بقلم:المحامي إبراهيم محمد الكندري
أثناء احتلال بريطانيا للهند، عانى جنودها من كثرة انتشار أفاعي الكوبرا، فقرر الجيش البريطاني تخصيص مكافأة مالية لكل كوبرا يحضرها أي شخص لقتلها، فقام الهنود باصطيادها في الغابات والساحات وكل الأماكن التي تتواجد فيها للحصول على المكافأة، وأصبح الموضوع مصدر رزق للكثير منهم، واستغل بعض الخبثاء هذا الأمر، فقاموا بتربية الأفاعي وإنشاء المزارع لتوليدها وتربيتها ثم أخذها إلى الجيش البريطاني للحصول على المكافأة، وأصبحت تجارة رابحة لهم، إلى أن اكتشف البريطانيون هذا الأمر فقرروا فجأة إلغاء هذه المكافأة.
وإزاء ذلك، قام الخبثاء برمي الأفاعي وتركها في الغابات، فازدادت أعدادها، وتفاقمت مشكلة انتشارها وخطرها على البيوت والمدن والقرى والبشر.
فبدلا من أن تحل المكافأة تلك المشكلة، وجدناها زادت من حجم المشكلة، ولهذا سميت بنظرية «أثر أو تأثير الكوبرا».
وقد عانت فنزويلا أيضا من مشكلة كثرة الفئران وانتشارها، فقررت تخصيص مكافأة لكل رأس فأر يتم اصطياده، فقام الخبثاء بتربيتها وتوليدها للحصول على المكافأة، فبدلا من الحدّ من انتشارها زادت أعدادها وأحجامها.
وعانت دول أخرى عديدة من الأثر ذاته، فبعض الحلول التي وضعتها للحدّ من المشاكل والمخاطر زادت من المشكلة سوءا وانتشارا وخطرا.
وفي الكويت، أقرت الدولة للمطلقة معونة اجتماعية تقدم إليها شهرياً لدعمها في حياتها بعد الطلاق ولحمايتها من الوقوع في فخّ الحوج وما يصاحبه من آثار سلبية على عفتها وسمعتها، فانتهز البعض ذلك بأن طلقوا زوجاتهم، لتقوم الزوجة بتقديم شهادة طلاقها لوزارة الشؤون الاجتماعية لصرف المعونة لها ويقوم الزوج بعد ذلك بإعادتها إلى عصمته خلال العدّة دون إثباتها رسميا في الكويت أو إثباتها خارج الكويت، وتستمر هي في قبض المعونة الاجتماعية شهريا وهي في ذمة زوجها تنجب منه أولاداً بعد أولاد.
واحسبوا كمّ المبالغ التي دفعتها الدولة إلى المطلقات ورقاً والزوجات واقعاً وهن لا يستحققن شيئاً.
كذلك، أقرت الدولة بدل إيجار للمتزوجين حديثا إلى حين تخصيص بيوت حكومية لهم لتخفيف عبء غلاء إيجارات الشقق إلى حين تسلمهم بيوتهم الحكومية الذي بدأ وللأسف الشديد انتظاره يطول، اذ أصبح الانتظار ـ خصوصا هذه الأيام ـ يصل الى أن يصبح المواطن جداًّ!
وأخذ الكثير منهم وللأسف الشديد بالتواطؤ مع بعض موظفي الدولة بالسكن في بيوت والديهم دون إيجار وتقاضي بدل إيجار من الدولة وهم لا يستحقونه.
وبعد تحرير البلاد من الغزو العراقي الغاشم وترضية للشعب وتخفيفا من الأضرار التي حاقت بالمواطنين جراء الغزو، قامت الدولة بإسقاط جميع القروض الاستهلاكية على المواطنين، وكذا أقساط قروض البيوت الحكومية، ومنح المواطنين وثائق ملكية لهذه البيوت.
