يحدث دائما أننا نفضل الصمت في كثير من المواقف، تعودنا على ذلك حتى بات طبعا اصيلا فينا، وهو صمت ليس عبثيا، بل له دلالات ومعان بل وهو موقف ايضا ووجهة نظر ورأي، والصمت مرتبط كرد فعل على الامور المحزنة او المخيبة أو المزعجة، هذا كحالة متعارف عليها لدى جميع البشر، الا نحن، وعلى اعتبار اننا مختلفون عن الغير، فاننا نصمت ايضا لحظات الفرح، ولا نبادر الى الاحتفال به، بل نصمت عند وقوعه ايضا، كأنما نخجل من انفسنا عندما نفرح، كأننا نعتبر انفسنا غير لائقين بالفرح وغير مستحقين له، فاذا كنا في الصمت عند الحزن والغضب ندين الآخرين، فاننا في الصمت عند الفرح لا ندين سوى انفسنا.
ندخل الى المقهى فلا نبادر في تحية من نحب، بل ننتظر ان يبادر هو، واذا اعجبنا بشخص لا نبوح له باعجابنا، بل ننظر اليه بأنفة ونعتبر ان ابداءنا الاعجاب هو تنزيل من قيمتنا، ننظر ببرود الى المبدع حى يتوهم انه لم يفعل شيئا مهما، فيترك المصلحة ونخسره بينما كنا في دواخلنا معجبين به، لذلك فإن النجوم عندنا معدومون وغير موجودين باستثناء الممثلين بسبب ظهورهم المتكرر على الشاشة لا اكثر، نحن مختصون بقتل المواهب منذ طفولتها، ففي البيت يتهكم الاهل على انجازات الولد او يعتبرونها طبيعية، وفي المدرسة لا ينتبه استاذ الموسيقى لطفل صوته جميل، بل يعامل الجميع سواسية، والجمهور لا يرضى ان يكون جمهورا ولو ليوم واحد فقط، فاذا اعجب احدهم بشاعر لا يبدي اعجابه به، بل يذهب ويكتب الشعر ايضا ليصبح مثله، مشكلتنا اننا صدقنا ذلك واعتقدنا ان الجميع سواسية حقا، وان المبدع لا يتميز عن غيره بشيء، مشكلتنا اننا صدقنا ذلك وقررنا ان نصبح كلنا نجوما، ولم نقبل ان نكون جمهورا ولو للحظة واحدة.
هيـثم
صفحة الواحة في ملف ( pdf )