يلزمنا اليوم توضيح التحدي الجديد الذي نواجهه والذي يستدعي وعيا عاليا بالمكتسبات الدستورية، وبمراعاته نبني صرح الرقابة الشعبية الحقيقية، وأقتبس هنا من المفكر القطيفي المتألق محمد المحفوظ إذ يقول: لا شك أن بناء دولة مؤسسية تعتمد على المؤسسات والأطر الإدارية الحيوية وأبناءها يتنافسون بسلاح الكفاءة لتحقيق مصالح حاضرها ومستقبلها مطلب وجودي، إذ نحتاج دولة تتجاوز كل نقاط التوتر التاريخية والطائفية والعرقية والقبلية، من أجل بناء وحدة وطنية حقيقية، قوامها القانون الذي لا يفرق بين مواطن وآخر.
إن الدولة ككيان مؤسسي لها حضور ثابت في الجغرافيا والتاريخ والحضارة، كما أنها كيان دائم بصيغ متطورة باستمرار ولكي تصبح علاقة المجتمع والدولة متكاملة، فيقوم المجتمع بمؤسساته الذاتية بدور البناء والتطوير وتقوم الدولة بهياكلها المختلفة بعمل الإنجازات، فانه من الضروري أن يكون نظام العمل والعلاقة بين الطرفين وفق محددات الاحترام والتعاون المتبادل بكل الأبعاد والآفاق.
لذلك، فان غياب هذه المحددات يكشف عن عجز واقعي عميق لاسيما في العنصر الوطني وتقلص الشعور بالانتماء إلى الوطن الواحد والهوية الوطنية المشتركة لديهم، لذلك كانت الوحدة الوطنية أيقونة النجاح ومفتاح التطور.
إن الانتماء الذي يسهم في تطوير الوطن هو ذاك الذي ينير حركة الفرد والمجتمع عبر إدارة جميع الخصوصيات ودمجها في بوتقة واحدة داخل نطاق الحياة ذات الجهود المشتركة، ولذلك فإن الانتماء الفكري والسياسي من المستحيل أن يتحول إلى وطن بديل أبدا.
إن الذي يضمن استمرار التنوع المجتمعي والتعدد الثقافي هو وجود المجتمع المتضامن، وهذا المجتمع يحتاج لذلك إلى ما نسميه «القضية الوطنية» والتي تكون مورد اهتمام الجميع وتنتظر تفاعل مختلف الفئات المتعددة في المجتمع، وهذا يعني أن هذه الفئات في علاقاتها مع بعضها يجب أن تتجاوز المصالح الخاصة والفئوية لتنطلق في رحاب المواطنة.
إننا نأمل أن تقوم الدولة بدورها المتمثل في توفير المناخ المتوافق والصحي القائم على قيم التعايش وحمايتها من كل الأخطار التي تهدد انتظام وتوازن التعايش في المجتمع، وذلك عبر تطوير الوعي والفكر والحوار والتفاهم والتضامن وتطوير وسائل الإدارة والتنظيم الاجتماعي والنهوض بالطاقات، وبدون ذلك كله سيتدهور الوعي الاجتماعي ويتحول من وعي وطني إنساني سليم، إلى خداع إثني أو مناطقي أو قبلي أو طائفي. وبهذا تتلاشى وحدة المجتمع وتتحول الدولة إلى ساحة نزاعات مجتمعية وأزمات سياسية متكررة.
إن تكرار الهرج والمرج تسبب في بطء عجلة التنمية، لاسيما في ظل عالم مازال لم يتعاف بعد من آثار وباء كورونا الذي عصف بالنمط الإيجابي للحياة، ولذلك فإن الوفاق السياسي حق مكتسب للشعب وتحقيقه واجب وأمانة وصونه واجب مقدس.