ذعار الرشيدي
اعتدنا في العالم العربي انه عندما ينجح شخص اما ان نهاجمه -لله في الله- او ان نحسده و«نسر في قلبنا» ولسان حالنا يقول «اشمعنا هو اللي نجح؟»، هذا هو التفكير العربي الاصيل المتأصل، لم نتعود ان نشكر المبدع، ولم نتعود ابدا على ان نستوقف فنانا ادى دورا عظيما ونقول له «يعطيك العافية لقد ابدعت في دورك الفلاني» بل اننا نمر بجانبه ونحن ننظر له -من تحت لفوق- قائلين «ياه شايف حاله على شنو»، هذا جزء مهم من التفكير العربي.
وشاعر المليون نجاح ما بعده نجاح، ولا ننكر حتى وعلى الرغم من كوننا رعاة اعلاميين انه لا توجد اخطاء ولكن اخطاء الجزء الاول تم تلافيها في الجزء الثاني واخطاء الجزء الثاني حتما سيتم تلافيها بالجزء الثالث وهكذا، ولكن المستغرب في الهجوم على شاعر المليون من قبل بعض شعراء وكتاب وصحافيي الساحة الشعبية هو انهم لا يوجهون سهام نقدهم او انتقادهم بالاصح الى البرنامج كعمل متكامل بل يوجهون سهامهم الى الاشخاص ويحددونهم، ومنتجة البرنامج المنفذة الاعلامية نشوى الرويني قيل فيها ما قيل حتى انها صورت وكأنها المسؤولة الاولى والاخيرة عن السقوط المروع المدوي لاسس المشهد الثقافي في الوطن العربي ومن بين الاستفسارات التي نالتها تحت بند بلاغة شف هو «ايش فهم نشوى بالشعر النبطي».
هنا لسنا بصدد الدفاع عن نشوى الرويني قدر ما نحن بصدد الدفاع عن المنطق الخالص في النظر الى الاشياء المجردة.
نعم قد لا تفهم نشوى في الشعر النبطي الكثير ولكنها تفهم في صناعة الاعلام الشيء الكثير، وبشهادة مجلة فوربس الاميركية صنفت من بين اقوى 50 سيدة اعمال عربية وسجلت في المركز العشرين من منطلق انها تدير شركة بيراميديا التي تنتج برنامج شاعر المليون بعد ان تعاقدت مع هيئة ابوظبي للثقافة والفنون والتراث لتخرج فكرة الرائد محمد بن زايد آل نهيان الى النور بشكلها التي نعرفها اليوم باسم شاعر المليون الذي حقق عدد مشاهدين بلغ اكثر من 23 مليون مشاهد في الحلقة الاخيرة من النسخة السابقة له.
هذا ما نسميه نجاح في فن الاعلام، وهذا ما يعرف بفن صناعة الاعلام انه نجاح ساحق، ولكن في الساحة الشعبية التي لاتزال يتعامل معظم افرادها بنظام «صح لسانك وصح بدنك» يعتبر الامر مشكوكا فيه.
قدمت نجاحا غير مسبوق في نقل الشعر الشعبي بطريقة اعلامية باهرة مبهرة، نعم انتقدوها ولكن قبل هذا قولوا لها «شكرا» ثم قولوا ما شئتم.
المشكلة الرئيسية في التفكيــر العربــي انــه لايـــزال اسيرا لعقلية سوق عكاظ، تعال وألق قصيــدة ولابد ان نحبك ونحــب قصــيدتــك حتــى ولو كانـت اســوأ مـن الروايــات الرخيصــة.
لم تفعل الرويني شيئا سوى انه سلطت ضوء الكشاف على بقعة من الشعر الشعبي وقالت «أكشن» ليخرج شاعر المليون من قمقم «صح لسانك» الى فضاءات عمت اعين 23 مليون مشاهد ولكن لم تجد من بعض كتاب الساحة سوى «ايش فهم نشوى بالشعر الشعبي»، هكذا جهد وبدلا من ان نشكر صاحبه نشكك فيه بكلام رخيص لا يسمن ولا يغني الا انه يؤلم.
لنتخيل شخصا جاء من المريخ وهبط في بقعة صحراوية على ارضنا ولا يفقه اي لغة ارضية وقام بحفر بئر تسقي سكان الصحراء ورحل، هل سنقول «ايش فهم المريخي بالآبار» هذا هو المنطق الاعوج الذي نرفضه.
فالمنطق السليم يجبرنا على ان نقول لبنت الرويني وببساطة «شكرا لك».
صفحة الواحة في ملف ( pdf )