- شاهدت مجموعة من البحارة يغرقون في قاع البحر أمامي وعندما تمسكنا بالجالبوت انقلبت وصرنا تحتها
- جدي مبارك أول من سكن براحة المجيبل وكانت تمتد من حي الرومي حتى ميدان الشرق
- التحقـت بمدرســـتي ملا عبدالوهاب الحنيان وملا بلال وكنت أهرب من المدرسة وأذهب إلى البحر
- ركبت بحاراً في سفينة فتح الرحمن وكان النوخذة يعطيني قلاطة واحدة والسلفة أول مرة 200 روبية ندفعها بعد العودة من السفر
- خلال إبحارنا إلى لامو تعرضنا للاعتداء من قبل غواصات مشاركة في الحرب العالمية الثانية وكانت «إرطاوي» لعبدالله الجارالله السفينة الكويتية الوحيدة التي تعرضت للقصف
- كنا ننقل التمور للصومال وبعضهم كان يعمل «خفاقة» ويغطيها حتى يتعثر البحار فيها فيتمكن من الاستيلاء على التمر والهرب بسرعة
- بعد نجاتنا من الغرق أعطى التجار الكويتيون كل بحار منا 750 روبية وعند عودتنا حملتني أمي وسقطنا في البحر من شدة فرحتها بعودتي
- لدى التحاقي بالشرطة أضربت عن التدريب وقلت للمسؤول «روح اشتكي علي»
«اشلك بالبحر وأهواله..ورزق الله على السيف» لعل هذا المثل يبين لنا عظمة البحر وأهواله وقسوته والمتاعب التي كان يلقاها البحارة بينما تخوض سفنهم البحار والمحيطات ويعطينا صورة عن الأخطار التي كان يتعرض لها الكويتيون الذين كانوا يمارسون مهنة الغوص والسفر الشراعي، فمنذ أن تأسست الكويت وأهلها يعملون على السفن الشراعية، سنوات طوال مضت وأجيال تعاقبت جيلا بعد جيل إلى ان منّ الله على الكويت بنعمة النفط. مبارك المجيبل أحد أولئك البحارة الكبار الذين كانوا يعبرون البحار والمحيطات بسفنهم حيث ركب بحارا في عدة سفن شراعية، ولد في براحة المجيبل عام 1923 والتحق بمدرستي ملا عبدالوهاب وملا بلال إلا أن حبه للبحر كان يجعله يهرب من المدرسة وسرعان ما بدأ عمله بحارا على السفن الشراعية فسافر إلى بومباي وكراتشي وعدن وزنجبار. يحكي لنا عن أسفاره بالبحر والنواخذة الذين ركب معهم البحر وكيف تعرضت سفينة النوخذة بلال الصقر للغرق وغرق معها البحارة جميعا إلا هو وأحد عشر بحارا آخرين فيذكر لنا تفاصيل مثيرة عن قصة نجاته من هذه الحادثة الأليمة وكيف كان البحارة يغرقون في قاع البحر أمام ناظريه حتى أنه ظل 3 أيام بلياليها يصارع الأمواج حتى كتبت له النجاة عن طريق سفينة أخرى. كذلك التحق العم مبارك المجيبل بالشرطة والجيش ويحدثنا عن حكاية إضرابه عن التدريب في الشرطة في أول الأمر، ثم كيف ترقى مرارا حتى تقاعد برتبة نقيب. كما يحدثنا أيضا عن مزارع العائلة في الفنطاس ويروي لنا كيف كانت الحياة في الماضي جميلة رغم شظف العيش وكذلك تاريخ العائلة في البحر وكيف كان منها العديد من النواخذة. كل هذا وغيره من الأمور والمعلومات الشيقة والحكايات المثيرة نجدها في اللقاء التالي مع العم مبارك منصور ناصر المجيبل، فإلى التفاصيل:
في بداية اللقاء يحدثنا العم مبارك منصور ناصر المجيبل عن مولده وبداياته الأولى وطفولته وكيف كانت والمنطقة التي نشأ فيها ومن كان يسكنها في تلك الفترة فيقول:
