أعوذ بربي من المخزيات
يوم ترى النفس أعمالها
يبدو أن صاحب هذا البيت قد ألمّ بسورة الزلزلة وبالتحديد قول البارئ عز وجل: (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) فاللهم اجعلنا ممن يأخذون صحائفهم بأيمانهم ولا تكلنا إلى أنفسنا فنضيع ونضل ضلالا بعيدا، أما صاحب البيت فهو: الحصين بن الحمام بن ربيعة الذبياني الغطفاني، وقد وردت ترجمته في عدد من كتب التاريخ والأدب وذكر الأصفهاني في أغانيه أنه كان سيد قومه من بني سهم بن مرة وذكر أنه صاحب الرأي فيهم وقائدهم ورائدهم ولقب بـ«مانع الضيم» وقد دخل ابنه على معاوية بن أبي سفيان أيام خلافته وقال له: أنا ابن مانع الضيم فعرفه ورفع مجلسه وقضى حوائجه، وهو صاحب البيت المشهور الذي يقول فيه:
نفلق هاما من رجال أعزة
علينا وهم كانوا أعق وأظلما
وقد تمثل بهذا البيت يزيد بن معاوية عندما وضع بين يديه رأس سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه، وفي هذه الأبيات يقول الحصين بن الحمام:
جزى الله أفناء العشيرة كلها
بدارة موضوع عقوقا ومأثما
بني عمنا الأدنين منهم ورهطنا
فزارة إذ رامت بنا الحرب معظما
ولما رأيت الود ليس بنافعي
وإن كان يوما ذا كواكب مظلما
صبرنا وكان الصبر منا سجية
بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
وقد قال الأصفهاني أيضا أن الحصين كان جاهليا وأدرك الإسلام واستدل على ذلك بقوله:
وقافية غير إنسية
قرضت من الشعر أمثالها
شرود تلمع بالخافقين
إذا أنشدت قيل من قالها
وحيران لا يهتدي بالنهار
من الظلع يتبع ضلالها
وداع دعا دعوة المستغيث
فكنت كمن كان لبى لها
اذا الموت كان شجى بالحلوق
وبادرت النفس أشغالها
صبرت ولم أك رعديدة
وللصبر في الروع أنجى لها
ويوم تسعر فيه الحروب
لبست ألي الروع سربالها
مضاعفة السرد عادية
وعضب المضارب مفصالها
ومطردا من ردينية
أذود عن الورد أبطالها
فلم يبق من ذاك إلا التقى
ونفس تعالج آجالها
وهذه بعض الأبيات وليست كلها وهي من فاخر الشعر ومختاره، وللحصين أخبار كثيرة في الحروب التي خاضها، وأترككم في رعاية الله.