- الاحتلال العراقي كان أكبر المشكلات التي واجهتني فـــــــي حياتي وأثبت مدى تلاحم الشعب الكويتي وعظم حبه وولائه لوطنه
- دائماً ما تراودني الأفكار والأحلام والتطلعات فبحر التجارة عميق ليس له قرار ومازلت أطمع في عمل شيء لم يسبقني إليه أحد
- التاجر الناجح لا يضع البيض كله في سلة واحدة بل يتوسع في أكثر من مجال ما دام مسلكه حلالاً
- ما زلت أشعر بأني مبتدئ في عالم التجارة أتعلم كل يوم شيئاً جديداً
- تحملت المسؤولية منذ الصغر وكنت أشـعر دائمـا في طفولتي بمدى عظم الواجبات الملقاة على كاهلي
نسمع دائما عن أن فلانا رجل عصامي بدأ من الصفر وبنى نفسه ومكانته وامبراطوريته الخاصة بالجهد والعرق وسهر الليالي. هذا اللقاء فرصة جيدة للانتقال من الكلام الإنشائي والقصص التي لا نعرف أبطالها إلى الحديث عن واقع ملموس وشخص نعرفه ونراه رأي العين يبدع في مجاله ويبتكر حتى أصبح من أنجح التجار. عاش طفولة صعبة تحمل خلالها مسؤولية ينوء عن حملها الرجال، فترك دراسته ليعول أسرته، وعندها قرر أن يعوض هذه الخسارة الكبيرة التي تكبدها بتركه مسيرة التعليم من خلال الدخول إلى سجل الناجحين في عالم المال والأعمال، وهو ما كان بالفعل. بمزيج من الجرأة والتأني والذكاء وبعد النظر استطاع الغنام دخول مجال التجارة بعد ان درس احتياجات السوق جيدا وتعرف على احتمالات نمو تجارته. هكذا بدأ العمل التجاري بمشاركة أحد التجار بمبلغ 100 دينار، وبعدها قرر أن يكون له عمله الخاص وكان ذلك في مجال قطع الغيار. تجربة فذة ودليل إرشادي لمن يريد تحقيق النجاح نتعرف على محطاتها من خلال هذا اللقاء، فإلى التفاصيل:
نبذة عن الطفولة وأبرز الذكريات؟
ولدت في 31/12/1930 في منطقة القبلة بمدينة الكويت، ودرست حتى الصف الثالث الابتدائي وتركت الدراسة بعد وفاة الوالد «يرحمه الله» في عام 1941 نظرا للظروف للعائلية والمعيشية ولمساعدة الوالدة في الحصول على لقمة العيش، وعملت في محل بقالة لمدة 6 أشهر، لكني كنت أشعر حينها انه ليس طموحي ولا مكاني هذا المجال فتركت البقالة وهذا من ضمن القرارات المهمة عندي بعدها عملت مراسلا في سن السادسة عشرة عند عائلة الحمد في مدينة البصرة في عام 1964 براتب وقدره 6 دنانير عراقية بالإضافة إلى المسكن والمأكل وكنت أوفر من مأكلي مبلغ 7.5 دنانير شهريا، بالنسبة للذكريات لم اشعر يوما بأني طفل بل كنت دائما اشعر بأني رجل ومسؤول.
رفضت ان تستمر في العمل في البقالة، وقد ذكرت انه من ضمن القرارات المهمة فلماذا رفضت؟ وهل كانت لديك فكرة عن التالي ولذلك رفضت، وما سبب الرفض؟
كما ذكرت لك كنت اعيش بإحساس غريب وقوي بأن هذا ليس ما اطمح إليه ويرضي طموحي ولا أفكاري وتطلعاتي التي ارجوها وأسعى اليها فكانت افكاري اكبر بكثير من هذا المجال مع اني لا اتعيب من أي عمل شريف مهما كان فكان هذا القرار بداية المغامرة وبداية الطريق الصحيح وأول خطوة في عالم التجارة بطريقة غير مباشرة.
ما الدافع الداخلي الذي جعلك تشعر بالمسؤولية وعمرك 16 سنة، وترفض أن تطلب المساعدة من أقاربك؟ أو اصدقاء العائلة؟
التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، وكانت حكمتي في الحياة ان لكل مجتهد نصيبا، وصدقني ان قلت لك اني لم اشعر يوما باني عشت طفولتي مثل بقية الاطفال، بل كنت دائما أشعر باني رجل واعيش المسؤولية بكل معانيها ومعاناتها وهذا الشيء اجبرني على ألا أطلب المساعدة من أحد ولم أتكل يوما ما إلا على الله سبحانه وتعالى والحمد لله على كل حال.
