بقلم: دانه العنزي .. باحثة في العلاقات الدولية
[email protected]
في أعقاب انتهاء الحرب الباردة- التي انتهت دون مواجهة عسكرية كبرى- سادت نبرة تفاؤلية بين النقاد بأن عصر الصراعات العسكرية على نحو عام، وحروب القوى العظمى أو الحروب العالمية على وجه الخصوص أمر قد عفى عليه الزمن.
وسيادة العصر النيوليبرالي قد عززت بدورها هذه النبرة، بالدرجة التي أصبح يروج فيها البعض بأن الصراع وأدواته في النظام الدولي قد انتقل من الساحة الجيوبولتيكية وهيمنة الأدوات العسكرية إلى الساحة الجيواقتصادية وسيادة الأدوات الاقتصادية.
سرعان ما تداعت تلك النبرة التفاؤلية مع اندلاع عدة صراعات مسلحة في التسعينيات كحرب كوسوفو لم تنته حتى الآن. ورغم ذلك، لا يزال لتلك النبرة التفاؤلية صدى واسع لغياب حروب بين القوى العظمى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
اندلاع حروب كبرى في النظام الدولي لها بواعثها الخاصة لم تتوافر على مدار أعوام منذ انتهاء الحرب الباردة.
الخبرة التاريخية لحروب القوى العظمى، تشير إلى ما يعرف بـ «فخ ثيودوسيوس» والذي فيه تنجر القوى العظمى المهيمنة إلى حرب طاحنة ضد القوى الكبرى الصاعدة بسبب خوفها من انتزاع الثانية لمكانتها المهيمنة.
تمتعت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة بقوة عسكرية ساحقة دون وجود نظير منافس لها وهذا بلا شك أهم البواعث الرئيسية لعدم اندلاع حرب كبرى.
بروز الصين القوي في الساحة الدولية مع اندلاع الأزمة المالية العالمية 2008، جعل الكثيرين يجزمون بأن النظام الدولي على أعتاب «فخ ثيودوسيوس» جديد بين الصين والولايات المتحدة، خاصة أن الأخيرة قد حولت معظم تركيزها الشامل لاسيما العسكري نحو آسيا لاحتواء المنافس الطامح في الهيمنة العالمية.
ومع ذلك، تباينت الرؤى ما بين من تجزم بأن هذا الصراع المحتدم سيفضي إلى حرب عسكرية كبرى، وما بين من يرى أن حسم هذا الصراع سيكون عبر الساحة الجيواقتصادية.
يمكن القول إن الرؤية الأولى أقرب إلى الواقع. تنخرط بكين وواشنطن في مسارات تصادمية عدة كالحرب التجارية والتكنولوجية وغيرها في إطار صراع محتدم على زعامة النظام الدولي.
يقف بحر الصين الجنوبي كأحد أهم مسارات هذا الصراع. والمشكلة هنا أن هذا المسار على وجه الخصوص لم تبد فيه الصين أي استعداد لتقديم تنازلات كما فعلت في «الحرب التجارية» على سبيل المثال، في ظل مواجهة شرسة مع واشنطن للحيلولة دون هيمنة الصين على البحر.
الهيمنة على بحر الصين الجنوبي ستقلب توازن القوى العالمي بين واشنطن وبكين رأسا على عقب. لا شك في أن الصين غير راغبة في إشعال حرب كبرى مع أميركا، كما يبدو أن إدارة بايدن غير راغبة أيضا، لكن في ظل إصرار الصين على الفوز بالبحر فالمواجهة العسكرية مع واشنطن شبه مؤكدة عاجلا أم آجلا، حتى في ظل العصر النيوليبرالى.
فقوة الصين حاليا لا يمكن مقارنتها بالاتحاد السوفييتي السابق حتى يمكن الجزم بأن الصراع بين القوتين سينتهي دون حرب عسكرية.