ولدت في الكويت في براحة المجيبل في منطقة الشرق بالقرب من فريج الشيوخ وذلك عام 1923 وتعتبر براحة المجيبل من البرايح الكبيرة وتحيط بها مجموعة من البيوت الصغيرة والكبيرة والتي كانت مبنية من الطين ومن صخور البحر، وكان جدي مبارك أول من سكن في تلك البراحة واطلق عليها فيما بعد اسم العائلة «المجيبل» وكانت تتفرع منها سكك كثيرة تؤدي الى بعض الطرق المتفرعة، كما كان بيت جدي مبارك بيتا كبيرا وفيه ديوانيتان وتمتد البراحة من حي المطبة حتى ميدان الشرق. ومما اذكر بيت الشاعر سعد اللوغاني وكذلك ديوانية عمي سلمان المجيبل مقابل سكة الشعري، وبعد تقلب الأحوال وتغيرها حاولت ان أطالب ببيت المجيبل والديوانية التي كانت فيه حيث سكن من قبل غيرنا وبدلت ملكيته وذهبوا الى أمي وشكوا لها. وقالت الوالدة «دُرَّتي عليك حرام اذا تطالب بالبيت» وذهبت الى خوالي مجبل وعلي المجيبل وقال خالي أمك حالفة عليك خلاص لا تطالب» ومسجد المطبة تقريبا بالقرب من براحة المجيبل وفيه مسجد ملا حسين التركيت وهو إمام وخطيب فيه، وعندما كنا صغارا كنت العب الألعاب الشعبية بذلك الوقت مثل لعبة البلبول والدوامة والهول والصفروق والتيلة والمقصي واثناء لعب الهول كنت سريع الركض وسبوق على أصدقائي واذكر سعد النجدي وآخرين كنت العب معهم الهول وعندما بلغ عمري العاشرة بدأت العمل في البحر مع العلم انني عندما باشرت العمل البحري كان عمري تقريبا 8 سنوات.
الدراسة والتعليم
وعن النصيب الذي ناله من التعليم يقول العم مبارك المجيبل: دخلت مدرسة ملا عبدالوهاب الحنيان وكنت اهرب منها وما احب الدراسة قرأت وحفظت القليل من القرآن الكريم وكان في المدرسة بعض أبناء المجيبل أيضا، تعلمت في مدرسة ملا بلال وكنت اهرب من المدرسة واذهب الى البحر وتعلمت القليل من الحساب وكان الوالد دائما يخانقني ومعي مجموعة من أبناء الفريج، ولم اكمل من تعليمي سوى القدر البسيط وتركت الدراسة وتوجهت للعمل منذ صغري، كما تعلمت ودرست أيضا في المعاهد الموجودة في الجيش الكويتي وأكملت دراستي، وزادت علومي وثقافتي مع التعليم العسكري.
العمل بحاراً في السفن الشراعية
بعد مشواره القصير في ميدان التعليم توجه للعمل في البحر الذي عشقه منذ صغره، وعن بدايات ذلك يقول: كان أخي ناصر بحارا مع النوخذة أحمد العثمان وكان بحارا وأحيانا ينهم، وقد دعاني أخي للعمل معهم كبحار وأول سنة مع النوخذة احمد العثمان، وجميع رجال المجيبل كانوا يركبون البحر مع العثمان وعملت بحارا في سفينة فتح الرحمن ولما شافوني بعض البحارة قالوا ليش جايبين هذا صغير وانا في ذلك الوقت كنت حركا ونشيطا جدا ولما سمعتهم يقولون ذلك أسرعت وركبت على القلمي واثبت لهم قوة همتي ونشاطي، وكان النوخذة يعطيني قلاطة واحدة والسلفة أول مرة 200 روبية وهي محسوبة على البحار يدفعها آخر الموسم بعد العودة من السفر واذا البحار حصل على فضيلة فهذا شيء طيب يستطيع ان يدفع ويسدد الدين الذي أخذه وأعطيت السلفة للوالد، ولمدة 4 سنوات كنت بحارا معه، البداية خرجنا من طوينة وسافرنا الى الهند، قال أخي ناصر روح مع بلال الصقر لأنه العام الماضي أعطى للبحارة فضيلة طيبة ومجزية، نزلت من النوخذة احمد العثمان وعملت بحارا مع النوخذة بلال الصقر، حملنا تمورا أول الموسم زهدي وخضراوي وبعد وصولنا الى مومباي نزلنا التمور للتاجر يوسف الصقر كذلك عملت بحارا في المهلب والنوخذة حسين العسعوسي قبل ان اركب مع بلال الصقر بعد النوخذة احمد العثمان حملنا تمورا وسافرنا من البصرة الى الهند ونزلنا التمر وكذلك ركبت بحارا مع النوخذة سليمان بن عيسى في سفينتهم ملك لابن عيسى وحملنا صديفي وهو محار كبير ونقلناه الى عدن ووضعناه في خياش، كل بحار ينقل وظهورنا جرحت وبعد ذلك سافرنا من عدن خاليين الى المكلا