كيف كانت طبيعة المجتمع في تلك الفترة؟
كان مجتمعا متماسكا بكل معنى الكلمة، لا تستطيع أن تفرق بين الجار والأخ، فالكل متكاتف ومتعاون وكانت صفة التسامح والايثار سائدة أكثر، وهذا الشيء كان واضحا وملموسا عند الجميع وهذا كان من أهم دعائم النجاح في ذاك الوقت.
متى فكرت جديا في العمل بالتجارة؟
كانت بداية العمل بالتجارة أنا واخوتي في أواخر عام 1950 بالكويت برأسمال ضئيل جدا تم توفيره من احتياجاتنا اليومية، لكن رأسمالنا الحقيقي الداعم لهذا النجاح كان التكاتف والتلاحم معا حتى اصبحنا كنفس واحدة.
هل كنت توفر من اجل اهلك فقط ام انك كنت ترغب حقا في الدخول الى عالم التجارة؟ وما الذي جعلك تفكر في انك قادر على ذلك؟ هل احسست بالخوف او بالشك في قدرتك؟
لا شك انه في البداية كان شغلي الشاغل وهمي الوحيد هو اعالة الاهل وكان ايضا تفكيري وحلمي ينصب على اني سأكون يوما ما تاجرا ناجحا ولم أشك يوما في قدرتي او انتابني أي خوف، لأنه كان امام عيني هدف واحد لا يفارق مخيلتي اريد الوصول اليه، ومن سار على الدرب وصل، وأول استعانة من شخص كان السيد عبدالله الفهد فأعطيته 100 دينار مساهمة مني للمتاجرة معه.
ما الذي شجعك على ان تعطي عبدالله الفهد الـ 100 دينار التي وفرتها، ألم تفكر في انه قد يخسرها؟
سمعة عبدالله الفهد الطيبة ومعرفتي له شخصيا السبب الاساسي الذي شجعني على ان اغامر لان من اساس التاجر الناجح هو المغامرة، وان خسرت فلن تكون النهاية بل ستكون البداية ولكن بقوة اكثر والحمد لله نجحت في هذا القرار ووفقني الله.
عندما عدت الى الكويت، لماذا قطع الغيار؟ مع ان مجال عملك كان مختلفا تماما ألم تفكر في اختيار مجال تحبه؟ يعني اختيارك لقطع الغيار لان اخاك يعرف بها؟ ام علمت انها جيدة في السوق وكيف عرفت ذلك ولم تكن متواجدا في الكويت لفترة؟
بفضل من الله عز وجل وفقني الله بسعة الأفق وبصيرة مستقبلية وأحسست ان الكويت متجهة الى التطور وان مجال عالم السيارات سيتوسع فأدركت ان سوق ومجال قطع الغيار سيكون له شأن فتوكلت على الله وباشرت العمل في هذا المجال والحمدلله كان اختيارا موفقا.
هل وصلت بعد السنوات هذه للمتاجرة في شيء تحبه؟ في مجال تعشقه؟
الحمد لله على كل حال لكن الطموح ليس له حدود فما دمنا على قيد الحياة امامنا آمال وتوسعات كثيرة لان الجد والاجتهاد لا يقفان عند نقطة معينة، ومازلت اطمح لعمل شيء لم يسبقني له احد، فأنا عشقي الوحيد استحداث المشاريع والخوض في غمار التحديات.
عندما تركت الدراسة كان ذلك من اجل الظروف، هل فكرت هنا ان تصبح رجل اعمال؟ هل اتت الصورة في مخيلتك؟ ام كنت تفكر في كيف تعيش فقط؟
عندما تركت الدراسة مجبرا على ذلك لاجل توفير لقمة العيش كانت امامي آمال كبيرة ان اعوض هذه الخسارة، لان العلم نور، فكنت اتخيل نفسي يوما ما ذا شأن وكنت دائما اتخيل هذا الذي انا فيه الآن، والحمد لله وفقني الله واعطاني كل ما اتمناه لا بل اكثر مما كنت اطمح اليه.
الى اي مدى وصلت الصورة الذهنية، الخيال لديك؟ هل كنت تتخيل انك ستصبح رجل اعمال ناجحا؟ هل كنت ترغب في ذلك من اجل الملايين ام من اجل تحقيق ذاتك؟ (خاصة بعد ان تحسنت ظروف الاهل).
