وأنا أحسب ان الشعر صعب المواريد
مــــا هــو غـــدير ينضحه كـــل ورّاد
ويــوم امـتلا هالجو حشـو.. ومفـاريد
راعي الجمل معذور.. لو كسّر شداد
هكذا يصف «بدر بن عبدالمحسن» حالة الشعر، وحال التعامل معه، يدخل الى الظن المفترض بمهابة الشعر على انه «صعب المواريد»، وليس موردا لكل من ورد.
لكن هذا التميز بالندرة والاختزال لا يتوافر، فالفوضى انتشرت، واصبح كل يطلق صوته بعشوائية مفرطة، حتى امتلأ الفضاء ولم يعد للتميز من يسمعه في ظل هذا الضجيج. وليس امام الجمّال في هذا المجال الا ان يكسر شداده، ويتخلى عن راحلته.
صورة شعرية صادقة ومختصرة وراقية يرسمها «مهندس الكلمة» لما يحدث من شحوب في الشعر، مما نتج عنه ان اصحاب الكلمة المميزة ضاعت اصواتهم في الضجيج الكبير المسمى «ساحة الشعر» ولم يعد كل منهم قادرا على مسايرة ما يحدث.
وفي هذه الجولة، نستكشف الرأي في ساحة الشعر من وجهة نظر شعرية بحتة كتبها ابطال هذه الساحة، ولعل اهم ظاهرة تلفت الانتباه هي «الاتجار بالشعر»، اذ حوّله «تجار» دخلوا ساحته الى بضاعة تباع وتشترى، ونترك الامير عبدالرحمن بن مساعد يصف المشهد، فيقول:
قرّر التــاجر يكــون الشـــاعر الأول
افرحوا ياهل القصيد وجهّزوا الساحه
سهّلوا الاوزان لاجــل المبدع الافضل
بعــد ارهــاق العمل يحتاج لــه راحه
فــاضي هو يوزن؟ كلامه كامل كمّل
يكفي انه لاجلنا يكتب عن جراحه
ظاهرة الكل يعرفها. جريمة قتل سمع بها الجميع، لكن أحدا لم يكن من شهود عملية القتل، فتجارة الشعر تتم في مكان خفي، مظلم، الا ان رائحة الجريمة تفوح.
وبناء على هذه التهمة، دخل كثير من الابرياء «سجن المظاليم» خاصة من جانب الشاعرات، فهذا شاعر يصف التهمة:
يقولون والعهدة على ذمة الراوي
قصيد البنات اللي تشوفون عاريّه
بعضهن تفوّض عن قلمها قلم غاوي
لــه بكـل بـيت يكتـبه مـنه مـاريّه
وبعضهن يجي ما تكتبه غير متساوي
به من الغلط والعيب تسعين بالميّه
قبل ينشرونه تلمسه حــرفة الحاوي
يصير أطيب من الطيب وأصدق من النيّه
وبعضهن وراها سيد الصفحة العاوي
يلمّع عصايدها ويركض وراغيّه
وهي التهمة ذاتها التي ألصقت بالشاعرات، نتيجة عدم قدرتهن على الكتابة باسمائهن الصريحة، ابتعادا عن المشاكل والتهم. وهذه الشاعرة «فتاة الشارقة» تدافع عن نفسها وبنات جنسها:
نخفي الأســامي عن حسود وهذار
واهــــل الشـماتة والقـلوب العليــله
لو ما الشرف ما خفيت علوم واخبار
والنــار تحرق لـي وطاها بـــ ريله
كل يعبّر عن شعوره بالاشعار
وكل يخفي علته بالوسيله
وفيما يخص المتاجرة بالشعر، انتشرت في الآونة الاخيرة تصريحات لشعراء معروفين يقولون انهم مستعدون لبيع اشعارهم، وان لديهم قصائد فائضة يمكن الاستغناء عنها لمن يشتري، وتأتي هذه التصريحات من قبيل الاستهزاء احيانا، او من جانب حقيقي يقصده الشاعر ويبحث عمن يشتري قصائده، ولاشك في انها ظاهرة مزعجة، تدل على مدى الاستهزاء بالشعر وازدراء المشاعر وعدم الاخلاص للأدب. وهذا الشاعر «سهيل اليماني» يعرض ابداعه للبيع من خلال قوله:
وين «المهبّل» هل الشيكات والنقدي
اللي يبون القصايد كــاش واعطيهم
اعطيهم الشعر والدمعـات والخـدي
اضحك عليهم، واضحكهم وابكيهم
عندي قصايد، وانا والله من جـدي
اكفل قصيدي واعلمهم واقريهم
أبيع مفرد وجملة وأكتم السدي
وكل المجاريح يا عالم نداويهـم
وترى البضاعة اذا يبغون تنردي
وحنا الزباين ندلعهم ونشريهم
ولا شك ان مثل هذه الظاهرة قيلت شعرا بشكل مخيف، وهي ايضا ظاهرة جديدة في ساحة الشعر، لم تكن موجودة قبل هذا العصر الاعلامي، ولم يتهم أحد من الشعراء القدماء بأنه ليس شاعرا، وان هناك من يكتب له، مما يستدعي نظرة معالجة لهذا الامر. ولعل البعض يكتب من اجل الكتابة لا غير، بلا هدف ولا مدلول.. ولا معاناة.
لكن هناك شعراء يصمتون اذا تكلم الكل، وهناك شعراء لا يكتبون الا بدافع الامل. وهذا «فريح العنزي» يصف حالة صمته الشعري قائلا:
ودي اكتب بس ما عندي قضية
تحيي روح الشاعرية في كياني
وهناك من يوضح ان قضيته في الشعر محدودة في الحبيبة فقط.. هي الجمهور، وهي الشعر، وهي الملهمة، ويؤكد ذلك قول الشاعر «نايف صقر»:
لا ما كتبت الشعر لعيون جمهوره
ابك انت لاهنت ملهمتي وجمهوري
وهناك شعراء لا يعرفون ما يكتبون.. يسطرون حروفا على ورق فقط.. وهذا شاعر يؤكد هذه النظرية عبر هذا البيت:
عندي قصيدة ثلاثة ابيات
والظاهر اني باكملها
وفي ظل هذه الاوضاع التي يختلط فيها الحابل بالنابل، والجميل بالبشع، وتتداخل الاصوات البشرية بأصوات اخرى لا نعرف اجناسها.. يصدق هذا الوصف لساحة الشعر:
واحد بيشري جنون الشعر بفلوسه
واحـد يبيعه على الحـلوات ويفاصل
لا هـي بعرضه ولا دبكه ولا هوسه
ديسكو هنود ويظل العرض متواصل
كما تصدق هذه التقسيمة التي يقترحها «سليمان المانع» وهو يوزع الشعراء حسب اختصاصاتهم بقوله:
شـاعر خيالي.. وشـاعر خبل
وشـــاعر ولا شـــاعر بحـاجه
وشاعر طبلكي.. واشعر طبل
وشـاعر حلاته هي ازعــاجه
علي المسعودي
صفحة الواحة في ملف ( pdf )