وحملنا عبرية (ركاب) من 10 عائلات واحد منهم ضربه الدامن ولما سمعنا صراخ العائلات وتبصرنا الأمر شفنا اللي طايح بالبحر وكنا في بحر خط الاستواء وعلى طول طبيت انا وراه علشان اطلعه ولما وصلت له واذا به ينافخ وهايج ولا تقدر عليه من كثر ما هو عسر وكان الجماعة بالمركب ينادوني لا يغرقك ثم رمى لي تركي القصام حبلا وطب وراي وساعدنا الرجل وخرجنا من البحار وفرحت أم وزوجة الرجل وتشكروا منا. ورجعنا الى عدن ورجعنا الى البصرة ونقلنا تمورا الى بربرة في الصومال، ومما اذكر ان بعض الصوماليين كانوا يعملون (خفاقة) حفرة يغطونها والبحار وهو يحمل التمر يسقط فيها فيأتي بعضهم ويأخذ التمر ويهرب والبحار لا يستطيع اللحاق بهم هكذا كنا نعاني، سافرت الى ممباسا وبعدها الى مصوّع وأيضا سافرت الى لامو وفيها تعرضت بعض السفن لاعتداء من قبل الغواصات واذكر ان سفينة عبدالله الجارالله كان اسمها إرطاوي تعرضت للقصف أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت هي السفينة الوحيدة بين سفن الكويت التي تعرضت لمثل هذا الحادث.
سافرت بحارا مع حسين العسعوسي وكنا محملين روح الشكر وذهب وسكتلي الى البصرة وحملنا منها 11 رأسا من الخيول. نقلناها الى مدينة مومباي لسباق الخيل هناك وكل رأس في داخل صندوق ومعها «سايس» يراقبها ويطعمها، وكنا بوسط البحر وحصل حادث لأحد الخيول وصلنا الى مومباي ونزلناها.
النوخذة علي النجدي
كما يضيف العم مبارك المجيبل: ركبت بحارا مع النوخذة علي النجدي في سفينة ملكه وهو فيها نوخذة وبعدما حملنا التمور وتوجهنا الى الهند ونزلنا التمور وبعد فترة سافرنا الى قوة وحملنا شايا الى مومباي، النوخذة تأخر علينا وكذلك حملنا بضاعة متفرقة لأحد المواطنين الى البصرة والنول 200 روبية ورجعنا الى الكويت محملين سكتلي أخشاب من قوة لتاجر كويتي وأيضا كانوا يحملون بامبو واخشابا وحبالا جميعها للتجار الكويتيين وبصفة عامة كانت السفن الكويتية كثيرة وتتواجد في موانئ الهند وتنقل بضائع من موانئها من مدينة الى مدينة، واقول هنا ان البحر تعب وشقاء لكن المعيشة تتطلب العمل، كنت بحارا وتعرضنا لحوادث، شاهدت مدن مومباي واليبا وقوة وكراتشي وكل مدينة أحلى من الثانية، والكويتيون كان عندهم قهاوي في هذه الأماكن.
النوخذة بلال الصقر
بعد ذلك يتطرق العم مبارك المجيبل في حديث الذكريات الى الكلام عن النوخذة بلال الصقر فيقول: ركبت بحارا مع النوخذة بلال الصقر عام 1943م والسفينة ملك عائلة الصقر، خرجنا من طوينة وتوجهنا الى مومباي دون حمولة، فقط وضعنا «اطعان» وهو إما رمل أو أي غرض ثقيل وكانت السفينة اسمها (اسلام).
وكان عدد من في تلك السفينة 38 بحارا مع النوخذة والمجادمة والسكونية، وصلنا الى مدينة مومباي وطرحنا بحر «توقفنا بحر» وكان في الذهاب سنيار معنا النوخذة عيسى العثمان ابتعدنا بعيدا، وفي مومباي اجتمع النوخذة بلال الصقر مع التجار والنواخذة ونحن البحارة في السفينة قال النوخذة عيسى العثمان بعدما حمل بضاعته من ميناء مومباي، قال سنخرج ونسافر وكان ذلك قبل سفرنا بـ 8 أيام بتاريخ 28/4/1943 ونحن خرجنا من ميناء مومباي يوم 5/5/1943.
بعض النواخذة قالوا للنوخذة بلال الصقر لا تخرج الجو غير مناسب هذه الأيام لأن فيه ضربات وعواصف، لكن، رحمه الله، أصر على رأيه وكنا محملين قوالب ذهب أفرغنا الصابون بالبحر ووضعنا الذهب في العلب وكذلك حملنا قطن وروح الشكر.
