ذياب العسكر
العنوان أعلاه ليس مصطلحا علميا جديدا معربا، إنما هو اسم مدرسة شعرية شعبية ظهرت مؤخرا في ساحتنا المغلوبة على أمرها، لكن لم يتم بعد تسمية هذه «الظاهرة» الشعرية، فرأيت أن أعطيها هذا الاسم ليكون المعنى أكثر قربا من المتلقي، ولا أقصد أن يكون اسما أدبيا لهذا «المفقسة» التي أنتنت بالساحة.
وأتباع هذه المدرسة هم أولئك الذين منحهم الله موهبة الشعر، وأتقنوا القوانين الوضعية المتعلقة بتمام القصيدة من ناحيتي الوزن والقافية، إلا أنهم أفقدوا الشعر روحه العذبة، وشوهوا جمال المعنى، ونشزوه، وأصابوا الساحة بلوثة أكثر فتكا وشرا مما فعلته بعض برامج المسابقات الشعرية (التجارية)، وحتى لا يتشعب الموضوع ويأخذ منحى آخر، أظن الآن أن القارئ يريد التعرف على هؤلاء «الخبصلوخيين» ومن هم؟
والإجابة لن تكون بأسماء ندرجها، أو قصائد نستعرضها ليتم التعرف من خلالها على المعنيين، لكن هناك طريقة بسيطة جدا وسهلة ستمكن المتلقي من التعرف على أي شاعر خبصلوخي في أي زمان ومكان، ودون الحاجة لأدوات النقد التقليدية.
والطريقة هي حين تقرأ أو تسمع قصيدة لأي شاعر ما، وتكون بمضمونها عن «حبيبته» التي هجرته ولأي سبب من الأسباب، ففي البداية تجد أن هذه القصيدة لا تمت للعاطفة بأي روح أو مشاعر «توجدية»، إنما هجائية «يشرشح» بها حبيبته، ويستند بها على الشتم بأقذر الكلمات، وأشنع المعاني، وينهال عليها لعنا وقذفا، وحتى أن أبويها لا يسلمان من سب وشتم ولعن هذا الشاعر، ولا يكتفي بهذا القدر من السخافة، بل يشعر أن هذا الهجر قد نال من كرامته وعزته وقبيلته حتى، فترتفع عنده «الأنا» فيفتل عضلات انحطاطه، وكيف لها تهجر ملائكي الروح، وحاتمي القرى، وأصمعي الشعر، وعنتري الوغى، وقيسي الوفاء، ويزيد من الطين بله وبما هو عليه من قبح وسذاجة وتتصاعد لديه الحمية فيقوم ساميا بحسبه ونسبه وأنه فلان بن فلان آل فلان، وارث السيف البتار عن جده، والحكمة والوقار عن أبيه، والإقدام والبسالة عن أخواله، فيثور معتزا بأبناء عمومته الصناديد، وشاحذا همته من مآثر القبيلة ومجدها التاريخي وكأنه يريد الدخول في حرب ضروس مع هذه الأنثى، والدليل القاطع الذي يؤكد أن هذا الخبصلوخي فارغ فكريا وخاو أدبيا، هو ختام القصيدة الذي يؤكد أنه لا يحمل من الشعر الا أدوات الوزن والقافية، فتجده في ختام القصيدة يستجدي العطف من حبيبته التي هجرته، وعشيقته التي «نشر غسيلها» قبلا ويرجوها أن تعود إليه، فمنذ أن فارقته لم يعد يذوق طعما للنوم، و«تكفين ردي لي ولا تخليني»، فمتى ماوجدتم قصيدة بهكذا «خبص» و«لوخ» فاعلموا أن شاعرها ينتمي لهذه المدرسة الشعرية القبيحة، وأهمس إليكم بأن هؤلاء الشعراء مساكين، فهذه هي حدود معرفتهم ومدى وعيهم، ولا لوم عليهم أو عتب لأنهم فارغون، لكن الحق كل الحق على من نظن أنهم قائمون على أمانة الارتقاء بأمر الساحة والشعر، وأنهم هم الذين أتاحوا المجال وأفردوا المكان لمثل هؤلاء المرضى أن يتقيئوا على ذائقة الجمهور وتلويث الساحة الشعر شعبية، فهل يحترمون الجمهور ويؤدون الأمانة ويحاولون فيما بعد أن يتوبوا ويعيدوا للساحة مكانتها؟
صفحة الواحة في ملف ( pdf )