أي قائد يسعى لتحقيق النجاح عليه أن يحرص على كسب ولاء العاملين معه وفتح أبوابه للجميع دون تكبّر أو ملل
أعتز بتجربتي في قيادة الإدارة العامة للدوريات وفيها طبقت خلاصة ما تعلمته في وزارة الداخلية
الرشيد: تكاتف القطاعين العام والخاص يعزز المسيرة التنموية ويدعم الإستراتيجيات الاقتصادية
لعبت كرة القدم مع الفريق الاول لنادي الصليبخات لكن الاصابة حرمتني من الاستمرار
مثابر لا يعرف اليأس، شجاع لا يتأخر في اتخاذ القرار، بدأ رحلته من داخل أسوار كلية الشرطة، تلك الكلية التي يعتبرها مصنعا للرجال بعد أن كانت رغبته بعد الثانوية العامة تنحصر بين ثلاثة اختيارات هي: دراسة الاقتصاد أو دراسة الترجمة الفورية في الصين أو الترجمة الفورية في فرنسا، لكن هذه الخيارات الثلاثة ذهبت في مهب الريح ليختار الدخول إلى مصنع الرجال، ومع هذا القرار انتهت حياة الترف وتلاشت أيام اللهو، وهل في العسكرية إلا الجد والمثابرة؟ انتهت سنوات الالتحاق بالنادي الرياضي بعد أن أمضى مشوارا في الرياضة وانتهت أحلام السفر للدراسة في الخارج التي كانت متاحة في تلك الفترة لتبدأ الرحلة العسكرية والانضباط. 30 عاما أمضاها ضيفنا اللواء المتقاعد سعود الحسيني في وزارة الداخلية، تنقل خلالها بين العديد من الإدارات متقلدا العديد من الرتب وحاصلا على الكثير من الترقيات، ولم يسع يوما لغير النجاح في كل مهمة يتولاها، فكان ضابطا متميزا يحرص أن يتعلم كلما أتيحت له الفرصة وكان يبذل قصارى جهده حتى يكون له دور بارز في المجتمع، كما كان يبذل كل ما بوسعه في تجاربه الوظيفية المختلفة في فريق الطوارئ والقوات الخاصة وأمن المنشآت والإدارة العامة للعمليات وحتى في أصعب الظروف عندما تعرضت الكويت للغزو الغاشم لم يتوقف نشاط هذا الرجل الذي واصل المقاومة بكل شجاعة وثبات، وكان أحد العاملين في توزيع المساعدات الإنسانية وبنفس الروح واصل المشوار حتى المحطة الأخيرة في الإدارة العامة للدوريات عندما قرر أن ينهي رحلة الثلاثين عاما بالتقاعد. اللواء سعود الحسيني في هذا اللقاء يروي لنا تفاصيل من محطات حياته العسكرية فإلى التفاصيل:
في البداية دعنا نتعرف على طفولتك؟
طفولتي كانت في منطقة السالمية التي هي مسقط رأسي ثم بعد ذلك انتقلنا إلى أن سكنا في المباركية بالقرب من أم صدة، وفيها قضيت أجمل أيامي لأنها فعلا كانت فترة متميزة، وكنت في هذه المرحلة أحب شخصية القائد وأحب أن أتقمصها خلال ممارساتي اليومية مع الأصدقاء في اللعب والبرامج والأنشطة وكنت اجتماعيا منذ صغري وكان من بين أصدقائي طالب اسمه عبدالغني الذي كان الأول على الصف وعندما تفوقت عليه يوما من الأيام أخذ يبكي ثم انتقلت إلى منطقة الصليبيخات وفيها ذكريات وتجارب لأنها مرحلة النضج الفكري والثقافي.
هل تذكر المواد التي كانت تستهويك في دراستك؟
في الحقيقة من المواد التي كانت تستهويني مادة اللغة الفرنسية، والسبب تأثري بمعلم المادة الأستاذ جاسم الركابي الذي كان نعم المعلم، حيث الإخلاص والتفاني في العمل وكنت أحرص على أن اتعلم اللغة الفرنسية بشكل كبير حتى تخرجت من الثانوية العامة لأكون الأول في مادة الفرنسي فقد حصلت على الدرجة النهائية فيها، وهنا تظهر أهمية أن يكون الإنسان قائدا حتى يؤثر في شخصية الآخرين فتجربتي مع هذا المعلم علمتني الكثير والحقيقة استطعت النجاح والتفوق في دراستي لأنني أدركت أن قيمة الإنسان الحقيقية لا تكمن إلا في العلم.
