al_kandri@
في هولندا تم افتتاح فندق خمس نجوم عام وذلك عام 2007م ليصبح إحدى الوجهات الجاذبة للسياح، قد تبدو المعلومة لوهلة ليست ذات أهمية، إلا أن الجدير بالذكر أن هذا الفندق هو عبارة عن سجن يحوي 150 زنزانة تحولت إلى 36 غرفة و4 أجنحة خاصة اسمها «المدير» و«المحامي» و«السجان» و«القاضي»، بالإضافة إلى صالات رياضية ومطاعم وحديقة، فكرت وأنا أقرأ هذا الموضوع في الشعور والحالة النفسية لمن يقرر قضاء أيام في هذا الفندق ذي الخمس نجوم!
تلك الغرف (الزنازين) والأجنحة الملكية تروي ذكريات دفينة لسجين أو مجرم، الجدران دفتر يومياته ينثر عليها همومة، والأرض تلفظ أنفاسه وآهاته، النافذة الصغيرة منفذ النور والأمل، قصة هذا السجن هو تجسيد لواقع الكثيرين ممن يوهمون الآخرين بسعادتهم وحياتهم الدافئة أو إنجازاتهم العظيمة، في حين أنهم أسرى في زنزانة القلق والاكتئاب واليأس، من يسلم عقله لفكرة أو كتاب أو شيخ دين أو تيار فقد أصدر على نفسه حكما بالحبس وسلم ذاته لجلاده، ومن يجاهر بآثامه كاشفا ستر الله عليه متفاخرا بلذة دنيوية زائلة يقبع متألما نادما في أحد أجنحة هذا السجن مهما تفنن باستعراض متعته لأنه متيقن بأنه لن يفلت من حكم قاضي السماوات، بعض هذه السجون الفخمة تتمثل بمنصب أو وظيفة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب توحي بالقوة والنفوذ والوفرة لا يلبث صاحبها إلا أن يجد نفسه في أحد أجنحتها الخاصة، العيش في الحياة بصورة تفوق قدرات الفرد وإمكاناته ليلفت الانتباه ويكسب اهتمام الناس هي صورة أخرى لسجن فخم قضبانه الديون والقروض.
الإسقاطات لا تنتهي لهذا السجن وإن بدا في ظاهره فندقا جميلا ذا خمس نجوم، وفي الحياة من تتخطفه المشكلات وتعصف به الالتزامات والضغوط المالية أو المسؤوليات الأسرية والعوارض الصحية قد يبدو سجينا مكبلا بهمومه، إلا أنه رابط الجأش عصي على متاعب الحياة، كلما نهشت منه الحياة نهشة يبتسم ويمضي موقنا بأن هذه الجراح سرعان ما ستلتئم، يعيش بأمله بالله، عتاده المبادئ والكرامة، ورغم جراحه الغائرة وكثرة جلاديه، إلا أنه يفيض على من حوله حبا ودفئا وسلاما.