ذياب العسكر
هناك بعض المخلوقات التي تتميز بخصوصيات خلقية تجعلها قريبة من حياة الإنسان، وبشكل آخر صارت من وسائل الترفيه واللهو، فالببغاء يحمل جمال الألوان في مظهره الخارجي، وكذلك قدرته على ترديد بعض الكلمات المفهومة التي يلتقطها من البشر المحيطين به، وكذلك القرد من الحيوانات الخفيفة والرشيقة ولديه القدرة على تأدية الحركات البهلوانية التي يتعلمها ويتلقاها من البشر ويمارسها بكل إتقان، وهذا ليس موضوعي، لكن لا أدري كيف قفزت صورة القرد والببغاء دون سواهما في مخيلتي حين كنت أفكر في ظاهرة قبيحة نتنة تفشت في ساحتنا الشعرية الخليجية، وهي وجود أولئك الذين يبتاعون القصائد الشعرية وينسبونها إلى أنفسهم، وبكل يهلوانية وتلقائية تجده يؤدي دور الشاعر.
فمن الطبيعي أن نتشابه في الملبس والمركب والمحيط الاجتماعي، وربما يصل أمر التشابه حتى بالمأكل والتفكير، ومن الطبيعي كذلك أن يكون هناك طبقات متفاوتة بالمجتمع من كل نواحي الحياة، ولكن لكل إنسان حيز جغرافي واجتماعي وعملي خاص به في حياته يمتاز به عن الإنسان الآخر، فلا نستطيع أن نأتي بنجار ليقوم بعمل الطبيب، ولا نأتي بعامل بناء ليكون وزيرا للتربية، وليس من العقل والمنطق أن نضع سارية السفينة فوق ظهر البرذون، ليس فقط المعنى ولكن حتى الصورة الفعلية غير متراكبة نهائيا.
هناك شعراء يصلون إلى درجة الاحتراف في كتابة الشعر، والفارق الوحيد هو الفكرة التي يريدها الشاعر، ومع ذلك لا يستطيع أن يكتب القصيدة دون أن يكون هناك إحساس فعلي فيما يكتبه، ودون أن تكون لديه رؤية خاصة به في اختيار المفردات والصور الشعرية التي يختارها للقصيدة وبحسبما يكون عمق الخيال وحسب معرفته بما لديه من مخزون لغوي، وخبرته التي تؤهله لاختيار أدوات القصيدة كالوزن والقافية، ويكون مبنيا على كل هذه الأمور مسألة التنقيح، وربما يصل الأمر في بعض الأحيان الى أن صاحب القصيدة يستطيع أن يتلاعب بها أثناء إلقائها على الجمهور في تقديم أو تأخير شيء على شيء آخر، أو تبديل شيء بشيء آخر فيها، وهذا أمر طبيعي لأنه صاحب القصيدة ويعرفها كما يعرف اسمه.
وأعود وإياكم إلى بيع وشراء القصائد، فهناك شاعر فقير جدا وبحاجة للمال لتيسير أموره الحياتية، وليس لديه عمل أو مصدر رزق، ولا يمتلك إلا موهبة الشعر ولديه فائض من القصائد، فلا لوم عليه في كثير من الأحيان لو فكر أو قام ببيع شيء مما لديه من القصائد، أو حسب طلب الزبون وهو الشخص الذي يمتلك المال الوفير ويفتقر للشاعرية على عكس الشاعر الفقير.
فحديثي عمن يبتاع الشعر وكيف له أن يتبنى ما لا يستطيع أن يشعر تجاهه بالأبوة؟ وكيف يستطيع الإحساس بالقصيدة حين قراءتها أو حين يلقيها على الجمهور وهو يعلم أنها ليست من عصارة فكره ولا من مكنون أعماقه، إن هو إلا شخص يردد فقط. ويثق أكثر من ثقته في نفسه أن شاعرها الحقيقي الذي ابتاعها منه ينظر إليه ويسمعه. سحقا فأصدقكم القول إن الصورة التي أرى بها هذا المبتاع، صورة لا تريدون رؤيتها وأترفع عن كتابتها.
طيب: ماذا لو أنك اشتريت قصيدة من شاعر ما وكان هذا الشاعر أحد الدهاة شعريا، وعلى سبيل المثال قام ببيعك قصيدة يكون ظاهرها مديحا في شخصية ما، وباطنها يكون هجاء بالشخصية نفسها، وتم فيما بعد تفسيرها وعرفوا أنها هجائية، (هتعمل ايه يا بطل)؟ سيكون منظرك أكثر قبحا مما تخيلته عندما تلقي القصيدة ويكون شاعرها الحقيقي ينظر إليك وتراه.
ولكن دعنا من كل هذا، ربما (تعدي على خير يابن برمان)، اريد أن اسألك سؤالا عاديا جدا وبسيطا، وهو: هل تشعر بإحساس النشوة التي يشعر بها أي شاعر حين يرى ردة فعل الجمهور والإشادة والتصفيق والإعجاب بقصائده التي تعب وسهر من أجل كتابتها، وهذا ما كان يريده كمردود من كتابة الشعر؟! فهل أنت أيها المبتاع تشعر بهذه النشوة؟! ولكن للآن لا أدري ما الذي أتى بالببغاء والقرد في مخيلتي حين كنت أفكر في هذا؟! ربما لهما علاقة به.. ربما.
صفحة الواحة في ملف ( pdf )