كذلك قامت الدولة بتثمين بيوت جزيرة فيلكا بعد أن تضررت مساكنها أشد الضرر لكي يجد أصحابها بديلا عنها، لكن بدلا من أن يساعد ذلك بتعويض المتضررين من المواطنين ويعيد إليهم عافيتهم المادية قاموا ببيع بيوتهم الحكومية بعد ان استملكوها وقاموا بشراء بيوت جديدة في المناطق الداخلية، الأمر الذي أدى الى استغلال ملاك وتجار العقارات وقاموا بزيادة أسعار الاراضي والعقارات السكنية بصورة منعت وحرمت الشباب من شراء أراض لبناء بيوت الزوجية عليها.
فبدلا من التمتع بالسكن في بيوتهم دون دفع أقساط بعد أن أسقطت الدولة عنهم أقساطها، وجدنا استغلالهم للمنحة والهبة المقدمة لهم والموهوبة إليهم، فأخذوا يضاربون بأسعار بيوتهم وترتب على ذلك زيادة أسعار الأراضي والعقارات بصورة خيالية لم يستطع الشباب البادئ لحياته الزوجية شراءها، وحتى إيجارات الشقق تصاعدت، فلم يعد الراتب يكفي للإيجار ولا يسدّ حاجته واحتياجات صغاره حتى يكبروا.
وأصبح المواطن الصالح البسيط الذي لم يحظ برعاية سكنية قبل الغزو يُطحن ويُطحن في سبيل توفير الحياة الكريمة لأهله وأولاده.
هكذا أصبح البعض «كوبرا» في استغلال امتيازات وحقوق أقرتها الدولة لحل مشاكل مالية وصعوبات مادية يواجهها أفراد الشعب، فاستغلها البعض، وبدلاً من أن تُحلّ المشكلة ازدادت تفاقما وحجما.
ولم تتوقف هذه النظرية عند هذا الحد، فالبعض استغل قانون التأمينات الاجتماعية للحصول على تقاعد طبي مبكر، فابتكر الأمراض وزوّر الشهادات الطبية في سبيل الحصول على راتب تقاعد طبي وهو سليم.
وعند صدور قانون دعم ذوي الاحتياجات الخاصة واقرار حقوق ومميزات من رواتب ومخصصات وسيارات وممرض وسائق وبدل مالي لتهيئة المسكن بما يحتاجه المعاق من معدات وأدوات ليعيش حياة سعيدة سهلة شأنه شأن المعافى، انتهز البعض ـ وللأسف هم كثر ـ وسارع الى الادعاء بإعاقته وزوّر التقارير الطبية لإثبات ما ادعاه من إعاقة، وساعدهم في ذلك أعضاء من لجان ومجالس مختلفة، فأصبح الكل معاقا مدعيا الإعاقة لمجرد الحصول على المميزات والامتيازات والمخصصات التي يقرها هذا القانون.
وغير ذلك الكثير الكثير.. فقانون دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص شُرِّع وقُرِّر لتشجيع المواطنين على العمل لدى القطاع الخاص، فامتلأت المحاكم بقضايا جنائية بقيام بعض الشركات الخاصة بتسجيل كويتيين وكويتيات كعاملين لديهم للقول بالتزامهم بنسبة العمالة الوطنية وحصول هؤلاء على دعم العمالة وهم لا يشتغلون، بل ان اكثرهم لا يعرف عنوان الشركة، فأصبحوا مزورين ومتهمين باختلاس المال العام دون وجه حق.
ولم يقف الحدّ عند هذا ايضا، فحتى قانون دعم الرياضة والرياضيين الذي أقر مميزات مالية لكل لاعبي الأندية في معظم الألعاب الرياضية وذلك تشجيعا للشباب على المنافسة لرفع المستوى الرياضي في الألعاب حتى تحقق الكويت البطولات والفوز في مختلف المحافل الرياضية الدولية الاقليمية والقارية، الا انه وللأسف الشديد لم يسلم من استغلال الخبثاء ولا من التطبيق الخاطئ له.
