جاءت الحلقة الأخيرة من برنامج المسابقات الشهير «أمير الشعراء» لتؤكد على قيمة الشعر الفصيح في الوطن العربي من خلال حلقة تميزت بنصوص شعرية من جميل ما فاضت به قرائح الشعراء، البرنامج الذي يقام تحت رعاية ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وتنتجه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وتنفذه شركة الإنتاج الإعلامي بيراميديا، البرنامج استضاف في حلقته الأخيرة الـ 35 شاعرا الذين حظيت بهم المسابقة في الحلقات الماضية.
وشهدت الحلقة حضورا كبيرا للجاليات العربية والهيئات الديبلوماسية، كما تضمنت فقرة شعرية للشاعر الإماراتي عبدالكريم معتوق حامل لقب «أمير الشعراء» في نسخته الاولى، الذي ألقى قصيدة طويلة أمتدح فيها صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على رعايته الكريمة للمهرجان الذي جعل أبوظبي قبلة للشعراء، واستذكر أيضا أصدقاءه الشعراء الذين شاركوا معه في الدورة الماضية، وتميزت الحلقة بفقرة غنائية للمطربة السورية ميادة الحناوي التي حضرت خصيصا للمشاركة في فعاليات الحلقة الختامية للبرنامج.
كما شهدت الحلقة في بدايتها إعلان مقدم الحلقة خروج الشاعرة خالدية جاب الله (الجزائر) بعد حصولها على أقل نسبة من تصويت الجمهور، وختام حلقات البرنامج بخمسة فرسان هم، أحمد بخيت (مصر)، محمد اليعقوب (السعودية)، سيدي محمد ولد بمبا (موريتانيا)، آدي ولد أدبا (موريتانيا)، مهند ساري (الأردن).
وتخللت الحلقة تكريم سمو الشيخ عبدالله بن محمد بن خالد آل نهيان، وسعادة محمد خلف المزروعي، مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، لعدد كبير من شعراء البرنامج ومنحهم بعض الألقاب، حيث نال الشاعر أحمو الحسن (المغرب) لقب شاعر الحب، ونال أحمد أبوسليم (الأردن) لقب شاعر القضية، ونال حاتم الزهراني (السعودية) لقب شاعر الإبداع، وحصل الشاعر الإماراتي سعيد المنصوري على لقب الشاعر الواعد، في حين كان لقب شاعر الرومانسية من نصيب الشاعرة شيماء محمد حسن (مصر)، ونال عبدالله ولد بونا (موريتانيا) لقب شاعر الإنسانية، ونال الشاعر رابح ظريف (الجزائر) لقب شاعر الرسالة، وحصل عقيل اللواتي (عمان) على لقب شاعر الشفافية.
كما قدم أعضاء لجنة التحكيم جائزة اللجنة لخمسة من شعراء البرنامج بناء على معايير خاصة بكل عضو من أعضاء اللجنة، حيث اختار د.عبدالملك مرتاض الشاعر التونسي خالد الوغلاني، واختار د.علي بن تميم الشاعر العراقي عماد جبار عن قصيدته ثلاثية المنافي، في حين ذهب اختيار د.صلاح فضل للشاعر السوري قحطان بيرقدار وذلك لاستلهامه المناخ الأندلسي في قصيدته، كما اختار نايف الرشدان بداهة ونبل الشاعر اللبناني مهدي منصور، واختار د.أحمد خريس الشاعرة الجزائرية شفيقة وعيل لتألقها بالمرحلة الأولى من البرنامج.
استهلت الحلقة بكلمة تعزية لفقيد الشعر العربي محمود درويش ألقاها د.علي بن تميم، عضو لجنة التحكيم بالنيابة عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وعن الطاقم الإعلامي للبرنامج، كما أشاد «بن تميم» بمبادرة سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات وإرساله طائرة خاصة للولايات المتحدة الأميركية لاحتضان جثمان الفقيد.
شاعر الأسطورة
بداية الحلقة كانت مع المتسابق الموريتاني آدي ولد أدبا، والذي ألقى قصيدة بعنوان «إسراء إلى إمارة الشعر»، قال عنها د.أحمد خريس: إن صاحبها استلهم قصة الإسراء وقام بتوظيفها في قصة أخرى بالقصيدة، ثم أكمل استلهامه باستدعاء أسطورة الفينيق، وأضاف، قام الشاعر بتوجيه سهامه نحو النقد لعدم رضائه به، وقال نايف الرشدان: المتسابق شاعر وقور وله حضور جميل، واتجه في النص إلى بيان العلاقة في الشعر المتوارث كما حاول التساؤل عن عكاظ الشعر والذي قصد به المسابقة، وقال د.صلاح فضل: المتسابق يمتلك قدرة على النسج القوي للشعر العنيف، ومن حقه أن يأتي وفي فمه إمارة الشعر، وقال د.علي بن تميم: خيارات الشاعر الفنية متقمصة، ويبني قصيدته على التكرار لتوليد المعاني، كما أنه بحاجة إلى قصيدة خفيفة، وأشار د.عبدالملك مرتاض لجمال النص وتوظيف المتسابق جمل من التراث والثقافة والدين وإشارته أيضا إلى بلد المليون شاعر.
