نستكمل مقالنا حول مقومات أقوات الأرض رباعية المصدر، وكما ذكرت سلفا أنه لولا تلك المقومات لما كانت للأرض أقوات، فكل خلق الله مكمل لبعضه البعض بصورة متشابكة ومعقدة فتبارك الله أحسن الخالقين، وذكرت في المقالين السابقين أن مقومات أقوات الأرض هي المادة السوداء والنسبة والتناسب أما ثالثا ورابعا فكما يلي:
ثالثا: التكرارية: لا شيء يحيا ويستمر إلا بتكرار نفسه أو فعله، والتكرار هدفه التجديد والاستمرارية والثبات على الفعل والعمل، وتعرف التكرارية على أنها تكرار الشيء وإعادته للتجديد في القدر والتقدم في الزمن وهو سنة حياتية ونبضها ودليل استمراريتها، وهو أساس لا غنى عنه من أجل البقاء، يقول الله عز وجل: (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ـ الفتح: 23)، والتكرار أساس تنظيم الكون والوجود والطبيعة وجسم الإنسان ويدخل في أدق التفاصيل الجمالية والعلمية في الكون، فسبحان الله جل جلاله، فعلى الصعيد الكوني نجد التكرار بشكل كبير ومتنوع تبعا للنظم، فعلى سبيل المثال تكرار الليل والنهار وشروق الشمس وغروبها ودوران الأرض حول الشمس ودوران القمر واختلاف أوجهه وتكرار الفصول الأربعة.. إلخ لقوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ـ يس: 38 ـ 40).
وصور التكرار كثيره لا حصر لها في الكون من أكبر خلق الله إلى أصغره، فكل شيء يعمل بالتكرار، والتكرار سر كل شيء جميل والخير من ورائه كثير.
فلولا التكرار لما تعززت الأقدار في النسبة والتناسب في الكون وفائدتها المنعكسة على كل شيء خلقه الله كما هو الحال بالنسبة للمادة السوداء والفائدة منها المنعكسة على إحياء الأقوات بشكل مستمر ما دامت حياة الدنيا قائمة، ولما عزز النظام الدقيق الصنع في العمل والفعل القائم عليه الكون بأكمله والذي لا حياة من دونه، ومن ناحية أخرى وعلى الصعيد الإنساني فالحكمة من التكرار تؤمن للبشرية الخير الكثير من نواح عدة إن كانت صحية بدنية اجتماعية.. إلخ ومنها إيجاد الحلول للمشكلات الحياتية من خلال ما تم تكراره والاتعاظ به عبر الزمن يقول الحق تبارك وتعالى: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ـ آل عمران: 137 و138) وقوله (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ـ فاطر: 43)، كما أن التكرار يعزز القيم والأخلاق والتفاعلات الاجتماعية وعلاج لجميع الاضطرابات النفسية وإصلاح النفس.
وتبعا لمقال «سر النبات في السرد القرآني»، نجد أن النبات محور قوتنا على الأرض وإن الحياة تحيا على كوكب الأرض بالنباتات، فله شأن كبير في فعله وعطائه ومنفعته وجماله الرباني فكلها فوائد للبشر (سواء للسائلين) فلولا التكرار في الليل والنهار والبناء والهدم والإنبات والهرم وغيرها من العمليات الحيوية لما كانت حياة على سطح الأرض، وجميع ما سبق هو في الحقيقة صنع إعجازي من لدن عزيز خبير الحكمة منه تهيئة العيش للإنسان على الأرض بنعم كثيرة من أجل الاستمرارية في عبادته التي هي الهدف الأكبر والأساس من خلق الإنسان وسائر المخلوقات. وإلى لقاء قريب لاستكمال مقالنا الأسبوع القادم بإذن الله.
family_science@