محطات سياحية
بقلم: يوسف عبد الرحمن
[email protected]
مدينة صغيرة في الشمال الإنجليزي (أصولية - يمينية - حچرة - متشددة) اسمها ناتسفورد، (هادئة - حالمة - جميلة - قديمة - تراثية - حضارية).. كيف؟هذا ما سنعرفه في هذا التحقيق المختصر عنها وعن تاريخها القديم وقراراتها الحضارية الجديدة.. عند زيارتي لها اكتشفت ان الكثير مر بها ولم يكتب عنها رغم أن شعبها «ودود مع السياح» ورغم ما لصق به عبر التاريخ من اتهام بـ«التوحد» والبعد عن كل المظاهر الحضارية والتمسك بالماضي التليد «والتزمت» غير المعلن!اليوم في هذه الجولة سآخذكم إلى ناتسفورد «الحچرة» باللهجة الكويتية، أي المتزمتة المتشددة الصعبة، لكنني أراها بعد الزيارة مدينة محافظة على تقاليدها العريقة وماضيها القديم، هل تحب عزيزي القارئ ان تتعرف على قصة هذه المدينة القادمة لكم من أعماق التاريخ الإنجليزي؟تعال معي في محطة سياحية جديدة من مدينة «تعادي الرومانسية».. كيف؟
في صبيحة يوم الجمعة الماضي خرجت من مانشستر، وتحديدا من محطة بيكاديلي كالعادة واشتريت تذكرة بـ 7.30 باوند واتجهت بقطاري الى ناتسفورد وبعد 44 دقيقة وصلت اليها بعد ان توقف القطار 6 مرات في بلدات قبلها، وأعتقد أن الناس تستقل القطار معتبرة إياه كالباص، والميزة انك لا تقابل إشارة ولا زحمة، فالطريق سالك.. هذه المدينة الهادئة كحال المدن الانجليزية العريقة كانت عبر التاريخ تشكل الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس! وكانت لها الصدارة في إعطاء اللاجئين إليها حقوقا لا يحصلون عليها في بلدانهم الأصلية، ما جعل هذه المدن «قبلة» للأفواج المهاجرة الباحثة عن الأمن الاجتماعي والمستقبل الواعد.
ناتسفورد مدينة عريقة تقع في الشمال الانجليزي تركن الى تاريخ قديم جعلها في قمة التاريخ المحافظ على الجذور، فقبل 220 سنة عرفت هذه المدينة بـ «تزمتها» الزائد على الحد الأوروبي وفي مقاييسهم فهي المدينة المحافظة التي لا تشجع مواطنيها وساكنيها ولا القادمين إليها من السياح على ممارسة الرومانسية.. وكيف ذلك فعليا؟جرى عرف بها الا يتماسك رجل وامرأة متأبطي الذراع في شوارعها! ما جعل مدينة ناتسفورد (محافظة) أكثر من اللازم في منظورها!هكذا عرفت ناتسفورد في مقاطعة الشمال الإنجليزي (شيشير).. لكن المجلس البلدي في عام 2014 أصدر قرارات تلغي هذا الإجراء الذي يقدر عمره بأكثر من 220 سنة وهو يمنع «التصرفات الرومانسية»!ولهذا قصة أرويها لكم حسب ما فهمت من سكانها وما كتب في القليل عنها..
الليدي جاين ستانلي
من السيدة جاين ستانلي؟
هي سيدة من مواطني ناتسفورد وكانت تمثل في وقتها الطبقة الارستقراطية المسيحية، وبحكم سطوتها المالية حينذاك اشترطت عند بناء البلدة قبل 220 عاما ان تكون البلدة «محافظة» لا بل «متشددة»، وكيف ذلك؟طلبت مقابل تمويل بناء أرصفتها بـ 200 جنيه انجليزي ان تكون ارصفة المدينة ذات ممرات ضيقة لا تسمح الا بمرور إنسان واحد فقط، ولذلك عندما تزورها تشعر بأنك تزور «مدينة محافظة جدا» وحتى عندما «تمشيت» في ضواحيها وجدتها كالفرچان الكويتية القديمة متلاصقة والمساحات ضيقة وكأنك في أحد البلدان العربية التي لم يطلها التطوير والتوسع في الأرصفة والمباني!
من أجمل ما رأيت في ناتسفورد البحيرة والمنتزه والماء والخضرة
بعد قرنين من الزمان!
