بُثت أول من أمس أنشطة الحلقة الأخيرة من المرحلة الثانية لبرنامج المسابقات «أمير الشعراء» والذي يُقام تحت رعاية ودعم سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتُنتجه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وتُنفذه شركة الإنتاج الإعلامي بيراميديا، ويُذاع على فضائيتي شاعر المليون وأبوظبي، إضافة إلى إذاعة إمارات «إف إم»، وبذلك تقترب أنشطة البرنامج من الحلقة الختامية، لنتعرف على من هو أمير الشعراء في الدورة الثانية، والذي ينال جائزة مالية قدرها مليون درهم إماراتي.
تميزت الحلقة بالتنافس الحاد بين الشعراء الخمسة، حيث قدموا أفضل ما أنتجته قرائحهم من الشعر والقوافي وهم، أحمد بخيت (مصر)، خالدية جاب الله (الجزائر)، أمين علي أحمد عبدالله (اليمن)، عمر حماد هلال (العراق)، مشعل المزيني الحربي (الكويت).
كما شهدت الحلقة الإعلان عن تأهل الشاعر آدي ولد أدبا (موريتانيا) بعد حصوله على أعلى نسبة تصويت من الجمهور، كما شهدت الحلقة أيضا فقرة غنائية للفنانة الكبيرة أصالة نصري، وفقرة شعرية للشاعر اللبناني طلال حيدر.
شاعر الأفق
بداية المنافسة كانت مع الشاعر أحمد بخيت (مصر)، والذي ألقى قصيدة بعنوان «لا أفق لي»، قال عنها د.أحمد خريس: إنها تنم عن ذاتية مُتشبثة بأرضيتها وإنسانيتها، كما تعانق الوجود الإنساني، وأشار نايف الرشدان إلى جمال النص واستحضار المتسابق لجبل الطور وتناوله لعلاقته مع الشعراء وقال: القصيدة جميلة وتؤكد على براعة الشاعر في توظيف المفردات اللغوية وأشار أيضا إلى وجود كلمات تدخل النص في الحوارية مثل «القول والقائل»، وقال د.صلاح فضل: هذا النوع من الشعر يجسد روح الكون ويرقى لدرجة الخلود، ويستخدم المتسابق فيه لغة عالية تدفع قارئها لكي يستبقها، إضافة إلى وجود خلايا شعرية تنضح بالتراث وتستحضر القصص، وقال د.علي بن تميم: المتسابق يفتح النص إلى أفق طويل من التأويل، وأعاد فكرة الفردية من جديد، والتي تشظت في الشعر المعاصر، وتناول د.عبدالملك مرتاض القتامة واليأس في عنوان القصيدة وقال: النص يمثل القلق الوجودي وابتعد قليلا عن مآسي السياسة التي تكثر عند الشعراء المعاصرين، كما أن اللغة نقية وبها بعض القلق، وأشاد أيضا بالبيت القائل:
«أجر دنياي خلفي من ضفائرها... إلى طريقي وقد هاءت لي الطرق»
شاعر الأمة
تلاه المتسابق أمين علي أحمد (اليمن)، حيث ألقى قصيدة بعنوان «بين قوسين»، تتراوح ما بين التأملات الخاصة ذات العمق الفلسفي والاستدعاءات النصية والأسلوبية مثل بيت عبدالله البردوني - على حد تعبير نايف الرشدان - والذي قال: بالنص استحضار لشخصية مثيرة للجدل في التراث القديم، كما أن المكونات الثابتة تشغل حيزا من القيم الشعرية ذات المستويات المتوازنة، وقال د.صلاح فضل: القصيدة تقدم صورة كلية جميلة للصراع الدولي بين الروم والفرس، كما أن المتسابق موجع في صراحته ويدرك أن الإنسان العربي أوشك على أن يفقد قوته، ويسترجع بيت الشاعر عبدالله البردوني، وقال د.علي بن تميم: القصيدة بها تلميحات جميلة وصور رائعة وسرعة إيقاع للجمل القصيرة، وأضاف د.عبدالملك مرتاض، لا أعتقد أن للبردوني صلة بعنوانك الشعري، والنص به شعرية جميلة واستحضار للوعي والتراث، غير أنه يزيد من التوتر بين علاقات الشعوب، وقال د.أحمد خريس: هناك مباشرة حول حال الأمة وما بها من ضعف إضافة إلى قدر من الذكاء في تعاملك الشعري من خلال بلاغة الحذف، غير أن الموضوع مستهلك.
