تنهمك رنا في إزالة أعشاب نبتت بين حجارة جدران قلعة الحصن في وسط سورية، إحدى أبرز القلاع الصليبية حول العالم التي لم تسلم من المعارك خلال سنوات الحرب مع أنها مدرجة على قائمة التراث العالمي.
وتطوع أكثر من 400 شخص من طلاب جامعيين وسكان المنطقة لإزالة أعشاب ونباتات يابسة وكل ما من شأنه أن يحترق داخل القلعة ومحيطها في ريف حمص الغربي، خشية من أن تصلها ألسنة النيران بعدما أتت حرائق على مساحات واسعة خلال الأسابيع الأخيرة في مناطق مجاورة.
وتقول رنا جريج (32 عاما) لوكالة فرانس برس «هذه القلعة هي بيتنا، هنا ذكرياتي وذاكرتي.. أخاف عليها» من الحرائق.
ويوضح ناجي درويش، المسؤول في جامعة الحواش الخاصة، التي تولت تنظيم المبادرة التطوعية بينما ينتشر طلابه في أنحاء القلعة الواقعة على تلة مرتفعة «خشينا على قلعتنا من الأعشاب والأشجار اليابسة التي تراكمت خلال سنوات الحرب».
ويعود تاريخ بناء القلعة الكاثوليكية الى الفترة بين العامين 1142 و1271. وتعد مع قلعة صلاح الدين القريبة منها، واحدة من أهم القلاع الأثرية في العالم، بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو).
وشهدت القلعة التي تتوسط عشرات البلدات على معارك ضارية، وشكلت آخر معقل لفصائل المعارضة في ريف حمص الغربي على مقربة من الحدود اللبنانية، قبل أن تتمكن قوات النظام من السيطرة عليها في مارس 2014. وتروي مديرة القلعة نعيمة محرطم بينما تواكب بفرح عمل المتطوعين، أن القلعة أقفلت أبوابها العام 2012، بعد عام من اندلاع الانتفاضة في البلاد، وأعيد فتحها العام 2014، «لكنها لم تكن جاهزة لاستقبال الزوار» جراء الأضرار التي لحقت بها.
وتحولت القلعة في تلك الفترة ساحة لقتال عنيف، بعد تمركز بعض الفصائل داخلها، وتسبب القصف الذي تعرضت له بتدمير بعض الأقواس والواجهات وألحق أضرارا بزخرفات تزين الأعمدة الضخمة داخل القلعة.
وبعدما فتحت القلعة أبوابها مجددا إثر أعمال ترميم طالت بعض أجزائها، تدفق الزوار تدريجا حتى بدء تفشي وباء كوفيد-19.
وتقول محرطم لوكالة فرانس برس «زارنا 23 ألف زائر العام 2019، لكن وباء كورونا أعاد العزلة إلى القلعة التي لم يدخلها سوى خمسة آلاف زائر» خلال العام الحالي.
وقسمت المديرية العامة للآثار والمتاحف الأضرار التي لحقت بالقلعة إلى مستويات عدة، أبرزها ما تعرضت له زخارف قاعة الفرسان الشهيرة والكنيسة التي تعد أقدم جزء في القلعة، وفق رئيس شعبة الهندسة في الموقع المهندس حازم حنا.
ورغم توقف معظم بعثات التنقيب الأجنبية عن زيارة سورية بعد بدء الحرب، عملت البعثة المجرية في نهاية العام 2016 على ترميم برج الكنيسة وبعض الأجزاء الداخلية في القلعة. وأدرجت منظمة يونيسكو القلعة على قائمة التراث العالمي للبشرية العام 2006، لتصبح واحدة من ستة مواقع سورية مدرجة عليها، أبرزها المدينة القديمة في كل من دمشق وحلب وآثار تدمر.
وفي العام 2013، أدرجت المنظمة الدولية المواقع الستة على قائمة التراث الانساني المهدد بالخطر، في خطوة عكست المخاوف المتزايدة من تعرضها للدمار على وقع النزاع الذي لم تسلم المعالم والمواقع التاريخية من تبعاته.