عيسى العثمان لم يتعرض للبرصات لأنه خرج قبلنا وليس بالموسم الضربه.
غرق السفينة
ويكمل العم مبارك المجيبل: المهم خرجنا وبعد 3 أيام ضربتنا البرصات في الغبة ومعنا تنكسيري احنا قلصناه بعدين ابتعدنا كنا رافعين السفديرة.. بدأ الطوفان هواء شديد ونزل مطر غزير والبرق والرعد سايبة كبيرة النوخذة بلال قال اقطعوا حبال الدقل القلمي وسقط في البحر من شدة الموج والهواء، ثم رجع الدقل القلمي علينا وضرب بالسفينة فصار فيها ثقب كبير ودخل علينا الماء من تحت ومن فوق وقد نسينا بعض الحبال ما قطعناها.
غرقنا بعد دخول الماء للسفينة سايبة قوية البوم ركس بقاع البحر والبحارة تمسكوا بالجالبوت ثم انقلبت الجالبوت ونحن صرنا تحتها وغصت من تحتها وخرجت مع من خرج الا ان النوخذة بلال الصقر ضرب في رأسه وصدره ونزل منه دم كثير، رحمه الله، ومن معه، وكان معنا بشير خادم الصقر وكان راعي (الدبوسة) ومعنا سعد المجيبل ولد خالتي نجا من الغرق وعبدالعزيز المجيبل ولد خالتي أيضا لكنه غرق ولم ينج، رحمه الله، وقال سعد المجيبل للنوخذة تشهد وانطق الشهادتين وهكذا غرق النوخذة ومات بوسط البحر من الضربة اللي فيه، وانا اسبح واذا ببشير خادم الصقر ينزف منه الدم حتى وصل الى فمي ، الغريق دائما ابتعد عنه واذا أمسك بك يغرقك معاه، شاهدت مجموعة من البحارة وهم يغرقون بقاع البحر أمامي وبجنبي، بعد ذلك السفينة التي كانت معنا شافتنا باليوم الثالث تقريبا، ورموا لنا الحبال حتى يتم سحبنا وتعلقت بالحبل وصعدت الى سطح السفينة وكنت أول بحار يصعد لتلك السفينة واعطوني مريس تمر منقوع في الماء ثم ردت روحي، وقد مات من البحارة 26 بحارا والنوخذة، والله أنقذ 12 بحارا حيث صعدنا السفينة والمطر ينزل والأمواج ترتفع والهواء شديد، وفي تلك الحالة استطعت ان اصعد الى السفينة التنكسيري التي نقلتنا نحن الـ 12 بحارا وأما البحارة الآخرون، رحمهم الله، فغرقوا بوسط الغبة وبالمحيط الهندي والسفينة غاصت بقاع البحر بما فيها من حمولة وأغراض وأشرعة،
وكانت الامواج ترفع السفينة ولكني سبحت تجاهها ورموا لي الحبال فتعلقت بها وصعدت الى السفينة في آخر نفس وآخر قوة وكنت اول بحار من السفينة الغارقة اصعد مع «التنكسيري» وقضيت ثلاثة ايام وثلاث ليال لم اذق الاكل سابحا ومحاولا ان اصل لشيء، وكان ثاني بحار كويتي صعد للسفينة هو المرحوم سعد العبكل وبعده سعد ولد خالتي وخليفة بودهوم، بعدما صحوت وردت العافية في باشرت رمي الحبال لربعي في البحر واخو سعد العبكل سبح من تفر السفينة ولكنه لم يستطع ان يكمل وغرق بالبحر وخليفة النومان ضربه السكان وغرق بالبحر من شدة الامواج ولما طلعت الشمس عقب ما صعدنا التنكسيري شفنا حبيب كرم والطليحي وناديناهما وطلعناهما.