إذ رأينا الأندية تقوم بتسجيل لاعبين لم يدخلوا النادي في حياتهم، وأقصى ما يعرفونه عن الرياضة ما يتسنى لهم مشاهدته في التلفزيون أو سماع المناقشة فيه في الديوانية، وذلك للحصول على الدعم المقرر لهذا اللاعب وهو في بيته مع حصول النادي أو المشرف على اللعبة على جزء من هذا الدعم، فأصبح هذا القانون كحنفية ماء لا تُغلق وأهدرنا بسببه الملايين ولم نحقق بطولات أو فوزاً في أي ملتقى رياضي، بل الأدهى والأمرّ أن الرياضة توقفت دوليا وقاريا، واللاعبون المسجلون مازالوا يتقاضون هذا الدعم، فأصبحوا مزورين ومختلسين للمال العام دون وجه حق.
هكذا أصبح تأثير أو أثر «الكوبرا» يظهر في كل ما تقره الدولة من حقوق وامتيازات ومخصصات، اذ كان مقصودها وهدفها في ذلك مساعدة الناس والتخفيف من أعبائهم وتحمّل الدولة لجزء من مشاقهم وحل مشاكلهم المالية، إلا انها تُفاجأ بأن المشكلة تتفاقم وإنفاق الدولة يزيد.
وانظروا اليوم الى أعداد الحاصلين على شهادات الدكتوراه المزوّرة، فمن أجل حفنة دنانير زيادة على راتبه أو رغبة في الوجاهة الاجتماعية أو حتى التعيين في المراكز القيادية، اكتشفنا ان الكثيرين زوروا شهادات دكتوراه أو اشتروها من جامعات وهمية.
وخوفي بعد اقرار حق المطلقة في الحصول على الرعاية السكنية أو قرض 70 ألف دينار أن تعود حليمة الى عادتها القديمة بأن تُطلّق من زوجها وتثبت حضانتها لأولادها ثم تعود وترجع إليه بورقة عرفية لا يتم إثباتها رسميا في الكويت أو اثباتها خارج الكويت، وبعد ثلاث سنوات تطلب حقها في الرعاية السكنية بالحصول على قرض السبعين ألف دينار.
هكذا نحن نفعل.. والحنفية مستمرة بالهدر والكل يشفط بطريقته على حسب قدرته وموقعه، فنحن خير من يطبق المثل القائل «من له حيلة فليحتل».
نعم، هناك الكثير من المميزات أقرتها الدولة للشعب، ولكننا للأسف أسأنا استخدامها، حتى المكافآت التي قررتها الحكومة للعاملين في مواجهة فيروس كورونا نظير جهودهم وتعبهم وتضحياتهم وتحملهم لمخاطر العدوى حاول الكثيرون الاستفادة منها وهم في البيوت، ولم نعد نفرّق بين من يستحق هذه المميزات ومن لا يستحقها.
لم نعد نفرق بين المعاق والسليم أو المطلقة والمتزوجة وبين الرياضي والبيتوتي وبين الأمّي والجامعي.
لقد أصبحنا سواسية متساوين عند إقرار حق أو ميزة لفئة معينة.
ولم لا؟ فحتى القائمون والمكلفون بتطبيق هذه القوانين تطبيقا صحيحا يستفيدون، فأصبح كلب الراعي يقتسم مع الذئب الأغنام التي يتغاضى عن حمايتها وحراستها.
نعم، الكل عند توزيع الكعكة موجود رافعاً يده و«الأكمة»، فهو رياضي ومطلق أو مطلقة ومتقاعد طبياً ومن ذوي الاحتياجات الخاصة ومدين عليه قروض ودكتور وبروفيسور ومصاب بكل الأمراض عندما توجد حقوق ومميزات.