احد عشر عاما يتمها د.سليمان العسكري رئيسا لتحرير المجلة الثقافية الأشهر والأكثر انتشارا «العربي» بعد صدور قرار تعيينه في 31/5/1999.
احد عشر عاما و«العربي» مستمرة واثقة الخطوة تسير ملكة بين قريناتها العربيات اللاتي حاولن مجاراتها، إلا ان الريادة استمرت لها بفضل أفكار خلاقة، عمل على إنجازها فريق عمل متكامل يرأسه د.سليمان العسكري الذي استطاع ان يبقي تأثير هذه المجلة الرائدة كبيرا وواسعا في عصر الانترنت والاستهلاك الثقافي السريع وتطور وسائل الاتصال ليصل أحيانا كثيرة الى كلمة «لا مرتجع» من أعدادها.
عصر السرعة
أيقن منذ تسلمه المهمة انه أمام تحد كبير هو عصر السرعة والمعلومة المختصرة والمضغوطة والمكثفة وأمام عصر الرؤية بكل تشعباتها من تلفزيون وإنترنت وغيرهما، فوضع كل تلك الاعتبارات أساسا لعمله لمواكبة القارئ أولا بأول بتقديم ما يواكب العصر من دون التخلي عن التراث، فكانت «العربي العلمي» لتعزيز الثقافة العلمية بين الشباب العربي و«العربي الصغير» لرعاية ودعم الطفل الصغير وحثه على المطالعة والقراءة.
حرية الإبداع والقراءة والنشر.. عمل العسكري على التقيد بها ضمن أطر تحفظ لـ «العربي» رصانتها وتاريخها حتى وصل لـ «عربي» تشبه عصرنا وتشبه الأجيال الجديدة ولم يحصرها في الجيل الذي نشأ عليها.
مهندس الثقافة
لا يتهيب من خوض غمار التغيير ويطمح لتعميم مصطلح التجارة الثقافية في الكويت لأن تنشيط الحركة الثقافية بنظره بحاجة الى جوانب عديدة ينبغي ان يعيها الجميع وعلى رأسها الحرية، فالمثقف الحقيقي عنده ليس عدوا للمجتمع بل هو أشد الحريصين على حمايته وتطوره، إضافة الى ان التجارة في الثقافة مستمرة وغيرها الى اضمحلال.
مهندس الثقافة الكويتية وسفيرها وأحد روادها وثاني رئيس تحرير كويتي لمجلة العربي والرابع منذ تأسيس المجلة عام 1958 بدأ مشواره الثقافي بعد عودته من بريطانيا عندما التقاه رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون الراحل د.عبدالعزيز حسين وطلب منه الالتحاق بالمجلس ليتولى بعدها مدير إدارة الشؤون الإدارية والمالية والمكتبات العامة ثم أمين عام مساعد المجلس ليصل الى قمة الهرم عام 1994 كأمين عام للمجلس حتى عام 1998.
كويتيون أولاً
تشغل باله دائما الكويت التي يعاملها البعض وكأنها كائن مؤقت وسينتهي ويعتبرها أم القضايا التي يجب ان تشغل عقل كل مواطن للعمل من أجل دحر وهزيمة أي متربص بها كما حدث بعد 2/8/1990 حيث هُزم المحتل في 26/2/91 عندما أصر الكويتيون على أن يبقوا كويتيين أولا.
ابن التاريخ
ابن التاريخ دارسه ومعايشه، عاصر اواخر تجمع ما قبل النفط بالبيوت الطينية والاحياء الترابية، ولد عام 1940 درس في مدرسة الروضة ثم المدرسة الاحمدية فمدرسة الصديق ثم المعهد الديني، وعاش طفولته المبكرة في دسمان في شرق.
نال شهادة الدكتوراه من جامعة مانشستر في انجلترا عام 1984 ثم شغل منصب مدير مكتب مقاطعة اسرائيل، ثم مارس مهنة التدريس في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة الكويت.
مناصب وتكريم
انتخب عضوا في مجمع اللغة العربية في دمشق عام 2001 لمكانته العلمية المتميزة ونشاطه الثقافي البارز وليكون العضو الكويتي الاول الذي يتم اختياره في ذلك المنصب، كما اختارته رئيسة مجلس ادارة المجلس المصري لكتب الاطفال قرينة الرئيس المصري حسني مبارك ليكون عضوا مؤسسا في المجلس وهو عبارة عن منظمة عربية تجمع صفوة الشخصيات العربية والهيئات المعنية بقضايا الطفل العربي.
