لم يزل هناك بقية من وقت كي اسرج اليها ما بين هذا النهار الدافئ والليل الهادئ، حاولت منذ ايام ان استأذن حراس قصرها المسيج بمقابلتها، ولكنهم اوهموني ان هذا الاسم ليس موجودا داخل ذلك الصرح الرحب، فلم يكن امامي سوى ان انتهز غفلة الحراس واتسلل متخفية واقف عند بابها لتأذن لي قصائدها في الجلوس امامها، كنت اسأل نفسي ما الذي دعاني اليوم لكي اكتب عنها، ما الذي حرك في داخلي الاشجان والاحلام وسيرها في موكب عمره اكثر من عشرين سنة؟ هل مازال الافق يتألق بنجمها؟، هل مازالت حروفها المتألقة تنهمر كالمطر في ذاكرتنا، اعلم الحوار معها لا يشبه اي حوار، لانني سأتحدث مع انسانة تغزل الشعر والادب بفن ولون لم يسبقها اليه غيرها من النساء، لم تكن شاعرة كما يسميها البعض فقط، انما هي اديبة وكاتبة لم يدرج اسمها بسجل تاريخنا المعاصر مع الكاتبات والاديبات للاسف الشديد، هنا في الكويت مركز الابداع انطلقت الشاعرة «وضوح» بإبداع متفرد، اذا كانت القصيدة الانثوية مغلفة بالشوكولا والتوت، فلا عجب ان تذوقنا قصائدها بطعم ولون مختلف، هنا فقط ان اردت ان تقرأ اشعارها لابد ان تصعد السلالم كي تلتقط ابياتا كتبت بألوان الطيف، كيف اذن استطيع ان اجعل الحديث معها مختصرا، كيف يمكنني تقليص نجاح عمره اكثر من عشرين سنة ومازال يغازلنا بالافق، وتدوينه في وريقات لا تترك اثرا او بصمة في نفوسنا، هكذا يصبح الشجن مقطوعة موسيقية لا تغرق سوى الحالمين، عندما تعزف «وضوح» قصائدها تحت سنا القمر، تجبرنا على ان نترك ما بيدينا جانبا، لكي نصغي بتأمل فلا نستفيق بعدها الا على مشاعر الدهشة.
هم حاسبوني لنظرتي والتفاتي
والتهمة اني اصفع الوقت بسيوف
وحـرفي عنيد ولا انحني للعصاتي
سبحان مـن زود هل القاف بحروف
اللي طـــرب ردد صــدى النايحاتي
غنى وهاجنه صفقت الطار بكفوف
الخافق اللـي يصـنع المعـجزاتي
الله واكبر يسري الليل مكفوف
سيدتي: اعلم انك كنت متململة من قيود التحضر الذي يلزم بعضنا باستخدام ادوات جديدة، واسلوب متشنج باسم التمدن، تقولين «لقد خلفت ورائي عالما من المتناقضات، قصورا كالقلاع، وسائل نقل مميتة، خلفت ورائي كل قيم الحضارة الزائفة،» لذلك جئت اليك وقد نزعت حذائي عند باب غرفتك، وجلست على السجادة امام سفرتك العامرة بالقصائد والنثر، لكي احادثك وتحادثيني دون حياء، فقد كنت في الماضي اصفق لك من خلف الستارة ولكنني اليوم كشفت ما بيني وبينك من حجاب، فكثير من الشعراء احببنا قصائدهم، ولكن هناك من الشعراء من احببناهم لاجل قصائدهم، وانت منهم، اخبريني يا استاذة الشعر كيف ينبت الحب كالعشب بين مسافة هذه السنوات الطويلة في عمرينا، هل هو الوفاء للحرف وللحلم البهي؟ لقد كنت سيدة التحدي والاقدام، تمنحيننا طاقة للمضي في طريق احلامنا حتى لو سقطت دموعا وسالت احزانا، ولكننا رغم كل ما مضى من خسارات، نعود بخطى مثقلة بالشجن، هل تظنين مازالت لدينا القدرة على التحدي كما كنا؟ يا لله كم هي الرحلة الى ذلك الزمان شاقة ومتعبة، ولا ارى الا اثرها على وجوهنا، كم ارهقتنا السنون سيدتي، تقولين في احدى قصائدك:
خلي الحزن يا نفسي تهزك يمينه
عــــزة تبتسم فيــها ورود الربيعي
وننـثـر الحـرف مــن وجــد تعلى انينه
في مساحات تطرب فالزمان الفظيعي
فقولي لي هل فعلا غيمتك المكتنزة بالقصائد عادت منذ سبع سنوات، وامطرت بعد غياب فوق احدى الربى الخضراء؟
ام لازلت تقطنين الظلام، وتكتبين بفتيل الصمت، وانت التي قلت:
«فوق.. شوف الضياء من فوق.. ما بي اعيش لتحت!»
سيدتي: لقد اصبحت الشموع اليوم لا تخاف نفخة حاسد، ولم يعد هناك مكان للجالسين تحت الجدران، لقد اصبحنا على صباح مختلف بأفكار ومعتقدات جديدة، وما عاد صوت البرق الذي كنا نخافه، يحمل نفس الرهبة في نفوسنا، انما القيد الذي لازمنا سنوات قد حررنا اصحابه منه، ولكننا كما يبدو قد رضخنا لافكارهم مذعنين وارجعناه حول رسغينا بمحض ارادتنا، فكان الوفاء حتى لخانقي احلامنا !
وقالوا لك اعداء قلت يكون
النــاس تـشرى وتبـتـاعـي
انهـي حياتي لجل يـرضون
ولا اغـير مــن اطـبـاعي
سيدتي: اختم لقائي بك بعد ان اسمعتك «صوتي» لعل وعسى يأتيني منك «بالصدى»!
فيا اميرة القصائد الساحرة، انك في «وطن النهار» فلا تهزمي منك الضوء «يا وضوح»، فهل تعود «وضوح» الى الوضوح؟!
الكاتبة - أنوار عبدالرحمن
صفحة الواحة في ملف ( pdf )