حرك الكشف عن زيارة سرية قام بها وفد إسرائيلي إلى الخرطوم التكهنات بشأن تطبيع للعلاقات بين الجانبين، بعد تأكيد الرئيس الاميركي دونالد ترامب ومسؤوليه أن هناك دولا عربية وإسلامية أخرى ستقوم بالتطبيع بعد الإمارات والبحرين.
وأفادت مصادر في القدس طلبت عدم كشف هويتها وكالة فرانس برس أن وفدا إسرائيليا زار الخرطوم الأربعاء الماضي لبحث تطبيع العلاقات بين البلدين، مؤكدة بذلك معلومات أوردتها وسائل إعلام إسرائيلية.
وكشفت «يديعوت أحرونوت» الأوسع انتشارا بين الصحف الإسرائيلية عن هذه المحادثات السرية في الخرطوم، وكتبت «تم التوصل الى اتفاق بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي كان يعارض إبرام اتفاقية تطبيع مع إسرائيل»، لأن الحكومة الانتقالية «لا تملك سلطة التطبيع مع إسرائيل».
وأشارت الصحيفة إلى إعلان محتمل عن الاتفاق مع إسرائيل قد يصدر عن الرئيس الأميركي «في الأيام القليلة المقبلة»، على أن ينضم إليه كل من البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عبر الفيديو.
وفي الخرطوم، كشف مصدر حكومي سوداني لفرانس برس أن «وفدا مشتركا أميركيا إسرائيليا زار الخرطوم» والتقى البرهان وتباحث معه حول تطبيع العلاقات السودانية - الإسرائيلية.
وأعرب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن أمله في أن يعترف السودان بسرعة بإسرائيل، فيما صرح وزير الاستخبارات الإسرائيلية إيلي كوهين لوسيلة إعلام محلية أن إسرائيل قريبة جدا من تطبيع علاقاتها مع السودان.
وكان كوهين توقع هذا الصيف أن يكون السودان الدولة التالية التي ستقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهو ما تجلى في زيارات متبادلة، وآخرها زيارة أول وفد إماراتي رسمي إلى إسرائيل قبل ايام.
وفي الداخل السوداني، ترتفع أصوات منددة بالتقارب مع إسرائيل.
وقال الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني، أكبر الأحزاب المساندة للحكومة الانتقالية والذي يرتكز على خلفية إسلامية في بيان، إن إقامة علاقات مع دولة الفصل العنصري هو مماثل لإقامتها مع جنوب إفريقيا العنصرية قبل التحرير من الابارتهيد.
وأضاف «مؤسسات الحكم الانتقالية غير مؤهلة لاتخاذ أية قرارات في القضايا الخلافية مثل إقامة علاقات» مع إسرائيل، مؤكدا أن الحزب سيسحب تأييده لمؤسسات الحكم الانتقالي إذا أقدمت على ذلك.
وأشار الى أن محامي الحزب سيتقدمون ببلاغات أمام القضاء، لأن الخيانة ليست وجهة نظر تحميها الحرية.
مرحلة انتقالية
ويعيش السودان منذ الإطاحة برئيسه السابق عمر البشير، مرحلة انتقالية يتقاسم فيها عسكريون وقادة الحركة الاحتجاجية إدارة البلاد لحين إجراء انتخابات عامة مقررة في العام 2022.
وتواجه الحكومة الانتقالية صعوبات اقتصادية في ظل انخفاض حاد في قيمة العملة المحلية (الجنيه السوداني)، الأمر الذي زاد من الأصوات المنادية برفع العقوبات التي فرضتها واشنطن على السودان منذ تسعينات القرن الماضي بعد إدراجه على قائمة «الدول الراعية للإرهاب».
ويقول اختصاصي السودان في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي مارك لافيرنيه لوكالة فرانس برس «لم يعد السودانيون يحتملون. الفيضانات، التضخم، انقطاع التيار الكهربائي... البلاد منهكة والحكومة عاجزة».
ويلفت الباحث إلى أن نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي»، يؤيد التقارب مع إسرائيل.
وفي خطوة اعتبرها المحللون مؤشرا إلى تحركات جارية في الكواليس، أعلن الرئيس الأميركي ترامب الاثنين الماضي أن واشنطن تستعد لشطب السودان عن قائمتها السوداء للدول الراعية للإرهاب، لقاء تسديد الخرطوم 335 مليون دولار لضحايا اعتداءات اتهم بها السودان خلال حكم الرئيس المعزول عمر البشير واستهدفت أميركيين.
وحكم القضاء الأميركي على السودان بدفع هذه التعويضات بعدما اتهم البلد بدعم متطرفين فجروا السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، ما أدى إلى مقتل 224 شخصا وجرح نحو 5 آلاف آخرين.
وأدرج السودان منذ عام 1993 على اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، بعدما استقر فيه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وتخضع البلاد بموجب ذلك لعقوبات اقتصادية.
وفي حال شطب السودان عن القائمة السوداء الأميركية، فقد يجتذب استثمارات غربية على أمل تحريك اقتصاده.
لكن دراسة لمعهد بروكينغز الذي يتخذ مقرا له في واشنطن، لفتت إلى أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يبقى «لعبة خطيرة»في ظل المرحلة الانتقالية في السودان.
واصطدم الإعلان عن مكالمة بين نتانياهو والبرهان في مطلع العام برفض من قسم من الرأي العام السوداني، لا سيما في الأوساط الإسلامية.
ورأى معهد بروكينغز أنه «إذا اعتبر التطبيع نتيجة لاستغلال اليأس الاقتصادي والإنساني، فهذا يهدد بإثارة المزيد من الاستقطاب في الرأي العام وتسريع تراجع الدعم للسلطات الانتقالية»، مؤكدا على وجوب إعطاء الأولوية لـ «انتقال ناجح» وليس لـ «تطبيع متسرع».