وما أكثر الأنشطة التي كنت تحرص على ممارستها؟
من الأنشطة التي مارستها النشاط الرياضي في كرة القدم، فبعد تجربة اللعب في الحواري والفرجان جاءت تجربة الالتحاق بنادي الصليبيخات الرياضي الذي كان حديث التأسيس وتدرجت في الفرق إلى أن وصلت للمشاركة مع الفريق الأول لكن إصابتي اعترضت طريقي فأقعدتني عن الرياضة، وعلى الرغم من أن كرة القدم كانت تستهويني فقد منعت من المشاركة وبقيت عاما كاملا مع (الجبس) ولم أستطع تحقيق حلمي بأن أكون لاعب كرة قدم.
تغير الاتجاه
وأين اتجهت بعد التخرج من الثانوية العامة؟
بعد التخرج من الثانوية العامة تقدمت إلى جامعة الكويت وتم قبولي في الاقتصاد وأيضا تم قبولي لدراسة الترجمة الفورية في الصين وكذلك الترجمة الفورية في فرنسا خصوصا أنني كنت أحب تعلم اللغة الفرنسية باعتبار أن اللغة تفتح للإنسان آفاقا واسعة للاطلاع، لكنني قررت الالتحاق بالكلية العسكرية بعد نقاش طويل مع بعض الأصدقاء ومنهم سناح العازمي وسعدون الشريدة ومحمد الحفر وحبيب سلمان.
وكيف وجدت كلية الشرطة وأنت تضع أولى خطواتك فيها؟
في الحقيقة وجدت كلية الشرطة مصنعا للرجال تماما كما كنت أقرأ وأسمع عن الكلية من حيث الحزم والعمل الجاد واحترام المهنة وتأدية جميع الواجبات على أكمل وجه دون الخلود إلى الدعة والراحة، وكان الفريق المتقاعد عبدالحميد الحجي مدير عام الكلية ونعم الرجل عبد الحميد وقد استفدت من التحاقي بكلية الشرطة تعلم الصبر والجلد والمثابرة وهذه الأشياء الثلاثة من العوامل التي تؤهل الإنسان للنجاح.
هل من مواقف حدثت لك أثناء وجودك في الكلية؟
من المواقف التي لا تنسى بعد فترة 45 يوما من التحاقي بكلية الشرطة خرجت مع أحد أصدقائي وفي الطريق عندما وصلنا إلى منطقة الصليبخات ورأيت البيوت والشوارع ظننت أنه تمت توسعة الشوارع، لأنني كنت تعودت على العنبر الصغير ولم أر خلال الـ 45 يوما غير ذلك، فكان موقفا لا ينسى، والموقف الثاني عندما تخرجت في الكلية وعانقت والدي رحمه الله فتساقطت دموعي وأنا أرى الفرحة في وجهه.
تجربة أولى
وماذا عن أول تجربة عمل بعد التخرج كيف كانت تفاصيلها؟
أول تجربة عمل لي في السلك العسكري كانت في مخفر الدسمة، حيث عينت ضابطا في المخفر وكان هناك زملاء متميزون في العمل مثل العميد المتقاعد غازي القطان والعميد المتقاعد غازي الصالح والأخ المحقق محمد الخبيزي وقد تعلمت منهم الكثير، حيث كنت أحرص على أن أتعلم من الجميع سواء كان ضابطا أو كان فردا، وقد تتلمذت على يد الوالد محمد مجيد الدوسري الذي كان رئيس عرفاء لكنه علمني الكثير فكنت أجد منه التوجيه الصحيح ولهذا أقول إن من النجاح أن يتعلم الإنسان من الجميع وألا يتعالى على الآخرين لأنه إذا اغتر وتعالى فلن يتعلم وسيبقى جاهلا في الدائرة نفسها.
من خلال تجربتك كيف وجدت العمل في المخفر خلال تلك الفترة؟
بعد عامين من العمل رقيت لأصبح ملازما أول، والحقيقة في تلك الفترة كان للمخفر دوره في المجتمع وكان لا يمكن أن تسجل قضية أو يحال أحد إلى المخفر إلا في أصعب الحالات، فكنا نحل قضايا ومشاكل كبيرة تحصل بعد الجلوس مع الطرفين لأوقات طويلة وكنا نعتبر وجود 5 جنايات في العام الواحد مؤشرا على أن المخفر فيه مشاكل، أما العاملون في المخفر فكانوا موجودين باستمرار فيه وكانت الكلمة تؤثر في الواحد منهم وهذا ما نحتاجه اليوم في المخافر حتى يكون لها دور أكثر بروزا في المجتمع لأنه من المؤلم ما نسمعه من ارتفاع عدد القضايا التي تحصل الآن لأتفه الأسباب ودون مبرر وأعتقد أن ضابط المخفر الناجح هو الذي يستطيع أن يحل المشاكل دون أن تقيد في دفتر الأحوال.
