وفؤاد «اللي بايعها» بالقلم، حقا ان هذا الرجل لا يخاف ويمتلك أسلوبا ساخرا في الكتابة يجعل من نانسي عجرم ـ إن حط عليها ـ شعبان عبدالرحيم وحين ذكرت نانسي عجرم تذكرت جيدا نقطة ضعف فؤاد بن شداد الهاشم.
فلا يقتل هذا الرجل بغير نظرة من عين نجلاء حوراء دعجاء كحلاء شهلاء.