عددنا اثنا عشر بحارا الله انقذنا من الغرق صعدنا السفينة ورجع النوخذة التنكسيري الى مدينة بومباي وصلنا الى هناك ونزلنا على الميناء وشاهدت حسين بلال الصقر، ولكن قبل وصولنا الى بومباي حصل للسفينة حالة بحرية، بان السفينة «سمرت» أي تسير من دون شراع الى منطقة «طنة فري» من جزر الهند ثم واصلنا السير الى هناك، حسين بلال الصقر كان بحارا في السفينة «طارق» فقال له سعد العبكل اخوي يطلبك الحل، البوم غرق وبعضنا مات وبدأ بالبكاء وعزيناه وكان في سفينة «طارق» ونوخذهم عبدالله المعتوق، وفي بومباي حضر عندنا عبدالعزيز الصقر ومجموعة التجار الكويتيين والقنصل وعلي النجدي ومساعد الساير وهناك جمعوا لنا مبلغا واعطوا كل واحد منا سبعمائة وخمسين روبية واستأجروا لنا غرفا في احد الفنادق، جميع التجار زارونا وأثناء تلك الفترة عيسى العثمان وصل، وبعد فترة من الراحة والسكن ركبنا الباخرة «دواركا» وعدنا الى الكويت، وقد مكثنا هناك عشرين يوما، وكان الفنان يوسف البكر في الهند وكان يطبخ لنا الاكل، المهم سافرنا ووصلنا الى الكويت ونزلنا من الباخرة ونقلنا بواسطة جالبوت الى الساحل وكان جمع غفير من المواطنين ينتظروننا على الساحل والوالدة من فرط فرحتها بسلامتي حملتني وسقطت معها في البحر، جميع افراد عائلة المجيبل كانوا في استقبالنا وكانوا يسألوننا عن بقية البحارة فأبلغناهم وذهبت الى البيت والوالدة تمشي وتقبلني دخلت البيت وجميع الجيران والاقارب ينتظرونني في البيت للسلام والجميع يسأل ويتحمد الله على السلامة.
لا يوجد فرق بين المواطنين جميعنا اخوة ومواطنون.. اول ليلة الوالدة من فرحتها بسلامتي ما فارقتني ونامت معي بالفراش، هذه طبعة النوخذة بلال الصقر مايو 1943 أثناء الحرب العالمية الثانية.
النوخذة أحمد العثمان
بعد الحديث عن رحلته المثيرة والنهاية الدرامية التي آلت اليها مع النوخذة بلال الصقر، يتطرق العم مبارك المجيبل للكلام عن عمله مع نوخذة آخر هو احمد العثمان، فيقول: بعد تلك الحادثة ركبت بحارا مع النوخذة احمد العثمان وهو من عائلة ملاك سفن ونواخذة من سكان الحي القبلي ومن عائلات الكويت المعروفة ويتصفون بالطيبة والخلق الكريم ويملكون عدة سفن شراعية، ركبت بحارا وسافرنا الى الهند ـ مدينة مومباي، وعن احد المواقف المثيرة التي تعرض لها يقول العم مبارك انه كاد يغرق ذات مرة وانتهى الامر به بتعلم السباحة وفي التفاصيل يقول: استأجر الوالد سفينة شوعي للغوص ومعه خليفة العطار وركبت معهما ولكني سقطت في البحر ولا يعلم عني احد وكان عمري ثماني سنوات وكنت لابسا قحفية وكان معي ولد خالتي وتنادوا البحارة وما كنت اعرف السباحة عدل ونزلوا وانقذوني وهذه الحادثة قبل الحادثة الكبيرة المهم بعدما ساعدوني ناداني الوالد وضربني طراق على وجهي (الطراق هو ضرب الكف على الوجه) ومن ذلك الطراق تعلمت السباحة وقال لي ما تعرف تسبح يا الدثوي (معناه الردي) ومنها تعلمت السباحة وكان يتابعني وكنت اسبح في نقعة النصف.
ضابط في الشرطة والجيش الكويتي
يتحول العم مبارك المجيبل بعد ذلك من البحر واهواله واحداثه للكلام عن عمله بالشرطة بعدما ترك البحر وعذابه وشقاه، وانتهى الغوص فيقول: بعد السفر بالسفن الشراعية بدأت الحياة والنهضة الحديثة التحقت عام 1950 بالشرطة برتبة شرطي.
كان اخي ناصر المجيبل يدرس مع المغفور له الشيخ صباح السالم، ثم دخل الشرطة واخي ناصر هو الذي سجلني شرطيا وذهبت معه واول رجل قابلته من العسكريين جاسم شهاب وكان في الامن العام وكان تدريبنا في منطقة الجيوان صباح كل يوم، رياضة منها الجري والالعاب واذكر ان جبرا شحيبر يشرف علينا، وفي احد الايام قلت اريد ان اضرب عن التدريب من شدة التعب وقلت له تريد ان تشكي علي ما عندي مانع ورفضت الخروج ذلك اليوم من التدريب ورحت عنه وناداني وقال يا مبارك انت رجل كويتي ومعروف فقلت له لا اريد التدريب.