قوة الطوارئ
بعد تجربتك الأولى ما الذي قررته؟
بعد التجربة الأولى قررت الانتقال باقتراح من الأخ والصديق شافي السالمي للعمل في القوات الخاصة والتي كانت تسمى بقوة الطوارئ، وفي البداية لم أكن مقتنعا لكن حوارا مع الرائد بدر أحمد المرزوق، رحمة الله عليه، أقنعني بالالتحاق في قوة الطوارئ وبالفعل انتقلت من تجربة المخفر إلى تجربة قوة الطوارئ، حيث بدأت آمر فصيل ثم آمر سرية وبعدها آمر كتيبة مكافحة الشغب برتبة نقيب وتوقفت هذه التجربة أثناء فترة الغزو الغاشم على الكويت، والتي لا يخفى على أحد تداعياتها وكان النجاح الأكبر أن نحافظ على هذا الوطن الذي أنعم الله علينا به.
حدثني عن دورك في فترة الغزو الغاشم؟
لا أخفي عليك أنني أتشرف وأفتخر بأن كنت أول قائد مجموعة مقاومة أعلنت في الكويت وهي مجموعة الشهيد فهد الأحمد بعد أن استشهد أمامنا وأمام قوات الطوارئ التي كانت في القصر وبعد أن عدنا يوم الجمعة أعد المقدم عبدالعزيز العريفان والعقيد فلاح ملفي المطيري منشورا يهاجم قوات الغزو الغاشم وعندما عرضوا علي هذا المنشور اقترحت وضع علم الكويت عليه وبدأنا توزيع المنشورات، وكانت أيضا مهمة أخرى لا تقل صعوبة وهي مهمة توزيع الأسلحة الموجودة عندنا ونجحنا في هذه المهمة إلى أن وقعنا في الأسر، ورغم أن تجربة الأسر كانت مريرة إلا أنها علمتنا أن الكويتيين كلهم على قلب واحد في الشدائد وما إن خرجنا من الأسر حتى بدأنا في المقاومة بشكل جماعي ومنظم مع العديد من أبناء الكويت ورجالاتها المخلصين فكنت بين المقاومة وتوزيع المساعدات على الأسر وكنت أجد في هذا العمل متعة لا نظير لها لأن العمل من اجل الوطن هو الإنجاز الحقيقي.
وماذا عن دورك في عملية البناء بعد أن تحررت الكويت؟
بعد التحرير شاركت في إعادة البناء والإعمار في القوات الخاصة والتي وجدت دعما غير محدود من الحكومة آنذاك لتجهيزها بالشكل المناسب، فكان هناك ضباط في الخارج يقومون بشراء الأسلحة والمعدات وتم تجهيز القوات لتكون عالية الكفاءة وبشكل سريع للسيطرة على حالة الفوضى من خلال تطبيق القانون، وفي وقت قياسي استطعنا أن نعيد عملية البناء والإعمار في القوات الخاصة، والنجاح في هذه المهمة كان بفضل الله أولا ثم تضافر الجهود ودعم القيادة السياسية والعمل الجاد من قبل الاخوان جميعا ولأننا أدركنا أن الوطن يستحق الكثير.
احتكاك وخبرات
بعد المشاركة في عملية البناء أين عينت؟
بعد ذلك تم تعييني مساعد مدير لإدارة الشغب والتي تعنى بشكل كبير بحفظ الأمن في الشوارع والأسواق والمباريات والمؤتمرات وجميع الأماكن في عموم الكويت واستمررت فيها 3 سنوات إلى أن أصبحت مدير عام إدارة الشغب وقد استفدت بشكل كبير من خلال الاحتكاك مع الفريق المتقاعد مساعد الغوينم وكذلك العميد المتقاعد جوهر مسعود عندما كنت مساعدا لهما، ولا شك أن الاستفادة من أصحاب الخبرات والكفاءات من أهم عناصر تحقيق النجاح.