شاعر الروح
وتألق المتسابق أحمد بخيت (مصر) في قصيدته، والتي تفاعل معها جمهور المسرح، وأشاد نايف الرشدان بجمال النص وشموله لرؤية صافية لوجه الحياة الشاحب والمعلن عن عصامية الشاعر، وقال: الشاعر استحضر الشخصيات الكبيرة والتي عانت في حياتها، ثم استشهد لمواقف وأهوال لأعلام أدبية مثل هوميروس، شكسبير، ومحمود درويش، كما برهن على أن جميع المناطق المضيئة وغير المضيئة تجد حضنا في أبوظبي، وقال د.صلاح فضل: المتسابق قدم شعرا حقيقيا ينبثق من رحم النبوءات ويرمز إليه بطريقة مكثفة، كما ابتلع أشجان وطنه العربي، وألحت عليه صورة الطفل اليتيم، كما أنصف محمود درويش بعد وضعه في قامة هوميروس وشكسبير، وقال د.علي بن تميم في تعليقه على النص: المتسابق قام بمقاومة الشعر حيث جعله ينساب كأنه طريقة نثرية، واستطاع صياغة الجمل، وتناول د.عبدالملك مرتاض الجوانب الفنية بالنص وقال: قدم المتسابق نصا شعريا ختاميا جديرا بنهاية المسابقة، واستحضر الثقافات العربية والأجنبية وكان ايقاعه بديعا، وقام بتوظيف قصة يوسف ومريم، وأشار د.أحمد خريس إلى ذكاء الشاعر وقدرته على اقتناص المعنى الشعري وقال: جمع المتسابق حقلين ليست بينهما علاقة وهما كتابة الشعر واحتلال غزة، وانتقل بسلاسة من سياق الحرب لسياق الشعر.
شاعر المتنبي
تلاه المتسابق سيدي محمد ولد بمبا (موريتانيا)، والذي ألقى قصيدة بعنوان «جسر الإمارة» علق عليها د.صلاح فضل قائلا: المتسابق يمتلك ناصية الشعر دائما، لكنه تميز بالحس المرهف الطريف في قصيدته الأخيرة، وقام بالتعبير بقدر من الهشاشة وعدم اليقين، وقال د.علي بن تميم: القصيدة تذكرنا بأبيات شهيرة للمتنبي، لكن بها جملا شعرية لم تقدم أي إضاءة جديدة حيث البنية التقليدية واستخدام الجمل التعليلية، وأشاد د.عبدالملك مرتاض بجمال النص وايقاعه الرزين وصوت الشاعر الرصين، وقال د.أحمد خريس: المتسابق تحرك شيئا فشيئا عبر نصوص متعددة من إلتواءات التعبير التي شابت نصوصه الأولى، وأصبح يشدو بنصوص غنائية كما تلاعب بالكلمات حيثما يشاء، وقال نايف الرشدان: المتسابق يروي إنطلاقته إلى أبوظبي، وتحدث عن الشعر الذي ينقل العالم وتلك الحالة التي أحياها في ظل الغيمة.
شاعر الشعراء
وتألق المتسابق محمد إبراهيم يعقوب (السعودية) في قصيدته، والتي حملت عنوان «غنائية أخيرة» قام فيها بالإشادة بزملائه المتسابقين إضافة إلى أعضاء لجنة التحكيم، قال عنها د.علي بن تميم: نص القصيدة يتضمن إضاءات شعرية، واستحضر الشاعر مفرداته دون إعادة قراءتها، وترك الفرصة للتدفق الشعري ثم قلب الأسلوب رأسا على عقب، وقال د.عبدالملك مرتاض: الشاعر قدم غنائية أخيرة في إيقاع استطاع لوي عنقه وكانت لغته في غاية الصحة والنقاء، كما استطاع الإفلات من ارتكاب الضرورات الشعرية، وأشار د.أحمد خريس إلى تميز الشاعر في مزج قراءته في التراث الشعري القديم بالحديث، وقال: الشاعر يكاد يستعمل رموزا شخصية مثل «النايات» واستعاد أصله واستبدل به الذات في القصيدة، وقال نايف الرشدان: يظهر من العنوان بحث الشاعر عن وضع الحدود لرحلته الشعرية، كما احتفى بالواقع الجميل الذي يثبت الأركان من خلال وتد اللغة، وقال د.صلاح فضل: داعب المتسابق في شعره الرفاق بنعوت كريمة، وأوفى حقهم بسلاسة فائقة، وعزف عن استقبال الإشارات البعيدة متفرغا للحظة المسابقة.
