- الفساد المالي والإداري أصبح مشكلة العصر حتى أقلق الدول والشعوب وأضحى ظاهرة تعاني منها جميع الدول
- مواجهة الفساد واجب المجتمع كله كل في موقعه وفق الأصول الشرعية والقواعد المرعية فإن البلاء إذا نزل عمّ الصالح والطالح فينا
أسامة أبوالسعود
أكدت خطبة الجمعة المعممة ان الإصلاح ومحاربة الفساد هو سبيل الأنبياء والمرسلين.
وأوضحت خطبة الجمعة، التي أعدتها لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة بقطاع المساجد بوزارة الأوقاف، أن الاعتداء على الأموال والممتلكات العامة والخاصة وقبول الرشوة وهدايا العمال واستغلال المناصب للمصالح الذاتية من صور الفساد الذي تحاربه الشريعة.
وشددت على أن الفساد المالي والإداري أصبح مشكلة العصر حتى أقلق الدول والشعوب وأضحى ظاهرة تعاني منها جميع الدول.
وبينت ان مواجهة الفساد واجب المجتمع كله، كل في موقعه وفق الأصول الشرعية والقواعد المرعية فإن البلاء إذا نزل عم الصالح والطالح فينا، وفيما يلي نص الخطبة:
حرمة الغش والفساد
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ـ آل عمران: 102)، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ـ النساء: 1)، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ـ الأحزاب: 70 ـ 71).
أما بعد، فيا معاشر المسلمين:
لقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، فقد أمر الله بالإصلاح ونهى عن الإفساد فقال: (وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ـ الأعراف: 142). ونهانا جل وعلا عن طاعة المفسدين فقال: (ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ـ الشعراء: 151 ـ 152). وأخبر سبحانه أنه لا يحب الفساد وأهله فقال: (إن الله لا يحب المفسدين ـ القصص: 77).
وجعل سبحانه الدار الآخرة للمصلحين فقال: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ـ القصص: 83).
وقد كان الإصلاح ومحاربة الفساد هو سبيل الأنبياء والمرسلين، قال شعيب عليه السلام (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ـ هود: 88). وقال صالح عليه السلام: (فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ـ الأعراف: 74).
إخوة الإيمان:
إن من أعظم صور الفساد ـ التي فشت في المجتمعات ـ الفساد المالي والإداري الذي أصبح مشكلة العصر، حتى أقلق الدول والشعوب، وأضحى ظاهرة تعاني منها جميع الدول، إنه أزمة أخلاقية، وخلل في القيم، وانحراف في السلوك، وضعف في مراقبة الله، فكم أعاق من تنمية! وأثر في المصالح العامة للشعوب!
ولقد اتخذ هذا الفساد صورا كثيرة ومظاهر وأشكالا متعددة، منها: الاعتداء على الأموال والممتلكات العامة والخاصة، وقبول الرشوة وهدايا العمال، واستغلال المناصب للمصالح الذاتية.
عباد الله:
لقد حاربت شريعتنا الإسلامية كل هذه الصور من الفساد من خلال نصوص كثيرة، فهي التي رسخت مبدأ «من أين لك هذا؟» كما ورد في الحديث الشريف «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه» (رواه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه وقال: حسن صحيح).
ودعت إلى مراقبة الله والخوف منه، وجعلت الإحسان أعلى مراتب الدين، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وحرّمت أخذ المال بالطرق المحرمة، فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة» (رواه البخاري).
ونهت عن الغش بكل صوره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا» (رواه مسلم).
ولعنت من أخذ الرشوة أو أعطاها، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي» (رواه أبو داود).
كما نهت عن استغلال المناصب للمصالح الشخصية، أو أخذ الهدايا عليها، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هدايا العمال غلول» (رواه أحمد وصححه الألباني).
قال البغوي، رحمه الله «وفي الحديث دليل على أن هدايا العمال والولاة والقضاة سحت، لأنه إنما يهدى إلى العامل ليغمض له في بعض ما يجب عليه أداؤه، ويبخس بحق المساكين، ويهدى إلى القاضي ليميل إليه في الحكم، أو لا يؤمن من أن تحمله الهدية عليه».
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المؤمنون:
إن مواجهة الفساد واجب المجتمع كله، فعلينا جميعا أن نتعاون على محاربة الفساد، كل في موقعه وفق الأصول الشرعية والقواعد المرعية، فإن البلاء إذا نزل عم الصالح والطالح فينا، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا» (رواه البخاري).
حمى الله الكويت وأهلها من الفساد وصوره وأشكاله، وجعلنا صالحين مصلحين.
هذا وصلوا وسلموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبدالله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وارض اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء المرضيين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق ولي أمرنا، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة، وأتم عليه الصحة والعافية يا رب العالمين.