بيروت - عمر حبنجر
الساعة في لبنان، تراجعت ساعة إلى الوراء، اعتبارا من منتصف الليل الفائت، تاريخ بدء العمل بالتوقيت الشتوي، فيما يعد الرئيس المكلف سعد الحريري الساعات لتشكيل حكومته، بعد إزالة الكثير من الموانع والعقبات، مستندا إلى حماسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وإلى تداعي الوضع الاقتصادي إلى درجة الانهيار، فضلا عن المبادرة الفرنسية، والمتابعة الأميركية.
من هنا، كان التفاؤل، القاسم المشترك بين الحريري ومعظم الكتل النيابية، عدا قلة ظلت على تشاؤمها، فبدت خارج سرب الحاكمين ومعها قوى الانتفاضة والثورة، ما يخشى معه عودة «حليمة إلى عادة المحاصصة القديمة».
النائب هادي أبوالحسن، عضو اللقاء النيابي الديموقراطي برئاسة تيمور جنبلاط، تمنى على المعنين أن لا يسهلوا أمور الحكومة في بيت الوسط ويصعبوها في بعبدا، وشدّد على ضرورة إنجاز الحكومة قبل الانتخابات الأميركية.
والآن أمام الحريري عدة صيغ حكومية، فهو يطرح حكومة اختصاصيين مستقلين، مع مرونة في العدد، وعدم التشبث بالصلاحيات الاستثنائية، التي تنطوي على عدم ثقة بمجلس النواب. وهو ما لا يريده أو يرضى به مهندس «التسوية الحكومية» الجديدة بين عون والحريري وثالثهما جبران باسيل، وهو الرئيس نبيه بري. وحكومة تكنو- سياسية، اقترحها الرئيس نجيب ميقاتي وتبنتها كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) في الاستشارات من 24 وزيرا، ولكل وزير حقيبة وزارية واحدة، وهذه يعتبرها الحريري «فضفاضة» ولا تتناغم مع المبادرة الفرنسية، التي تلحظ تأليف حكومة رشيقة، لا يتجاوز عدد وزرائها الـ 14 وزيرا بمن فيهم رئيس الحكومة، الذي ليس ملزما بأي منها، سوى من باب الاستئناس برأي النواب، خصوصا بعد جرعة الدعم التي تلقاها من واشنطن بلسان مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر الذي أعلن أن بلاده لا تكترث لمن يكون رئيس الحكومة في لبنان، وكل ما يهمها هو أن تحقق هذه الحكومة الإصلاحات وأن تحارب الفساد، فإذا أحسنت تحصل على المساعدات. ومعنى ذلك أن لا شروط أميركية على الحريري سوى تطبيق الإصلاحات وتنظيف مؤسسات الدولة من وباء الفساد الذي يضاهي فيروس كورونا فتكاً بمقومات الدولة اللبنانية.
المصادر المعنية في بيروت تتوقع المزيد من المتابعة الأميركية للأوضاع اللبنانية إن من أجل تنشيط مفاوضات ترسيم الحدود المائية مع اسرائيل، التي تلعب دور الوسيط بها، تحت رعاية الأمم المتحدة أو لتغطية انحسار الدور الفرنسي المباشر وتفضيل باريس المتابعة عن بعد، منذ حادثة قتل فرنسي مسلم أستاذ مدرسة بعد عرضه رسوما مسيئة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتصريحات المعادية للإسلام التي بدرت من الرئيس إيمانويل ماكرون شخصيا «صاحب المبادرة» الأمر الذي أفضى إلى كسر موجة التعاطف العربي والإسلامي مع باريس، خصوصا في لبنان، حيث سجل إحراق العلم الفرنسي في مدينة طرابلس، ربما لأول مرة منذ الثورة الجزائرية، كما تلقى الجيش اللبناني معلومات عن اعتزام محتجين غاضبين من تصريحات الرئاسة الفرنسية اقتحام مقابر الفرنسيين في ميناء طرابلس وتحطيمها. فتوجهت قوة معززة لحماية المكان.
وانتشرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمقاطعة البضائع الفرنسية.
على أن ذلك لن يؤثر على الخطة الاقتصادية الفرنسية التي تضمنتها مبادرة ماكرون في لبنان، ويقول الرئيس الحريري، إن خطته هي الورقة الفرنسية ولن يحيد عنها، وقد تكون البيان الوزاري لحكومته، كما أبلغ الحريري رئيس التيار الحر جبران باسيل عزمه حصر التفاهم مع رئيس الجمهورية.
وقد زار الحريري بعبدا امس، ووضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في أجواء الاستشارات والبحث في موضوع تشكيل الحكومة.
وبعد اللقاء، الذي استغرق نحو الساعة اكتفى الرئيس المكلف بتصريح مقتضب أمام الصحافيين قائلا: «جلسة طويلة مع الرئيس والأجواء إيجابية، ولن أجيب عن أي سؤال».
وكانت بعبدا استبقت زيارة الحريري برفض المداورة الجزئية بالوزارات وباشتراط تسمية الكتل النيابية لوزرائها، أي بخلاف رؤية الحريري الذي وعد باستثناء وزارة المال من المداورة وإبقائها مؤقتا مع الثنائي الشيعي.
مصادر بعبدا تكتمت على تفاصيل اللقاء، مكتفية بالقول إن الجو كان ايجابيا ولم تكشف عما دار حول شكل الحكومة وعددها وتوزيع حقائبها، ومداورة الحقائب.
«ويبدو في جعبة الرئيس المكلف الكثير مما هو جديد على سيناريوهات تأليف الحكومات، وكانت أولى خطواته، تقويض قاعدة زيارة الرئيس المكلف لرؤساء الوزراء السابقين، فور صدور مرسوم تكليفه، معتمدا الاتصال الهاتفي بالرؤساء لأول مرة، من قبيل الحرص على التباعد المرتبط بفيروس كورونا، ولو أن هناك من قرأ في هذه الخطوة، تجنبا من سعد الحريري لزيارة رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب.
ويبدو للنائب زياد حواط عضو تكتل «الجمهورية القوية» أن الرئيس الحريري حاصل على ثلاثة أرباع الضوء الأخضر من الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، في وقت يسعى رئيس المجلس نبيه بري الى تشكيل الحكومة في أسرع وقت.
في هذه الأثناء هبط سعر الدولار في السوق السوداء من 8000 الى 6500 ليرة للدولار الواحد، وعلق النائب جميل السيد على هذا الهبوط واصفا إياه بـ«السعدنة المالية».
وقال: «البسطاء يشترون الدولار عند الارتفاع ويبيعونه عند الانخفاض وحيتان مصرف لبنان كالمنشار يأكلون دولار الفقير على الطالع والنازل».