كراكوف.. كل ما فيها يشع ببريق الحياة، مدينة لا تعرف النوم، تعج بالشباب والشابات من مختلف الأعراق والألوان.. تشتهر بسهراتها وحفلاتها المتواصلة التي لا تهدأ، خاصة في مطاعمها ومقاهيها وساحتها الضخمة الأكبر في أوروبا قاطبة.
هي ببساطة ضمن قائمة أبرز المدن الأوروبية جذبا للسياح الشباب، وأحد مناطق الجذب السياحي الكبرى في كل أوروبا، يجد فيها الشباب نقطة التقاء مثالية تجمعهم من كل أنحاء العالم اذ يتعارفون عبر فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي لتكون «كراكوف» ساحة تعارفهم ولقاءاتهم الأولى.
10 ملايين زائر قصد المدينة العام الماضي النسبة الأكبر منهم لشباب أوروبا وخاصة في فصل الصيف بعد انتهاء الدراسة الجامعية والمدرسية لتبدأ في تلك المدينة فصولا من المرح والرقص والتجمعات الشبابية التي ستشاهدها خاصة في الساحة الكبرى اذا كنت من زوار كراكوف في يوم من الأيام صيفا.
تحتضن تلك الساحة العديد من الأنشطة المفتوحة للجميع والتي ستسعد بمشاهدتها كالعروض الراقصة، والحفلات الغنائية والألعاب البهلوانية، ومهرجانات فولكلورية پولندية، ومعارض وأيام مخصصة للاحتفالات المتنوعة، فلا يمر يوم في كراكوف دون عروض تشعل الساحة حيوية وجمالية ورونقا.
تمتاز كراكوف بموقع جغرافي بديع عند السفوح الشمالية بجبال تاترا بارتفاع 219 مترا عن سطح البحر، ولتكون بحكم موقعها مدينة خضراء لديها عدد كبير من الحدائق العامة، تضم مرافق للرياضة والترويح بجانب النصب الجميلة.
اما على صعيد المحميات والغابات فتوجد في المدينة وضواحيها الأراضي الخضراء وغابات محمية بقوة القانون، والتي تشكل متنفسا للسكان والزائرين.
وسيلفت نظرك في المدينة ايضا جمالية الهضاب والتلال المحيطة بالمدينة والمطلة مباشرة على نهر فيستولا الذي تستطيع ارتياد رحلة عبره في سفن معدة لذلك الغرض.
للمقاهي والمطاعم في كراكوف جاذبية مختلفة، فعلى جنبات الساحة تجد المقاهي التي ترضي مختلف الأذواق بتقديمها أنواعا عديدة من المأكولات الپولندية والعالمية وكذلك الشرقية.
السوق القديم
يعتبر السوق القديم من معالم كراكوف وأحد الأمكنة المصنفة من قبل اليونيسكو كتراث إنساني عالمي كونه احد أقدم الأسواق في أوروبا والمستمر منذ نحو 700 عاما.
تتبضع من سوق المتاجر الملكية القديمة المصنوعات اليدوية التي تعبر عن الذوق الپولندي الرفيع، بالإضافة للعديد من المعروضات الأخرى وخاصة الأحجار الكريمة التي تشتهر بها پولندا وخاصة الكهرب.
العشاق لهم حصتهم الكبيرة في كراكوف «جسر العشاق» الذي يعلو نهر فيستولا، حيث يضع المحبين أقفالا على الجسر ويزينونها بكلمات العشق والغرام ولتكون بذلك ملتقى لهواة الفن والمسرح والثقافة.
ايضا تشكل المدينة وجهة لكل عاشق للتاريخ بقصورها العامرة من مختلف العصور وهي ثالث اكبر مدن پولندا وتزخر بمواقعها الأثرية وقصورها التاريخية العديدة التي تستنشق عبرها عبق التاريخ كقلعة فافل التي تعتبر متحفا فنيا، وبازيليك سانت ماريا، ومبنى الجامعة الياغيلونية، والمتحف الوطني، بالإضافة لأكثر من 6 آلاف موقع أثري، وغيرها من المواقع التي تستطيع رؤيتها عبر استئجار عربة يجرها حصان لتكون فرصة سانحة لك ولعائلتك لأخذ جولة قصيرة ممتعة في كراكوف.