واضربت عن التدريب وقال تعال ما يصير تعمل هكذا فقلت له روح اشتكي علي وربعي الذين معي صفقوا لي اخيرا بدأت التدريب ورجعت الى التدريب ومارسته وعينت شرطيا وبعد اربع سنوات حصلت على خيطي وصرت وكيل عريف وبعد ذلك صارت 3 خيوط وتاج وصرت رقيبا وبعد سنوات صرت وكيل أول ضابط وبعد سنوات حصلت على النجمة برتبة ملازم وبعد سنوات من الخدمة والعمل والكفاح والمثابرة حصلت على سمعة طيبة بين رفاق السلاح فحصلت على النجمة الثانية برتبة ملازم أول وبعد سنوات من العمل والخدمة العسكرية حصلت على الترقية وأصبحت نقيبا بـ 3 نجوم.
وفي الأمن كان عبداللطيف الثويني يعتمد عليّ وفي احدى الحوادث أرسلني في مهمة لتتبع حرامي سرق من أحد المواطنين مبلغا كبيرا ورحت الى بعض العمال وكانوا يسكنون عشة وفتشت تلك العشة ووجدت البوك (المحفظة) وعرفت مكانها ووجدتها وضعت الكلبشة بيد السارق وأخذته الى الأمن العام وتمت محاسبته وعقابه والضرب كان عقابه بالاضافة للسجن.
ومن الحوادث عندما كنت في الشرطة عرفنا عن رجل عربي يصنع خمورا وقد استأجر بيتا عربيا في حولي وتمت مراقبته حتى تم القبض عليه وشاهدت الخمور في خزانات، وأحضرته الى الأمن العام وتم عقابه، وكذلك كنت في احدى السنوات في الدورية ومعي عريف ورقيب وكنت برتبة ملازم أول وشاهدت رجلا يحاول السرقة فألقيت القبض عليه وسلمته للمسؤولين وعوقب عقابا شديدا وسجن.
أمضيت 5 سنوات في الأمن العام منذ عام 1950 حتى عام 1955 وقد أديت واجبي على أكمل وجه وبعد ذلك انتقلت الى شرطة السيف والتي كان يرأسها الشيخ مبارك الحمد الصباح، وفي مخفر السيف كنا نفتش السفن الشراعية والبحارة وكان بعض النواخذة غير الكويتيين يهربون أشخاصا ونحن نلقي القبض عليهم، واذكر عثمان الأيوبي وغيره من الضباط وأفراد الشرطة.
ويضيف: أمضيت سنوات طويلة في مخفر شرطة السيف وأيضا نقلت الى الحرس الأميري وكانت الرتبة نقيبا وكانوا يعطوننا الملابس الخاصة وسيفا، كذلك كنت في الجيش ضابطا مشرفا على فرقة الموسيقى وكنت اعزف كورنيت وتعلمت بالفرقة مع ضابط اسمه محمد الديب وبعد ذلك عين ضابط آخر بدلا مني وهو متعلم احضر من الأردن.
وكنت مع المجموعة وبعد وفاة الضابط حمد عويس المشرف على فرقة الموسيقى عينت بدلا منه في الجيش وكنت قبل ذلك اعزف وتعلمت النوتة ويقول خالد الحمود «اسمع صوتك مثل الموسيقى وتقسيماتك التي تؤديها» وكنا في الأعياد والمناسبات الوطنية نعزف وأحيانا نقف أمام الأمن العام ليليا وملابسنا للون الأحمر وأمضيت مدة طويلة في فرقة الموسيقى وتقاعدت بعد ذلك وأيضا كنت اكتب النوتة وقد تعلمتها، وأنا أول رئيس فرقة موسيقية كويتي انفخ البوق، وانتهت الوظيفة بعد التقاعد وتركت الجيش والعسكرية وكنت برتبة نقيب.
وبصفة عامة اقول ان جميع أماكن العمل الحلال زاولتها للعيشة والحياة لاأزال أتذكر تلك الأعمال البحرية والجيش وبعد التقاعد لم اشتغل في أي مكان وتقاعدت يوم 12/12/1972، ثم حصلت على بسطة وأجرتها على واحد بسعر شهري وحصلت على محل خباز ويتبعه 14 مترا.
