يرفع الجميع شعار «الوطنية» ويردده في المحافل والتجمعات، بل وصل الحال ببعضهم إلى حد توزيع صك الوطنية على من يوافق أهواءهم ويحرم من يخالفهم منه، فصار لزاما أن نعرف المفهوم ونبين المصطلح والصفات الواجب توافرها فيمن يحمله.
هل الوطنية أغان تسمع وأعلام ترفع وخروج في المناسبات؟ هل الوطنية أشعار تلقى وكلمات تقرأ؟ هل الوطنية خطابات رنانة صيغت بأسلوب مؤثر لدغدغة مشاعر الجمهور؟ أم إنها أعمق من هذا وأشمل؟
عرف بعضهم «الوطنية» بأنها إحساس بالارتباط والالتزام لأمة أو دولة أو مجتمع سياسي تعبر عن ولاء الإنسان وانتمائه إلى أرضه وحضارته وإرثه.
ولابد أن تنعكس هذه المشاعر والأحاسيس أفعالا ملموسة وتطبيقات عملية على أرض الواقع حتى يستحق الإنسان أن يكون وطنيا.
أسمى مظاهر الوطنية تضحية الإنسان بروحه في سبيل الدفاع عن وطنه والحفاظ على أراضيه، وهو شرف يناله من يصطفيه الله دون خلقه ويجزيه عليه أعالي الجنان، ولا يمكن لأي إنسان التشكيك فيمن قدم روحه فداء لوطنه، لكن الوطنية لا تقتصر على أوقات الحرب والقتال بل هي متاحة ومطلوبة في كل الأوقات وجميع الميادين.
إحسان الإنسان في عمله وإخلاصه فيه وتأديته على الوجه المطلوب منه، وعدم تهربه من الأعمال الموكلة إليه، وإتقان ما يكلف به، وتطوير أدائه (وطنية).
تربية الأبناء التربية السليمة على الالتزام بالقوانين وعدم خرقها، وتجسيد القدوة الصالحة أمامهم (وطنية). الحفاظ على الممتلكات العامة والحرص على نظافة المرافق (وطنية).
عدم التهرب من المسؤولية وتقديم المبادرات والسعي إلى رفعة البلد كل في مجاله، والتطوع بالأوقات والجهود وعدم انتظار المقابل لكل الأعمال (وطنية).
الدفاع عن المظلومين وأصحاب الحقوق، والمناداة بقيم الحرية والعدالة، وعدم الركون للظلم والاستبداد، والسعي لتطبيق القانون (وطنية).
الدعوة إلى الإصلاح ومحاربة الفساد والحرص على المال العام، والتصويت للمصلحين الذين يشهد لهم بالفكر والقوة والنزاهة في مختلف أنواع الانتخابات ودعمهم ومساندتهم (وطنية).
الحرص على الوحدة والبعد عن الفرقة، وتكريس فكرة التعايش تحت مظلة الوطن، ونبذ العنصرية بكل أشكالها الفئوية والقبلية والطائفية (وطنية).
رفع اسم الوطن في المحافل العلمية والثقافية والفكرية، والاجتهاد في التحصيل العلمي دون توقف، ونشر البحوث والدراسات التي من شأنها تقدم الوطن (وطنية).
عكس الصورة الحقيقية للمجتمع وتقديم الحلول لأبرز مشكلاته، والحرص على الحفاظ على مبادئه وقيمه ومعتقداته، وتأصيل الأخلاق التي جبل عليها في الأجيال القادمة (وطنية). مساندة المحتاج ونجدة الضعيف، والتكافل الاجتماعي وتقديم المساعدات ونصرة المستضعفين (وطنية).
إن مفهوم «الوطنية» عميق شامل لا يقتصر على شعارات تردد أو أعلام ترفع أو أشعار تلقى فحسب، ولا يكون للأشخاص أو للأفراد، بل هو انتماء وولاء للأرض والأمة والفكرة، تصدقه أفعال وممارسات، مشاعر وأحاسيس تترجم عمليا، أفكار وطروحات ترى نتائجها وتستشعر فوائدها، فيصب هذا كله في اتجاه رفعة الوطن وتقدمه وازدهاره واستقراره.
[email protected]