الصورة الذهنية في مخيلتي كانت دائما تلح عليّ ان اكون رجل اعمال ناجحا، ولاشك ان الفلوس هي وسيلة كبيرة لتحقيق الذات وكل ما يرغب فيه الانسان في حياة وعيشة كريمة، فالفلوس هي القوة وخاصة اذا كانت بالحلال.
هل كانت لديك كلمات او عبارات ترددها مع نفسك عندما يكون لديك عمل او مهمة صعبة يجب ان تقوم بها؟ او عندما تواجه مشاكل ومصاعب؟
كما ذكرت سابقا لكل مجتهد نصيب ومن توكل على الله فهو حسبه، من اراد اكل العسل لا يعيش في كسل، ان كل مشكلة واجهتني كنت اتعلم منها وازداد خبرة واصبح اكثر قوة وصلابة.
هل بالإمكان أن تذكر لنا المشاكل والمصاعب التي واجهتك؟ فالسيرة الذاتية في غالبيتها ناقشت البداية فقط، ماذا بعد ان كبرت شركة الغنام بالتأكيد كبرت المصاعب والمشاكل؟
المشاكل التي واجهتني في الحياة كثيرة ومن الصعب توضيحها، لأنه من عادتي ان احاول قدر الامكان ان انسى اي مشكلة قد تحصل، وكنت احاول دائما ان أكتسب خبرة منها، لكن المشكلة الاصعب والتي لن انساها ابدا والتي كانت من احلك المشاكل والصعاب التي مرت في حياتي هي مشكلة الغزو العراقي الغاشم على دولتنا الحبيبة الكويت وبسبب الغزو خسرنا الكثير من المال والبضائع حيث اخذوها منا عنوة وبالقوة ومن دون وجه حق، كذلك ما تعرضت له من خطر على حياتي من تهديدات وتوقيف من قبل ازلام صدام، ولكن شاءت ارادة الله وانقذتني من هذه المحنة التي لن انساها والمفروض ان يتذكرها جميع الاجيال ونفتخر بتحرير ارضنا ودولتنا من هذه المحنة وقد اثبت التاريخ مدى صلابة تلاحم الشعب الكويتي، وهنا تخطر على بالي مقولة «جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي».
وأحب ان اوضح ان تواجدي في الكويت اثناء الاحتلال العراقي الغاشم هو واجب وطني للتضحية من اجل الوطن مثلما ضحى الكثير من المواطنين كما لن أنسى ما قام به الشباب اثناء الاحتلال لقد قاموا بجميع ما يحتاجه الوطن والمواطن واثبتوا هذا عن جدارة ونجحوا في امتحان حب الوطن، وأؤكد ان كل مواطن قد تضرر سواء من كان داخل الكويت او خارجها ولكن لم يهمهم اي ضرر وكان همهم وشغلهم الشاغل عودة الوطن وشرعيته والحمد لله على ما انعم علينا به من نعمة التحرير.
وكما قال سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد يرحمه الله في 28/3/1992:
لقد كانت الكويت حصن الذين بقوا داخلها لا يبالون بالأخطار المحدقة بهم ولاء لهذه الأرض وعشقا لترابها وإيمانا بعدالة قضيتها، وكانت الكويت امل الذين كانوا خارجها، فواصلوا سعيهم لجميع القوى حول حقها، ولولا هذان الجناحان لكان الحال غير الحال.
هل وصلت لمرحلة وودت لو تقول «كفى» ورغبت ان تترك العمل من المشاكل والتحديات؟
المشاكل والتحديات اصبحت كالخبز اليومي لي ولا اقدر ان اتخلى عنها، ولكن بدأت افسح المجال للأولاد حتى يكملوا المسيرة بعدي وبطريقة علمية وحديثة.
لماذا استمررت في جعل الشركة أكبر وأكبر؟ وما هو الدافع؟ ألم تكف شركة قطع الغيار؟
التاجر الناجح لا يضع البيض كله في سلة واحدة بل عليه ان يطرق جميع الأبواب مادامت التجارة بالحلال والطرق الشرعية والسليمة.
هل ترى وتشعر بأنك شخص ناجح؟ ما تعريفك للنجاح؟
من تواضع لله رفعه مازلت اشعر بأنني مبتدئ في عالم التجارة والأعمال، فهذا العالم بحر كبير ليس له حدود ولا قعر.
هل تشعر بأنك اديت رسالتك في الحياة؟ وانك تعيش حلمك؟
الحمد لله لقد اديت كل ما بوسعي واشعر براحة كبيرة متناغمة مع نفسي ولكن مازلت افكر واطمح للمزيد من النجاحات ومازالت احلامي هذه تراودني.