بعد تجربتك مع القوات الخاصة كيف واصلت الرحلة؟
بعد تجربة القوات الخاصة تمت ترقيتي لأكون مساعد المدير العام للإدارة العامة لأمن المنشآت ثم صرت مديرا عاما بالوكالة وبعد ذلك انتقلت الى الإدارة العامة المركزية للعمليات مساعدا للفريق المتقاعد يوسف المضاحكة الذي كان مرجعا لكل أمور وتفاصيل العمليات ثم بعد ذلك أصبحت مديرا عاما للإدارة العامة للعمليات، وكانت تجربة رائعة فيها استشعار لحجم المسؤولية والحرص على متابعة أدق التفاصيل في العمل لأن الخطأ الصغير قد يكون سببا لحدوث خلل كبير، وقد كانت الخطة واضحة والآلية موجودة لذا نجحت في مهمتي دون صعوبة.
ثقة غالية
الإدارة العامة للدوريات هي المحطة الأخيرة حدثني عن تلك المحطة كيف كانت؟
فيما يخص العمل في الإدارة العامة للدوريات التي كانت المحطة الأخيرة في رحلتي مع وزارة الداخلية، والتي لم أكن أتمنى أن تنتهي لولا أنها سنة الحياة فالإنسان وإن طالت رحلته لابد أن يتوقف في إحدى المحطات ليرى نفسه ويفسح المجال لغيره، والحقيقة عندما أتكلم عن الإدارة العامة للدوريات أتكلم عن تجربة أعتز بها كثيرا، لأنها جاءت بموافقة من وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد وبطرح من جانب الأخ وكيل وزارة الداخلية الفريق أحمد الرجيب مما جعلني أضاعف جهودي في العمل لأنها ثقة غالية، وفي الإدارة العامة للدوريات طبقت خلاصة ما تعلمته في وزارة الداخلية، فالقائد الناجح هو من يستمع إلى الآخرين دون ملل وهو من يفتح أبوابه دون تكبر والقائد الناجح هو من يكون على أتم الاستعداد لحل المشاكل إن وجدت وأن يستطيع أن يكسب ولاء العاملين معه لأن الجميع في مركب واحد.
خلال مشوارك الوظيفي حصلت على سلسلة من الترقيات كيف جاءت الترقيات وما نصيحتك للمستجدين في الكليات العسكرية؟
هذه الترقيات لم تأت إلا بعد أعوام طويلة وجهد كبير، لأننا كنا نعرف أن الوصول لا يكون إلا عن طريق العمل والجهد، ومن خلال التجربة أقول لأبنائي المستجدين في وزارة الداخلية من يعمل بإخلاص سيجد ثمرة عمله ومن يحرص على التفاني في عمله سيصل لما يريد، لكن لا يجب أن يكون الهدف من العمل هو فقط الحصول على المناصب والرتب لأنها مهما ارتفعت مصيرها أن تزول، وتبقى سمعة الإنسان وأخلاقه في التعامل هي الغاية التي يجب أن يسعى لها كل متميز.
قرار التقاعد كيف كان وكيف تجد نفسك الآن؟
قرار التقاعد بطبيعة الحال لم يكن سهلا، إلا أنها وكما أخبرتك سنة الحياة، وأما الآن فقد جاءني عرضان من القطاع الخاص وبرواتب وامتيازات مغرية إلا أنني أفضل أن يكون الوقت لمتابعة الأعمال الخاصة التي تحتاج إلى متابعة مستمرة وكذلك أحرص على الوجود مع الأهل والأسرة بعد الثلاثين عاما التي أمضيتها في الخدمة العسكرية والتي كنت خلالها بعيدا عن الأهل نسبيا.
شكر وتقدير
أثناء اللقاء توقف ضيفنا اللواء المتقاعد سعود الحسيني متذكرا تلك الأيام التي قضاها في وزارة الداخلية قائلا: أنا لن أنسى التقدير الذي حصلت عليه من قبل قيادات الداخلية متعاقبة وبالأخص من الوزير الشيخ جابر الخالد والفريق أحمد الرجيب واللواء خليل الشمالي واللواء مصطفى الزعابي والفريق غازي العمر، لافتا إلى أن التقدير الذي كان يحظى به من القيادات كان دافعا لبذل المزيد من الجهد.
صديق صدوق
أثناء اللقاء تطرق اللواء المتقاعد سعود الحسيني إلى العلاقة التي تربطه مع اللواء المتقاعد شافي السالمي قائلا: إن هذا الرجل هو صديق رحلتي ورفيق دربي وبيني وبينه العديد من المواقف والذكريات التي تؤكد على أن هذا الرجل هو الصديق الصدوق.