يزخر تاريخ جزر (لانغاوي) المحتوية على 99 جزيرة والواقعة على الساحل الشمالي الغربي من شبه الجزيرة الماليزية بالاساطير الخرافية والمعتقدات الفولكلورية والتي تناقلتها الأجيال السابقة لتصل في يومنا هذا الى مسامع الزوار والسياح في هذه الجزر التي باتت وجهة سياحية عالمية.
ولعل اكثر اسطورة خرافية عرفت بها هذه الجزر هي اسطورة الشابة المظلومة (ماشوري) واطلاقها اللعنة وسوء الحظ على هذه الجزر على مدى سبعة اجيال وذلك بعد اجماع اهل قريتها على قتلها طعنا بالخنجر بتهمة الزنا التي تبينت فيما بعد براءتها منها.
وماشوري هي ابنة لزوجين سياميين قدما من جزيرة (بوكيت) التايلندية بحثا عن الرزق واستوطنا جزر لانغاوي منذ القرن الـ 18 في عهد السلطان عبدالله مكرم شاه والذي يعد ثاني حاكم لولاية كيداه الماليزية بين عامي 1762 و1800.
وكانت ماشوري شابة جميلة مقارنة بأترابها في الجزيرة فأراد زعيم القرية داتو كارما جايا ان يتخذها زوجة ثانية له الا ان زوجته الاولى وتدعى ماهورا رفضت ذلك ونصبت ضد ماشوري العداء والحقد والكراهية الى ان تزوجها محارب يدعى وان داروس. ولم تزل زوجة زعيم القرية تكتم في قلبها العداء لماشوري فقامت بتلفيق تهمة عدم اخلاصها لزوجها وخياتنها له في غيابه وصدق اهل القرية هذه الاشاعة فاتهموها بجريمة الزنا.
وقرر زعيم القرية اعدامها من خلال ربطها على شجرة وطعنها حتى الموت الا ان ذلك لم يؤثر فيها فحاول اهل القرية جمع وسائل الاعدام والقتل الا ان جميعها حالت دون مقتل ماشوري فأوصتهم بقتلها بواسطة خنجر عائلتها فطعنوها طعنة سال من جسدها دم ابيض تحقق اهل القرية اثرها انها كانت بريئة من تلك التهمة.
وتحكي الاساطير ان الطيور حامت فوق ماشوري لتغطية جسدها المليء بالدم الابيض كما توقفت سحابة كبيرة فوقها وهي تلفظ انفاسها الاخيرة حيث قامت بإطلاق اللعنة والخزي وسوء الحظ على جزر لانغاوي واهلها سبعة اجيال لاتهامهم المشين لها. وبات اهل لانغاوي بعد مقتل ماشوري يواجهون اثار هذه اللعنة حيث شهدت الجزر العديد من الحروب مع مملكة سيام المجاورة لها الى ان سيطر السياميون على لانغاوي عام 1821 وقتلوا عائلة زعيم القرية فقام اهل الجزيرة بحرق حقول الارز حتى لا يستفيد منها السياميون. وتناقل الماليزيون هذه الاسطورة وصدقوها حتى جعلوا من موقع حرق الارز معلما سياحيا يعرف بـ (بيراس ترباكار) ويعني الارز المحروق كما نصبو لقبر ماشوري مقاما او ضريحا يعرف بـ (ماكام ماشوري) في قريتها التي سميت باسمها تخليدا لذكراها. ويعيش احفاد ماشوري حاليا في جزيرة (بوكيت) التايلندية ويزورون ضريح جدتهم في لانغاوي بعد ان اعادت السلطات الماليزية اكتشاف هذه الجزيرة مجددا في نهاية القرن العشرين حيث يعتقد ان هذا الاكتشاف جاء بعد سبعة اجيال من لعنة ماشوري للجزيرة.
ومن المعتقدات الفولكلورية التي تعلقت بتاريخ جزر لانغاوي الاسطورية اعتقاد سباحة المرأة العقيم وسط مياه احدى بحيرات الجزيرة التي تعرف بـ (تاسيك بونتنغ) وتعني البحيرة العذراء والتي يعتقد بأنها مدعاة للحصول على بركة الانجاب.
ومنبع هذا المعتقد اسطورة اميرة من امراء الجن اسمها (مامبانغ) فتن بجمالها امير جني وظل يلاحقها ويستخدم الحيل للتقرب منها الى ان التقى الامير الجني برجل مسن في هذه البحيرة ونصحه بأن يمسح وجهه بدموع حورية البحر قبل ان يقابل الاميرة الجنية.
وعندما فعل الامير الجني ذلك احبته الاميرة الجنية وتقربت منه وتزوجته ومنذ ذلك الوقت لم يتفارقا وملئت حياتهما سعادة وبهجة الى ان انجبت منه طفلا مات بعد سبعة ايام من ولادته فحزنت الاميرة لموت ابنها ودفنته في مياه البحيرة وغادرت عالم الانس.
وتتميز مياه هذه البحيرة بعذوبتها ونقائها دون سائر البحيرات المجاورة لها لأن الاساطير القديمة تحكي ان الاميرة الجنية قامت بإلقاء البركة والنعمة على تلك المياه بعد موت ابنها لتمكن كل امرأة عقيم من الولادة بعد السباحة والشرب من مياه البحيرة.
وتقع بحيرة (بونتنغ) الاسطورية على احدى ضفاف جزيرة العذراء الحامل او ما يعرف بـ (بولاو دايانغ بونتنغ) وهي احدى جزر لانغاوي حيث يخيل للناظر ان سلسلة جبال الجزيرة الخضراء من بعد مسافة 300 متر هي رأس امرأة حامل مستلقية على ظهرها.
وتلك هي بعض من الاساطير والمعتقدات التي تحتضنها جزر لانغاوي المليئة بالاثار والمواقع المثيرة للاهتمام وسط طبيعة جغرافية جميلة حيث الكهوف والجبال والصخور البحرية واشجار (المنغروف) والاثار القديمة التي تعود الى اكثر من 500 مليون سنة استحقت بذلك لقب افضل (منتزه جغرافي) من منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).