ما عوامل النجاح في التجارة؟ ماذا تقول لمن يرغب في ان يدخل عالم التجارة؟ بماذا توصيه؟ اذكر لنا أقوى وأهم الوصايا التي ترغب حقا في إيصالها وودت لو ان أحدا أخبرك إياها، أرجو ان تسهب في الإجابة قدر الإمكان.
أقول له ان هذا العالم مليء بالتحديات والصعاب، فكما قال المثل: الذي يريد الورد عليه ان يتحمل الشوك، والذي يريد العسل عليه ان يتحمل لسعة النحل، فما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، أوصيه بالصدق والأمانة والسمعة الطيبة لأن رأسمال التاجر السمعة والثقة قبل الفلوس، وأوصيه بالابتكار والإبداع وعدم تقليد الآخرين، فعالم التجارة بحره واسع ومطلوب من الذي يريد الغوص فيه ان يكون صاحب نفس طويل، فإذا وقع يوما عليه ان يقف بصلابة ولا ينظر إلى الوراء، بل عليه دائما ان ينظر الى الأمام بمنظور وردي بعيد عن التشاؤم والحسد.
في رحلتك، ما المخاوف التي كنت تمر بها؟ بالتأكيد الآن مع الخبرة الرائعة، ولله الحمد، تتلاشى المخاوف، لكن في السابق ماذا كنت تقول لنفسك؟ وهل منعك الخوف في السابق من الإقدام على شيء أو تأخيره؟
الحمد لله لم تكن عندي مخاوف بالمعنى الحقيقي، لكن كان تنتابني بعض هواجس الخوف من الفشل، هذا في السابق، وأيضا مازالت بعض هذه الهواجس تنتابني في بعض الأحيان، كلما أقدمت على مشروع جديد، ولكن بطريقة أخف بكثير مما كانت البدايات فلا تنس ان الخبرة لها دور في حياة التاجر.
رسالتك إلى أبنائك.
رسالتي الى الأبناء هي التأني وعدم الاستعجال في اتخاذ أي قرار مهما كان حجمه أو صفته، وأوصيهم بالتواضع، فالتواضع صفة من صفات النجاح، وأوصيهم أيضا بإكمال المسيرة على خطى ثابتة وواضحة واستغلال التكنولوجيا الحديثة المتوافرة في هذا الزمن شرط ان تخدم المصالح التجارية وتطورها.
رسالتك إلى الشباب.
أوصيهم بتقوى الله والالتزام بدينهم، فالشاب المؤمن خير من ألف، وأوصيهم بالاتجاه الى الدراسة والعلم، فالعلم ليس له حدود والعلم نور والجهل ظلام، كذلك أطلب منهم ألا يستحوا من أي عمل مهما كان مادام عملا شريفا ويحصل منه على فلوس حلال، فلا يبحث عن المناصب، وعليه الاجتهاد والمنصب سيأتي إليه.
كيف تجد مستقبل الكويت التجاري؟
الكويت ولله الحمد كانت منذ القدم مركزا تجاريا له وزنه وأرى المستقبل التجاري بالكويت جيد وسيكون له صدى عالمي في المستقبل القريب، لكن المطلوب منا كما ذكرت سابقا الإبداع والابتكار وعدم التقليد، فلله الحمد عندنا في هذا الوطن جميع المقومات الإيجابية لكي نكون مركزا تجاريا له وزنه وسمعته في الوطن العربي والعالم والبركة في الشباب الكويتي الذي أثبت في وقت المحن ان معدنه طيب ويعتمد عليه في الصعاب والأزمات.
الكويت اولاً
خلال اللقاء اكد العم عبدالعزيز الغنام على ان الكويت بلد طالما اعطانا الكثير ومن واجبنا ان نحافط على امنه واستقراره في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه الله ورعاه.
الحكمة
قد يكون العم عبدالعزيز الغنام علما بارزا في سماء الاقتصاد والتجارة لكنه أيضاً نجمة تضيء في سماء الحكمة وحسن الرأي لكثرة التجارب التي خاضها في حياته.
ديوان الغنام
من الاشياء التي تميز بها العم عبدالعزيز الغنام حرصه على التواصل الاجتماعي مع كافة اطياف المجتمع الكويتي وبهذا اصبحت ديوانية الغنام نموذجا للتواصل في صورة تجسد ترابط المجتمع الكويتي.