الشاعر نايف صقر من أكثر الشعراء الذين وظفوا البيئة في شعرهم، ومن أكثرهم معجما نباتيا، فقد وظف مؤثثات الطبيعة والحقل الدلالي النباتي في التعبير عن الكثير من الحالات الشعورية الإنسانية، ومنها توظيفه للنبات الظامي والشاكي من الجفاف، للتعبير عن معاناته من الجفاف العاطفي بحكم قسوة البيئة الاجتماعية مثلما قست الطبيعة على هذه النباتات التي حُرمت الماء فماتت تدريجيا مثلما يموت المحروم عاطفيا.
فنجده يمتح من هذا المعجم الصحراوي الجاف الذي يمثل الجفاف كما يشعر به الشاعر، فنظر في الثمام، والهضيد، والتيه التي هي المكان الحاضن للعطش المميت مع رافد الضياع.
وفي هذه البيئة الصحراوية المهلكة التي تعمق الشعور بالمعاناة، وتدعو للشفقة على هذا الظامئ، وجدت الشاعر قد صنع لنا جوا يوهم بالعطش (في قصيدة قليب العيطلية، أو كما وسمها) وإن كان فيه ما يناقض الجو الذي كان يريد الشاعر صنعه لنشاركه معاناته.
فقال في هذه المقطوعة الجميلة والتي لم يشبها من وجهة نظري إلا ورود ما يناقض المعطشة التي كان الشاعر يريد منا أن نتخيلها لنحس بقمة المعاناة لمن هو فيها - الشاعر الظمآن - ذلك الذي وضعه القدر بين العطش والوقوع في البيئة التي ستقضي على هذا الظامئ لأنها تستدرجه للموت الذي يراه في كل ما يحيط به.
يقول في هذا الشاهد:
والظما بين على روحه وبين في المطية
والمدى مافيه غير التيه ورقاب النوامي
ففي البيت السابق يجسد الشاعر تأثير الظمأ الذي بدا فيمن هو أشد من الإنسان وهي الراحلة، إذ يُغرق الشاعر في تعميق الموت عطشا وجعله حقيقة ماثلة في الإنسان وراحلته وفي البيد أو التيه - كما عبر الشاعر- التي لا أثر فيها لمزون الوسامي، ولا أمل للحياة لأن كل مؤثثاتها تدعم الموت وتقطع أمل الحياة في المدى المحيط الذي قد يبعث في الظامي ما يطرد حقيقة الموت المحتم عطشا بالتيه، وهذا ما يجعل الموت متربصا في المدى ولا يمكن الهروب منه، بل أن الشاعر يسير براحلته ليلاقيه مصيرا.
لكن المفردة المركبة (أرقاب النوامي) كما أرى وبعد أن سألت قبل الذهاب لهذا الرأي دخيلة على هذا الجو الجاف القاتل بالعطش، ذلك أن المفقود هو الماء الذي هو الحياة، وبالتالي أرقاب النوامي لا يمكن أن توجد في مثل هذا الجو فما دامت النوامي موجودة فالماء موجود لم يجف من الأرض بعد.
وإن قيل أن أرقاب النوامي المقصود فيها اليباس وانها قد جفت لدرجة أنها غدت أرقابا لا ورق فيها فهذا لا يتسق أيضا، لأن البيئة (التيه) مكشوفة للرياح والسوافي وبالتالي ما يبس منها خاصة عند وصفه بالنوامي (النباتات غير المعمرة، وعادة الموسمية الصغيرة) سيغدو هشيما تذروه الرياح أي لا يمكنه الصمود ليبقى باديا للعيان في هذه البيئة المهلكة، بل ستواريه السوافي وتنام عليه.
وإن قيل أن أرقاب النوامي قد نراها في البيئة، فلا يمكن رؤيتها إلا بعد الربيع أومطر الصيف قبل أن يحل ما يسمى بصرام العود.
وإن قيل أن النوامي هو كل ما ينمو حتى الأشجار فأعتقد أن الأشجار المعمرة وما في حكمها لا تسمى نوامي.لأن لها تسمية تتناسب وعمرها ووجودها في الطبيعة.
وإذا قيل أن المقصود في (أرقاب النوامي) الصيد كما ذهب البعض ممن سألتهم وهو تفسير لا أراه، فإن التيه تطرد الظباء (الصيد) لأنها بيئة غير مناسبة للحياة، فهي تقضي على الرواحل (سفن الصحارى) فكيف بما هو أقل احتمالا منها.
صفحة الواحة في ملف ( pdf )