وكراكوف هي المدينة الپولندية الكبرى الوحيدة التي لم تدمر في الحرب العالمية الثانية، وهي العاصمة الثقافية والحضارية لپولندا، والعاصمة القديمة للبلاد من بداية المملكة الپولندية حتى عام 1596، حيث كانت مركزا لسكن الملوك والمقر الرئيسي للمجلس الپولندي الى ان قرر احد الملوك من السلالة السويدية نقل العاصمة لوارسو في نهايات القرن السادس عشر لكي يحكم پولندا والسويد في وقت واحد.
منجم فيلتشكا الملحي
معلم سياحي بارز يبعد عن وسط كراكوف 14 كيلومترا فقط، وهو منجم فيلتشكا الملحي أحد أكبر واقدم واغرب واجمل مناجم الملح في پولندا والعالم، والذي يتشكل من 30 كيلومترا من الممرات والإنفاق والقنوات تحت الأرض المملوءة بالملح البحري الأصلي ذي اللون الرمادي الأسود والمحتوي على كميات من الحديد والمشابه للرخام أحيانا بلون برتقالي جميل.
يعتبر المنجم احد ابرز معالم پولندا السياحية ويزوره سنويا نحو مليون سائح يغوصون في رحلة تحت الأرض ليروا فقط ما نسبته 1% من المنجم، وذلك بسبب ضخامة حجمه المتألف من نحو 200 قاعة.
منذ لحظة دخولك المنجم تختار اما النزول عبر المصعد أو عبر الدرج بنزولك نحو 54 طابقا تحت الأرض لتشاهد منحوتات تماثيل الملح ومنحدرات جبلية صعبة كان عمال المناجم البسطاء يربطون انفسهم بالحبال ليتزودوا بما تيسر من الملح الذي كان يعادل ثمن الذهب في تلك الأيام لأهميته الكبيرة.
يضم المنجم صالة عرض واسعة فيها عدد وافر من اللوحات العالمية كلوحة العشاء السري منحوتة فقط من الملح، كما تتم فيها اقامة مناسبات خاصة كحفلات الزفاف وعدد من المعارض الأخرى بالإضافة لوجود ثريا رائعة صنعت بلوراتها من الصخر الملحي وأضاءت القاعة بكاملها.
المشي على الماء
تطالعك أثناء زيارة المنجم أيضا بحيرات ملحية تفوق ملوحتها نسبة ملوحة البحر الميت بـ 3 مرات، فبينما في البحر الميت تستطيع ان تطفو على سطح الماء وقراءة الجريدة، هنا في بحيرة المنجم تستطيع حتى المشي على سطح المياه.
يشهد المنجم رياضات عديدة كرياضة القفز المطاطي داخل هذه القاعة، ويتوقف اجراؤها حسب ظروف معينة يتم اتخاذها، كما يتم اجراء ماراثونات رياضية في بعض الاحيان وهي مفيدة جدا لإخراج الأضرار من الجسم، اذ يعتبر هواء المنجم صحيا جدا لمعالجة أمراض التنفس خاصة من قبل كبار السن الذين يرتادونه بكثرة لتحسين التنفس.
قاعات العلاج
وقد تم افتتاح وتجديد عدد من القاعات المخصصة لعلاج حلات التنفس في المنجم، منها غرف الاستنشاق ultra sound والذي يتميز باستخراج السوائل من الرئة بطريقة طبيعية.
وبغض النظر عن السياحة في المنجم، يعتبر المنجم مقصدا للسياحة العلاجية حيث يزوره الآلاف خصيصا لهذا الغرض والبعض منهم يرتاد فنادق فخمة مجاورة ويكتفون بالعلاج داخل المنجم.
ادرج هذا المنجم عام 1987 ضمن قاعة التراث الحضاري والعالمي لمنظمة اليونسكو لما يتميز به من خصائص فريدة على مستوى العالم ولما يقدم من لمحة مفصلة عن تاريخ التعدين العالمي بدءا من اولى مراحله في القرن الرابع عشر عندما بدأ العمل في هذا المنجم وصولا الى عام 2007 عندما توقف العمل فيه، وذلك للحفاظ على أهميته وعدم استخراج الملح كله.
كما تشاهد خلال جولتك في المنجم لوحات حية منها قاعة تشرح لك ما كان يعانيه عمال المناجم من وجود جيوب الميثان بين الصخور فتسمع وانت داخل القاعة صوتا رمزيا كصوت الانفجارات التي كانت تحدث بداية القرن الثالث عشر داخل المنجم.