شاعرة المرأة
وألقت المتسابقة خالدية جاب الله (الجزائر) قصيدة بعنوان «امرأة أورقت حزنا» وأشار د.صلاح فضل إلى أن المتسابقة تمسك بلحظة شعرية بالغة الحزن، وقال: ألمح في طريقة بناء القصيدة لظاهرة عجيبة حيث تبدأ المتسابقة بقوة شعرية، ثم وهن في الشطر الثاني، وقال د.علي بن تميم: النص مفكك ويحمل موضوعات كثيرة مثل الحب والصداقة... وأجد الصراع في النص ضعيفا لتركيز الشاعرة على الذات، كما أنه لايحمل دهشة ولا إضاءة شعرية، وتطرق د.عبدالملك مرتاض إلى جمال عنوان القصيدة وقال: اللغة الشعرية رقيقة وتليق بشعر المرأة، ولذلك جاءت المفردات سهلة بعيدة عن التكلف، وأشار د.أحمد خريس إلى القصة التي ترويها الشاعرة وهي قصة فقدان الحبيب، ولكننا لا نتعرف على أسباب هذا الفقدان، وإنما نتعرف على أسباب البكاء، وقال نايف الرشدان: أحيانا يكون الحزن بوابة للحياة وسبيلا للنجاة، والحزن هنا يدل على الجانب المضيء، كما أنه يلائم الدلالة و الإيقاع في النص.
شاعر الوطن
وألقى المتسابق عمر حماد هلال (العراق) قصيدة بعنوان «سيرة وطن لم تكتمل»، قال عنها د.علي بن تميم: الشاعر يشير بالقصيدة إلى نوع من الإتهام الذاتي والنظري، ويبنيها على أحد أبيات قصيدة المتنبي، فالأخير كان يُتهم في شعره، وتناول د.عبدالملك مرتاض الجوانب الفنية بالنص وأشاد باللغة، وقال د.أحمد خريس: صوت القصيدة
لا يستسلم لوحشة الليل مشيرا إلى عدم توافق شطري بعض الأبيات، حيث لايُفضي الشطر الأول إلى الشطر الثاني، وقال نايف الرشدان، هناك إيقاع شهير بالنص وتناص معنوي، كما أنه ينضح بالخلجات الشعرية التي تكشف عن الصور الجميلة، وقال د.صلاح فضل: المتسابق يعود بقصيدته إلى الجرح العراقي ليخلد مواجعه، لكن العنوان يعدنا برؤية حينما يجعله سيرة وطن لم تكتمل، وأضاف، القصيدة لا تتضمن هندسة لهذه السيرة، ولا لمسة لجوهر الدراما العراقية، كما أن القصيدة بها تجربة قوية وأخرى ضعيفة، وصياغات متينة وصياغات أخرى ركيكة.
شاعر الهمة
واختتم الجزء الأول من الحلقة الشاعر الكويتي مشعل المزيني الحربي، حيث ألقى قصيدة بعنوان «همم» علّق د.عبدالملك مرتاض على عنوان القصيدة، وعلى بعض الهانات اللغوية في الكتابة ومحاولة الشاعر لأن يلامس الشعرية العالية، وأشاد بالبيت القائل: «وبنيت من صمت الليالي منبرا... لأعانق السقاف والسياب» حيث استحضر الشاعر بدر شاكر السياب وأحمد السقاف، وقال د.أحمد خريس: بداية القصيدة قوية وليتها استمرت بهذه القوة، وبالنص تكرار لبعض العبارات في حيز لغوي ضيق، وقال نايف الرشدان: المتسابق يملك سمات الشاعر المجذوب إلى أصالته وتراثه، والقول الشعري بالنص هيمن عليه الخطاب التقريري والمباشرة والنسيج متحرر من الخيال، وقال د.صلاح فضل: المتسابق لديه إرادة شعرية، وعنوان قصيدته مباشر وبه استنهاض للهمم، وتناوله الأزلام والأعور الدجال.. هي إشارات غير متوافقة مع سياق القصيدة بأكملها، وقال د.علي بن تميم: التركيب يضعف النص وحال القصيدة، كحال الصياد الذي بنى سفينة لمدة عام كامل ولكن بعد جفاف البحر.