شاعر الأخلاق
واختتم الجزء الأول من المسابقة الشاعر الأردني مهند ساري، واستهل د.عبدالملك مرتاض التعليق على قصيدته وقال: الشاعر لم يقدم لنا النص الذي يريد تقديمه، والقافية تقلق في بعض أطوارها، وأوقعت الشاعر في بعض النظمية، وقال د.أحمد خريس: القصيدة مدهشة ومن يقرأ القصيدة، يكتشف مدى العمق بالتراث القديم، وأشاد نايف الرشدان، بالحضور الشعري المتميز للمتسابق وقال: الشاعر كتب النص للاحتفاء بالمسابقة، والنص لا يخلو من الومضات الشعرية ونعت الشاعر بالكبير في أخلاقه، وقال د.صلاح فضل: الشاعر يحمل فحولة شعرية بارزة في النص، واتخذ قافية عسيرة، وتحدث في مطلع القصيدة عن الدولة التي تقوم على العقل والقلب ومزجها لرؤية الشاعر ووعي المثقف، كما استحضر ابن الخطيب في أحد الأبيات، في حين قال د.علي بن تميم: الجمل توحي بتأمل والنص يدخلنا في تأمل الموسيقى، كما دعا الشاعر لأن يضم النص في ديوانه الجديد.
قصائد التحدي
وتناول الجزء الثاني من الحلقة قصائد الارتجال المفاجئ للشعراء الخمسة عقب قراءة لجنة التحكيم لثلاثة أبيات شهيرة، وأشاد د.صلاح فضل، ونايف الرشدان، ود.عبدالملك مرتاض ود.أحمد خريس بقدرة الشعراء على ارتجالهم للقصيد، وقال د.علي بن تميم: جاء أحمد بخيت سباقا في تقديم قصائده، وتميز سيدي محمد ولد بمبا بقوة المفارقة في الارتجال، وجاء ارتجال محمد إبراهيم اليعقوب صورة، واشتغل مهند ساري في التقابلات، وأجاد آدي ولد أدبا قوة اللغة واختيار الألفاظ.
وفي نهاية الحلقة أعلن مقدما البرنامج إياد نصار ورجاء صالح، عن فوز الشاعر سيدي محمد ولد بمبا (موريتانيا) بلقب «أمير الشعراء» وحصوله على جائزة مالية قدرها مليون درهم، إضافة إلى جائزة بردة الإمارة والتي تمثل الإرث التاريخي للعرب، وتم انتاجها من أفضل الخامات، وحصل أيضا على خاتم الإمارة والذي يرمز للقب الإمارة، وحصل الشاعر محمد إبراهيم اليعقوب (السعودية) على المركز الثاني ومبلغ نصف مليون درهم، وحصل الشاعر أحمد بخيت (مصر) على المركز الثالث ومبلغ 300 ألف درهم، في حين نال الشاعر مهند ساري (الأردن) المركز الرابع ومبلغ 200 الف درهم، وحصل على المركز الخامس آدي ولد أدبا (موريتانيا) ومبلغ 100 ألف درهم.
وفي تصريح خاص للشاعر سيدي محمد ولد بمبا بعد حصوله على لقب «أمير الشعراء» أكد: أن كل الشعراء الذين اشتركوا معه في هذه المرحلة هم أمراء الشعر الحقيقيين، وتوجه بخالص الشكر والتقدير للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على رعايته الكريمة لهذه المسابقة التي سيكون لها الدور الأكبر في نهضة الشعر العربي، وشكر أيضا هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على انتاجها ودعمها للمسابقة بالصورة التي جعلتها تمثل أهم مسابقة شعرية في تاريخ العالم العربي، وأهدى فوزه للشعب الموريتاني الذي سانده بقوة للحصول على لقب «أمير الشعراء»، وأكد أن ما يزيد هذا اللقب قيمة أنه من إمارة أبوظبي عاصمة الثقافة العربية.
صفحة الواحة في ملف ( pdf )