اليوم ناتسفورد بدأت تتنفس الصعداء بعد «قرارات جديدة» أصدرها المجلس البلدي من أجل تطوير المدينة وتغيير هذه الأفكار القديمة بقرارات تعطيها دفعة كبيرة من التطور الهندسي والمعماري في المباني والأرصفة والخدمات وفقا للمخطط الجديد الذي بدأ بالفعل تنفيذه ليعطي هذه المدينة نمطا جديدا من التوسع في الأرصفة ويسمح لهم بالتشابك بالأيدي إذا شاءوا!ولقد اطلعت بالفعل على تصريح لرئيس المجلس البلدي السيد مايكل جونز والذي صرح قائلا: انني أؤيد الحفاظ على تاريخنا الرائع ونريد أن نخلق فضاء يمكن ان يستمتع في ظله (سكان) ناتسفورد، ارثا ماضيا يمثلنا.
وهذه واحدة من المناسبات التي يمكن ان أذكر بها كي يستمتع كل سكان ناتسفورد سواء كانوا يسيرون أو لا ونجلب في ذات الوقت سياحا وزوارا للبلدة ويسمح للمحال التجارية بأن تزدهر وتتطور على اعتاب رقي استشراف مستقبل ناتسفورد الواعد.
طرفة تاريخية!
من جميل ما عرفت عن مدينة ناتسفورد ان الليدي جاين ستانلي نادرا ما كانت تمشي لأنها تركب في تنقلاتها «عربة فخمة في وقتها» تعتبر «رولز رايس بنتلي» في هذا الزمان او اكثر قياسا بالوقت والزمان وكانت تمسك بيدها عصا مذهبة وأثناء مشيها كان احد المارة امامها، ما جعلها (كما نقول باللهجة الكويتية تلشطه بعصاها، طالبة منه ان يفسح لها الطريق) ما جعله يرفض ويواصل السير قائلا لها: انت وضعت هذا النظام وعليك ان تحترميه ولم يتراجع عن قراره!واليوم عربتها وعصاها معروضتان في متحف البلدة.
حقيقة مغيبة
هناك كثير من الأفلام الانجليزية تم تصويرها في بلدة ناتسفورد بممراتها الضيقة وأرصفتها وحواريها وأزقتها ولم يشر للبلدة، واليوم ارشيف الأفلام القديمة فيه افلام ومسلسلات تناولت علاقات الحب والغرام في ناتسفورد منذ القرن الـ 19 وهي ارث يوضح حقيقة العادات والتقاليد في هذه المدينة المحافظة والصامدة حتى اليوم الا ان البلدية اليوم وقطاعات المجتمع المدني بالمدينة يقومون بإجراء «استفتاء» لمعرفة رأي سكان هذه المدينة العريقة، هل هم مع الماضي أم مع توسعة الأرصفة وفتح مسارات الحرية لإظهار الرومانسية وتشابك الأيدي والخواصر؟!كل المؤشرات تقول ان الناس باتجاه عكس الماضي وأتصور ايضا في ضوء رؤيتي ان ضغوط التجار تجعل الناس تصوت بـ«نعم» للانفتاح!
السوري والتركي!
قابلت في هذه البلدة المواطن السوري المهاجر والمقيم والحاصل على جنسية ناتسفورد واسمه «عمر» وقد عمل في الكويت بمدينة الاحمدي لمدة 15 سنة يقول الاخ عمر انه سوري هاجر الى ناتسفورد وحصل على الجنسية وانه لن ينسى في حياته فترة عمله في الكويت بمدينة الاحمدي التي أحب من خلالها «بيوتها وناسها، وقال: الكويتيون طيبون وأنا إعرف (طلال العيسى) ولا أدري ان كان حيا ام ميتا، لكنه انسان طيب وتاجر نزيه.
ويواصل: أحب الهامور والزبيدي ولا أحب الغبار، والبحر في الكويت جميل والصحراء في الشتاء رائعة، الورد والماشية والجمال منظر جميل انا احب الكويت وشعبها، وقد شكرته وسجل لنا كلمة في الفيديو يمكن الاستماع إليها وأوصاني ان اردت (أكلا حلالا) ذاك، مشيرا للمحل، انه اخ تركي اسمه عزيز سيوفر لك ما تطلب».
وبالفعل وجدت «كافيه» كل العاملين فيه اتراك حتى الصور التي تزين المحل مناظر من كل مناطق تركيا، اكلت عنده اكلا عابرا وواصلت العودة الى مانشستر ايضا بالقطار، متذكرا ان بريطانيا عبر تاريخها مثل اميركا أمة مهاجرة!وإلى جولة جديدة اخرى أترككم في أمان الله وحفظه، وتابعونا.
إقرأ أيضا