قصائد المجاراة
ثم ألقى الفرسان الخمسة مجاراتهم للشاعر مسكين الدرامي في أشهر ثلاثة أبيات له:
قل للمليحة بالخمار الأسود
مــاذا فعلتِ بـنـاسكٍ متعـبـد
قــد كــان شمر للصـلاة ثيابـه
حتى وقفت لـه بباب المسجد
ردي علـيه صــلاتـه وصـيـامه
لا تقتليه بـحق ديـن محمد
وأشار د.أحمد خريس إلى أن مجاراة أمين علي أحمد غزلية وموفقة وتفضي لقصيدته الأخرى، وجاءت مجاراة خالدية جاب الله امتدادا لقصيدتها ولغتها رقيقة ورومانسية، وبرع عمر هلال في مجاراته والتي جمع فيها بين اللذة والعنف، واستعاض مشعل الحربي لحدث فلسطين والمجاراة تحمل الحس الديني، وتضمنت مجاراة أحمد بخيت اتساعا نصيا وتكريسا للتفاصيل.
وأشاد نايف الرشدان، بمجاراة الشاعر أمين علي وتناوله لطائر الهدهد، والذي يدل على الهداية، وكذلك الشاعرة خالدية جاب الله حيث جمال اللغة الشعرية، وقال: مطلع مجاراة عمر هلال جميل ومقطعها أجمل حيث يعيد حقيقة المشهد، ولديه قدرة على استلهام القديم، وجاءت مجاراة مشعل الحربي لحنا شعريا وتبدلت بالنص وظائف السيوف، وكانت مجاراة الشاعر أحمد بخيت أفضل حظا من القصيدة، فالنص يصف القيمة الحقيقية للجمال التي تجسدها العباءة، وقال د.صلاح فضل: جعل أمين أحمد ليلاه خمارا وغنى للإمارة لحن الخلود وكأنه المطرب فريد الأطرش، في حين تأخذ خالدية جاب الله دور الفاتنة فتقول لفارسها «أعلنت حبك فاعترف أني المليحة» كما أنها تحرر الخطاب وتنقله إلى المتكلم، وأضاف «فضل» أجاد عمر هلال في مجاراته وبرع في تشخيص الحالة، واستطاع مشعل الحربي تحوير المليحة إلى أسيرة وأجاد توظيف شطر الشاعر شمس الدين «الله أكبر فوق كيد المعتدي»، وأشار إلى تفوق أحمد بخيت على الدرامي وإجادته لتمثيل الجمال.
وقال د.علي بن تميم في تعليقه على مجاراة الشعراء: إن الشاعر أحمد بخيت حاول إعادة قصة مسكين الدرامي من خلال قصيدة مليئة بالإضاءات الشعرية، وخاطب خالدية جاب الله قائلا: قواعد التركيب في اللغة هي التي تشيد الشعر، وعلّق على قصيدة مشعل الحربي وقال: لا ينبغي للمرء أن يضع الخل في الكتابة، وإنما الملح، وتناول د.عبدالملك مرتاض الجوانب الفنية في قصائد المجاراة، وقال: جاءت مجاراة أحمد بخيت وعمر حماد هلال أنيقة ورائعة، واستطاع أمين علي أحمد توظيف التراث، وأتقنت خالدية جاب الله اللعبة الشعرية حينما قلبت نص المعارضة وجعلته باسمها وتحولت معارضة مشعل الحربي لقضية سياسية نبيلة.
وفي نهاية الحلقة أعلن مذيع البرنامج إياد نصار عن قرار لجنة التحكيم بتأهل الشاعر المصري أحمد بخيت وحصوله على أعلى درجات اللجنة وهي 45 درجة.
صفحة الواحة في ملف ( pdf )