السفر إلى الدول العربية
يتحدث الزميل مبارك المجيبل عن حب السفر والترحال والذي اشترك فيه جميع أفراد العائلة فيقول:
كنا نحن وأفراد عائلة المجيبل كثيري السفر الى الدول العربية من بدايات الخمسينيات وكنت أنا كثير التردد على مصر مع العائلة وباقي المجيبل كانوا أيضا يسافرون الى مصر ولبنان وسورية وبعض الدول العربية الأخرى أحيانا للسفر والتنزه وأحيانا أخرى للقنص والصيد واذكر ان في سنة 70 كنا في مصر مع العائلة ثم ذهبنا الى لبنان مع أمي وخالتي وعمي صالح علي المجيبل، بعدما وصلنا الى لبنان قالت لي أمي يا وليدي احنا حجينا كم حجة ونبي نروح القدس ونشوف الحرم قلت لها أنا مع عمي صالح حاضرين ومشينا الساعة 10 صباحا وما صارت الساعة 6 مساء إلا ونحن في أريحا ثم وصلنا القدس الساعة 8.00 وسكنا في فندق الأراضي المقدسة وعمي صالح اتفق مع المطوف حتى نزور كل المقدسات وكل الأماكن المهمة وزرنا أيضا المسجد الأقصى ومسجد الصخرة وفرحت أمي وخالتي منى ومن عمي صالح ومن خدمتنا لهم وهبتنا على شانهم واذكر في هذه الزيارة الأماكن المقدسة وفرحتنا كلنا في شوفة هذه الأماكن وحزنا على انها يمكن تضيع في الوضع اللي كان موجود في ذلك الوقت، أما الحين عاد ما يحتاج أوصفلك ان هذه الأماكن ضاعت الا شوي أو يمكن انها ضاعت بالمرة.
مزارع الفنطاس
يكلمنا العم مبارك المجيبل بعد ذلك عن النشاط الزراعي لعائلة المجيبل قديما فيقول:
عائلة المجيبل لديهم مزارع كبيرة في قرية الفنطاس قديما وكانوا يزرعون الطماط والبطيخ والطروح، وجميع الخضراوات وكان جدي ووالدي يزرعون معهم مزارعون وفيها عين ماء عذبة وسكنت عند خالي في الفنطاس وكان الجميع يصدرون الماء من جليب البلداني ويفرغ الماء في الشروب وتستخدم القرب في أخذ الماء من الجليب ونسقي الزرع منذ الصباح وبعد 18 يوما يبدأ نبت الزرع وعندنا ماء السليل نعطيه للأغنام والأبقار.
هكذا كان ماء البلداني للشرب والطبخ وماء السليل للحيوانات، وكانت عائلة المجيبل عندهم تقريبا أكثر من 2000 متر من المزارع وموقعها أول دخول الفنطاس ولكنها تحولت الآن الى عمارات ودكاكين، واذكر شيخان عنده مزرعة والعائلات التي تسكن الفنطاس مثل الحمدان والردهان والحقان والمجيبل والمزيعل والعميري والعوازم وغيرهم عندهم مزارع وكذلك كنا نذهب الى ساحل الفنطاس، وعائلة المزيعل كان عندهم مزرعة وعندهم شوعي للغوص وكنا نركب بالشوعي من الفنطاس الى الكويت.
الخال وحرب الصريف
وفي سياق الحديث يتطرق ضيفنا لبعض المعلومات التاريخية فيقول: أول من ذهب للفنطاس جدي مبارك للمزارع اللي عنده بس ما كان يسكن هناك، لأنه كان يسكن في الكويت في براحة المجيبل وتزوج ولده صالح اللي هو خالي من المزيعل وفي سنة 1901 كان التجهيز لحرب الصريف وكان لازم يطلع للحرب واحد من كل بيت وراح خالي صالح مع جيش المغفور له الشيخ مبارك الصباح لحرب الصريف وفي هذه الأثناء استأذنت زوجة خالي من جدي مبارك ان تذهب عند اخوانها بالفنطاس الى ان يحضر خالي من الحرب وهذه الحرب كانت خسارة كبيرة على أهل الكويت، لأن اللي ماتوا فيها بالميات وكان خالي صالح بن مبارك المجيبل واحدا من الذين قدموا أنفسهم وأرواحهم حق الكويت وشيوخها المهم لما وصل الخبر استمرت زوجة خالي بالفنطاس مع عيالها مجبل وعلي وكان جدي مبارك يزورهم ويمر بهم وهم كانوا يشتغلون بالمزارع ملوت المجيبل وهذا سبب وجود المجيبل بالفنطاس، عقب ما كانوا بشرق وجبلة، مع العلم انهم استمروا يسكنون براحة المجيبل وسكنوا بعد في المرقاب وبعد في الشعيبة ثم يعود بعد ذلك الى الحديث عن الفنطاس قائلا: كنا ايام الصيف نرجع الى الكويت وايام الربيع نعود الى الفنطاس والوالد كان يقول عن الفنطاس كأنها لبنان عنده، قرية جميلة وحلوة وهواؤها نقي، ساحل رملي ناعم يا سلام، الله على الفنطاس، النساء في الليل على نور القمر يلعبن عظيم ساري وكن يأخذن العظم يكحلنه ويرمينه ويبحثن عنه وعندما كنت صغيرا العب معهن، كانت المرأة قوية تقوم بجميع اعمال البيت وكان عندنا شيخة المجيبل تمشي من البلداني في الفنطاس الى البيت حاملة على ظهرها قربة ماء للشرب وتفرغه وتعود مرة ثانية والماء في الحب او البرمة وتحتها «ناقوط» ماء مفلتر.