كرمه الرئيس المصري عام 2003 ضمن نخبة من المثقفين والمفكرين العرب واعتبر د.العسكري التكريم للدور الثقافي للكويت ولمثقفيها، ومفكريها، كما تم اختياره عام 2007 عضوا في مجلس انماء المركز القومي للترجمة في مصر الامر الذي اعتبره بمثابة وسام شرف للكويت وتكريم لدورها.
ثقافة وإبداع
تفتحت عيناه على الادب المصري وما مثلته القاهرة كعاصمة فكر وثقافة وابداع، وغزارة انتاج الادباء من عبدالقدوس والمنفلوطي والحكيم، ورأى في الانجليز شعبا مفكرا وعميقا يركزون على المستقبل اكثر من الماضي عكس العرب تماما.
استاذ في التاريخ وتخصصه الشامل التاريخ العربي ومنطقة الخليج تحديدا الا ان العمل الاداري اخذه من النتاج العلمي فكانت مؤلفاته قليلة منها كتاب الملاحة والتجارة في الخليج العربي، وتاريخ عمان والذي تناول فيه فترات تاريخية عدة وغيرها من الكتب، بالاضافة لقدر كبير من المقالات والبحوث الثقافية ابرزها دراسة في مؤلف حلم التنوير العربي كتكريم للدكتور عبدالعزيز حسين.
المؤرخ عنده عليه ان يقترب من المسألة التاريخية من خلال مؤثراته الثقافية ومن خلال تربيته ومن خلال تكوينه الثقافي والفكري، اذ لا يقر بوجود المؤرخ المحايد، فالمؤرخ هو انسان ينظر الى الاشياء من خلال تكوينه النفسي ومن خلال تجاربه الخاصة ومن خلال مصالحه المادية ومن خلال بيئته ويخلص الى انه من الصعوبة ان تسأل مؤرخا كيف يتطرق الى كتابة التاريخ.
السعادة والحزن
قمة سعادته في مشاهدة طفل يضحك وقمة حزنه وغضبه عندما يتم الاعتداء على حق وحرية الآخر والمساحة الكبرى في قلبه يحتلها وطنه وعائلته.
يفتخر بأحلامه التي حققها وجلها في الثقافة، اما السياسة فيتلخص موقفه منها بأنها عمل كبير وخطير فان وظفت لخدمة الوطن والشعب كانت ممارستها فضيلة وان وظفت لمصالح ذاتية اصبحت رذيلة.
يعشق السمك مع انه ليس حداقا ويهوى السباحة والمشي والتنس ولذته الكبيرة في التصوير الفوتوغرافي، قدساوي الهوى ويرى في الكرة الوسيلة الفضلى للشباب التي تجنبهم الفراغ وتقودهم للانحراف، يتوجس من الديوانية التي يخاف تحولها الى مرض كويتي مزمن لانها لا تواكب الزمن وتسرق وقت الكتابة والمعرفة وتسرق من الاطفال حياة الاسرة.
الصوت الكويتي في الغناء القديم عنده كنبت الارض وكالنبع الصادر من روح الانسان فيطربه حمد خليفة ومحمد الزويد وعوض الدوخي وعبدالله الرويشد وشادي الخليج وصالح الحربي ونبيل شعيل، وعربيا ام كلثوم وزكريا احمد ومحمد عبدالوهاب واسمهان وفيروز ووديع الصافي، ويرى في الراحل د. عبدالعزيز حسين نموذجا للمثقف الذي وظف فكره وثقافته ونشاطه في بناء وطنه وهو استاذه ومثله الأعلى، وفي أحمد العدواني الشاعر المفكر الذي سبق زمنه وقصر مجتمعه عن استيعاب افكاره.
الترجمة والتنمية
يحرص دائما على التشديد على اهمية الترجمة من الشرق والغرب، ويسعى الى فكرة تقديم مجلة «العربي» في طبعة انجليزية، وعبر عن امله في تحقيق هذه الفكرة، مفتخرا في الوقت نفسه بالمادة العلمية المترجمة التي تقدمها المجلة في الملحق العلمي، فضلا عن ترجمة افتتاحية العربي والاستطلاعات العربية الى الانجليزية.
يرى انه عندما نتحدث عن الترجمة فاننا لا نتحدث عن عملية ترفيهية من اجل قراءة روايات او دبلجة اعمال سينمائية، انما نتحدث عن شيء اساسي ومهم في عملية التنمية في كل صورها واشكالها.
