يحتاج استعداد أوروبا لقمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي السادسة في عام 2021 إلى النجاح في وضع سياسة أفريقية متناسقة بشأن الأمن والهجرة وتغير المناخ، تتجاوز التجارة وتوفر، على الأقل، فرصة للحوار مع الاتحاد الروسي، الذي يعاود الانخراط في أفريقيا، حسبما قال د.أليكس فاينز مدير برنامج أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (معهد تشاتام هاوس) في تقرير نشره المعهد.
وعقدت أول قمة روسية ـ أفريقية في منتجع سوتشي الروسي في أكتوبر 2019 وجذبت القمة 43 رئيس دولة أو حكومة وأكثر من 6 آلاف مشارك وممثلين إعلاميين من روسيا و104 من دول ومناطق أجنبية.
ونتج عن قمة سوتشي «منتدى الشراكة بين روسيا وأفريقيا»، المكلف بالإعداد للقمة الروسية الأفريقية الثانية في عام 2022.
وطلبت نحو 30 دولة أفريقية في مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (سادك) مساعدة روسية لمواجهة ڤيروس كورونا المستجد المسبب لمرض «كوفيد ـ 19»، وتلقت جزر القمر ومدغشقر إمدادات غذائية، وتلقت جنوب أفريقيا أجهزة لإجراء اختبارات لڤيروس كورونا.
والحقيقة هي أن التأثير الاقتصادي لڤيروس كورونا سيقوض بشكل كبير طموحات موسكو في أفريقيا وسيؤدي ذلك إلى تركيز أكبر على البلدان الرئيسية مثل جنوب أفريقيا، كما استضافت موسكو بشكل افتراضي قمة «البريكس» الثانية عشرة في نوفمبر الماضي، وتتطلع إلى تعميق الشراكة الدفاعية والنووية مع بريتوريا على الرغم من الانتكاسة الكبيرة التي أعقبت رحيل جاكوب زوما.
وأشار فاينز إلى أن الاتحاد الأوروبي وروسيا لديهما مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية، ومن الواضح أن هناك مجالات اهتمام بالأمن، من بينها الأمن البحري ومكافحة التطرف العنيف، والتي تتداخل مع بعضها البعض، مثل شمال أفريقيا (خاصة ليبيا في الوقت الحالي) ومنطقة الساحل أيضا، وكذلك خليج عدن وغرب المحيط الهندي وساحل شرق أفريقيا.
وأكدت المشاركة الأمنية الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومؤخرا في مالي وموزمبيق أهمية استمرار الحوار مع موسكو بالنسبة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه.
في الوقت نفسه، يتطلب هذا الحوار شفافية وثقة حتى ينجح، إلا أن بروكسل وموسكو تواصلان حاليا تعزيز المعايير والرؤى المتنافسة.
لى سبيل المثال، يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الحوكمة وبناء المؤسسات، وهو ما يتعارض أحيانا مع استراتيجية روسيا التي «بلا قيود» والتي تعتمد على المصالح الجيوسياسية والتجارية.
ويجب فضح الممارسات الروسية في أفريقيا علنا في بعض الأحيان، في أكتوبر 2019، أنهى موقع «فيسبوك» المنشورات المرتبطة بيفجيني بريجوزين، رجل الأعمال الذي يتردد أنه يقف وراء منظمة تأثير روسية والتي سعت بنشاط للتأثير على السياسة الداخلية لمجموعة من الدول الأفريقية.
وعلقت شركة فيسبوك ثلاث شبكات من الحسابات الروسية «غير الأصلية» التي استهدفت ثماني دول في جميع أنحاء القارة، وخاصة في أوقات الانتخابات، مثل: مدغشقر وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق والكونغو الديموقراطية وكوت ديفوار والكاميرون والسودان وليبيا.
وعلى مدار العامين الماضيين، ظهرت منظمات مرتبطة بروسيا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو جهود المراقبة في منطقة الجنوب الأفريقي، خاصة في انتخابات جمهورية الكونغو الديموقراطية وموزمبيق ومدغشقر، ويبدو أنها تستعد لاستمرار هذا النشاط في زامبيا في عام 2021.
وتعتبر تجربة فيسبوك بمنزلة تذكير بضعف التعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي، كما أدى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والصراع في شرق أوكرانيا إلى جعل العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ودول وسط وشرق أوروبا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومجموعة فيسيغراد التي تضم التشيك والمجر وپولندا وسلوڤاكيا، متشككين بشدة بشأن النوايا الروسية وإمكانية أي مشاركة بناءة مع موسكو.
ومع ذلك، هناك فرص أمام بروكسل وموسكو لاحتواء المخاطر وتقليل تكاليف أي مواجهة. ويمكن تحقيق ذلك جزئيا ليس فقط من خلال السعي إلى جعل القارة الأفريقية مسرحا جديدا للمنافسة الجيوسياسية والتجريب، ولكن أيضا من خلال تبادل المعلومات.
وهناك مجالات يمكن لروسيا من خلالها أن تعزز الشفافية، مثل الكشف عن عمليات النقل الخاصة بالدفاع من خلال تقديم تقارير إلى سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، كما أن هناك أيضا مجالا للتعاون مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن العقوبات المفروضة على جمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومالي وليبيا، فضلا عن قضايا أخرى، مثل حفظ السلام.
ويمكن للمشروعات المشتركة في تطوير البنية التحتية والشراكات بين القطاعين العام والخاص أن توفر فرصة للشراكات مع دول الاتحاد الأوروبي في المستقبل ولكن ستكون هناك حاجة إلى الثقة والشفافية.
واعتبر مدير برنامج أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطانية أنه لا ينبغي السماح للمواجهة الأوسع بين روسيا والاتحاد الأوروبي بوقف كل الحوار مع روسيا حول مصالحهما ومخاوفهما المشتركة في أفريقيا.
ويمكن أن تكون أفريقيا (جنوب الصحراء على وجه الخصوص) منطقة لا تشهد تنافسا بين الجانبين وقد تجد موسكو وبروكسل مجالات مناسبة للتعاون، إما على المستوى الثنائي أو من خلال مجلس الأمن وغيره من المنظمات الحكومية.
وعندما تكون هناك تناقضات تصادم واضحة، مثل التدخلات أثناء الانتخابات من قبل منظمات التأثير على الإنترنت أو الارتباطات الأمنية المركزة التي تتجاهل الحقوق وقضايا الحوكمة، يجب توضيح ذلك، ويمكن أن يوفر كلاهما لروسيا مزايا سياسية قصيرة الأجل لكنهما ليسا مزايا مستدامة طويلة الأجل.
وسيكون هناك تصاعد للمنافسة الجيوسياسية في أفريقيا والتي تشمل العديد من اللاعبين الإقليميين والخارجيين في العقد المقبل، وتقع على عاتق الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي مسؤولية رئيسية لإدارة مصائرها وكيفية مشاركتها على الصعيد الدولي.
وتعمل روسيا والاتحاد الأوروبي على زيادة مشاركتهما واهتمامهما بالقارة، وإذا كانا يريدان تجنب المزيد من التوترات الجيوسياسية، فإن إدارة خصوماتهما ورؤاهما ستكون بنفس أهمية استشارة شركائهما الأفارقة بشأن استراتيجياتهما.