وعندنا اغنام وكنت اشرب منه، الفنطاس فيها مزارع كثيرة وفيها الكنار ونصطاد الطيور ونضع على السدرة سالية ونصيد الطيور في الربيع نذبح جميع الطيور التي نصطادها ونعملها خميسة والوالدة وعمتي شيخة تخبزان وجدتي روزة تطبخ، قديما كان الجو حلوا ونحن الاطفال كان عندنا وناسة اقول ان المرأة في الفنطاس بطلة تؤدي جميع خدمات المنزل.
نواخذة من المجيبل
عائلة المجيبل من العائلات التي لها باع في العمل بالبحر وسبر أغواره فكان منهم العديد من النواخذة، وعن ذلك يقول العم مبارك المجيبل: اذكر من رجالات عائلة المجيبل والذين كانوا يعملون في البحر وصاروا نواخذة خاصة في سفن الغوص صالح علي المجيبل ووالدي منصور المجيبل حيث ان صالح علي المجيبل كان غيصا قويا ومعروفا بين كل الغاصة بطول انسمه ومهارته بعد ذلك صار نوخذة غوص، وكان عنده شوعي ومعهم سعد المجيبل واعيال المجيبل واعيال الفنطاس وكان النوخذة صالح المجيبل صار نوخذة لمدة سنتين واحيانا كان يحصل على بعض القماش (اللؤلؤ) وفي احدى السنوات كان علي معهم يغوص في سفينته فحصل على «دانة» وباعها بمبلغ جيد حيث وجد اربع محارات وفلق الاخيرة فوجد المحارة كبيرة تلمع وباعها وكان آخر الموسم وقفل عائدا الى الكويت.
عائلة المجيبل كانوا يشتغلون بالزراعة في الفنطاس والغوص في السفن الشراعية للبحث عن اللؤلؤ في الكويت واستمرت حياتهم حتى بداية النهضة الحديثة وكانوا يعيشون في بيوتهم في الفنطاس وفي مدينة الكويت، ومنهم الضباط في الشرطة والجيش وفي جميع الوزارات وحصلوا على مناصب ادارية متقدمة ولهم باع طويل في النهضة الحديثة وهم من العائلات الكويتية القديمة والدليل على هذا ان اطلق اسم العائلة على احدى البراحات في مدينة الكويت ولقد هاجرت عائلة المجيبل من نجد في اوائل العام 1800 او منتصف 1700.
كلمة للشباب
يوجه العم مبارك المجيبل كلمة لشباب الكويت: اقول للشباب ابناء الكويت اولا الله يهنيهم بالنعمة التي يعيشونها وانتبهوا يا اولادي على انفسكم وهذه بلدكم وخذوا الحذر من الاشرار، كما ادعو الشباب للوحدة الوطنية، لقد خدمت في الكويت في البر والبحر وتحملنا جميع المتاعب من اجل الكويت، كنت بحارا وعسكريا، وانتبهو يا عيالي على الكويت ولا تتأخروا عن خدمتها في كل ما تحتاجه.
كما يتحدث عن الديوانية قائلا: الديوانية مكان لجمع الرجال والشباب فيها منافع ومصالح وكلام يدور بين الرجال تجمع الرجال وتطورت الديوانية، الديوانية القديمة كانت افضل من الحالية، حيث كانت الديوانية في الماضي فيها كلام يسر ويبهج القلب، اما حاليا فكلام لغو فلان قال وفلان قال.
اقول الحمد لله الذي عطانا هذه النعم والخير ونحن نعيش في وطننا الحبيب الكويت، فالحمد والشكر لله على نعمائه.