بيروت ـ اتحاد درويش
مع تسمية الرئيس سعد الحريري من قبل الكتل النيابية في الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا أمس، يعود الرئيس الحريري الى تولي منصبه من جديد كرئيس للحكومة للمرة الثانية في عهد الرئيس ميشال عون، بعد أن قدم استقالة حكومته بعد مرور ثلاثة عشر يوما على انطلاق الاحتجاجات الشعبية في 17 اكتوبر من العام الماضي والتي طالبت برحيل الطبقة السياسية الحاكمة وتحقيق الاصلاحات في البلاد على جميع المستويات.
بعد انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في أواخر اكتوبر 2016 وبعد شغور دام سنتين ونصف السنة في منصب الرئاسة، كلف عون سعد الحريري في ديسمبر من العام نفسه تشكيل الحكومة في ظل اتفاق عرف بالتسوية الرئاسية التي أدت الى خلط الأوراق على الساحة اللبنانية وتفكك قوى 14 آذار، وشكل الحريري ركنا اساسيا من اركان هذه التسوية الى جانب الرئيس عون وصهره جبران باسيل والتي رفضها جمهور تيار المستقبل، الا انها لم تدم طويلا نتيجة العلاقة المستعصية بين الحريري وباسيل، فكان ان أعلن الحريري الابن في ذكرى اغتيال والده في 14 فبراير 2020 عن فشل هذه التسوية وانها أصبحت من الماضي وبذمة التاريخ.
استمر الرئيس سعد الحريري رئيسا للحكومة لفترة ثلاث سنوات، وكانت حكومة العهد الأولى وحملت اسم حكومة «الى العمل»، وبعد نشوب خلافات عميقة مع تيار الرئيس عون ووسط احتجاجات شعبية عارمة انطلقت مع الانتفاضة الشعبية في اكتوبر الماضي ـ كما سبق ذكره ـ قدم الحريري استقالة حكومته، وعقب هذه الاستقالة تم تكليف حسان دياب برئاسة الحكومة في ديسمبر 2019 لكنه استقال اثر الانفجار الضخم الذي هز مرفأ بيروت وأسفر عن مقتل أكثر من 190 شخصا واصابة الآلاف وتدمير المناطق المحيطة به.
وبعد استقالة دياب تم تكليف السفير اللبناني في المانيا مصطفى أديب في 31 اغسطس الماضي لتشكيل الحكومة الجديدة بعد المبادرة التي قادها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وقضى أديب فترة أسابيع في محاولة اقناع الأطراف السياسية بالموافقة على اختياراته لكنها اصطدمت بتمسك الثنائي الشيعي بحقيبة وزارة المال، فاعتذر أديب عن مهمته في 26 سبتمبر الماضي، وكان من أبرز مهام هذه الحكومة انجاز الاصلاحات التي يدعو اليها المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية بهدف مساعدة لبنان من الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تعصف به.
لقد جرب لبنان كل انواع الحكومات منذ اتفاق الطائف الى اليوم والتي حملت تسميات مختلفة من حكومة «الوفاق الوطني» الى «حكومة الانقاذ الوطني» وحكومة «استعادة الثقة» و«الى العمل» وغيرها وغيرها والتي كانت تتشكل بحجة التوافق الوطني الذي ادى الى ما بات يعرف بالمحاصصات الطائفية التي أدخلت لبنان بالفساد الذي ارهق كاهل الدولة وأوصلها الى ما وصلت اليه من مديونية عالية ومن أزمات، فهل سيتمكن الرئيس سعد الحريري من تشكيل حكومة وتسهل له الاطراف التي سمته هذه المهمة في وقت أحوج ما فيه لبنان الى حكومة تنتشله من أزماته المتفاقمة على كل الصعد وبالتالي تكون حكومة «الفرصة الأخيرة» في ولاية الرئيس عون التي أصابتها تصدعات عميقة؟