يتمنى ان تعطي الصحافة الكويتية اهتماما اكبر بالمستوى المنشور ثقافيا على صفحاتها لان الصحيفة في نظره قائدة رأي لقرائها، وبالتالي المسؤولية مطلوبة تجاه القراء بالمعلومة الدقيقة والصحيحة لتنمي في قرائها الوعي والمعرفة.
مصدر الثقافة
الكويت عنده احد المراكز الثقافية التي نشأت خلال الخمسين عاما الماضية، فهي تعمل من اجل دعم الثقافة العربية وتحولت لمصدر لما تملكه من امكانيات في الطباعة، والحرية للتأليف والكتابة والنشر وهو الامر غير المتوافر في كثير من الدول العربية، والكويت كانت في فترة من الفترات احد المراكز المهمة في هذا الانتاج، ورغم انها لم تعد بنفس الزخم الا انه يجب وضع الخطط المدروسة للعودة الى مصاف الدول الاساسية في هذا المجال.
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في نظره مؤسسة كويتية عريقة ومهمة، وهو يصدر سلسلة لا شبيه لها في العالم العربي، وهي «عالم المعرفة» و«عالم الفكر» ومجلة «الثقافة العالمية» وهي من افضل المجلات المترجمة في العالم العربي، وسلسلة المسرح العالمي، كذلك مشروع الاسابيع الثقافية، والذي تبنته بعد ذلك كثير من الدول العربية وهذا المشروع عنده خلق نوعا من العلاقة والروابط والتعارف بين الفنانين والادباء والشعراء العرب بشكل هائل لذلك المجلس الوطني خطوة هائلة ثقافية وما اصابه اصاب كثيرا من المؤسسات الكويتية نتيجة للظروف التي تمر بها الكويت لكنها تبقى مؤسسة مهمة يطالب دائما بدعمها ومدها بجميع المتطلبات والامكانيات الثقافية والادارية والمالية لتعيد لنشاطاتها الحيوية والزخم الذي عرفت به.
العربي .. جسر التواصل الثقافي
يرى د.العسكري ان السر وراء ارتباط القارئ العربي بالمجلة واستمرارها على مدى حوالي 53 عاما يرجع الى كونها تمثل الأسرة العربية بوسطيتها، قيمها، وطموحاتها، كما تراعي باستمرار تجديد خطابها المعرفي بما يتناسب واحتياجات القارئ من هذا التطور، بجانب ان الكويت التي تصدرها كانت حريصة من البداية على تحقيق حالة من التوازن بين الصورة التي تمنح القارئ فرصة التأمل وبحث التفاصيل وبين الكلمة المقروءة، مما جعلها تواكب عصر الصورة.
فالمجلة عملت كجسر متحرك للتواصل بين مختلف دول العالم العربي، احتضنت المثقفين العرب من المحيط الى الخليج وظلت تحمل الهوية العربية وتدافع عنها وتثري الثقافة العربية وتنشرها بين ربوع الوطن العربي.
و«العربي» هي مجلة الثقافة الشاملة الأكثر توزيعا في الوطن العربي، لاهتماماتها المتنوعة من استطلاعات مصورة الى علوم وتاريخ وقضايا فكرية، ومعالجة لشؤون الأسرة في البيت العربي، ونظرة الى الفنون من التشكيل الى السينما، وقراءة لتاريخ العلوم، وصفحات بأقلام عمالقة الثقافة العربية المعاصرة من السودان الى سورية، ومن الكويت الى تونس.
واعتبر ان الأصوات الداعية لتكويت العربي، انما تدعو لإنهائها، العربي لكل عربي وبذلك كتابها عرب وليسوا كويتيين فقط، وهذا حافظ على مستواها وجعلها مجلة للقارئ العربي، لكن «العربي» لا يخلو عدد من مادة أو أكثر عن الكويت أو من أقلام كويتية، في الآداب والفنون والعلوم، أسوة بالأقلام العربية التي تنشر فيها، وهي تحاول أن تخلق توازنا بقدر الإمكان بين كتاب ومثقفي الدول العربية كلها، وذكر ان لدينا في الكويت مجلات متخصصة في الكويت، ووزارة الإعلام أنشأت مجلة «الكويت» الشهرية لتكون مرجعا لكل من يريد ان يعرف كل شيء عن الكويت، واسمها «الكويت» وكذلك مجلة البيان التي تصدرها رابطة الأدباء، هي مرجع للأدب الكويتي وللكتاب الكويتيين، ولدينا مجلات شهرية ودورية تصدر عن كليات جامعة الكويت وغيرها من المؤسسات الثقافية في الكويت.