- حسين الصفار: السوق كان مقصد الأمراء للتسامر مع الشياب من أصحاب المحال
- رفضنا الانتقال إلى الشويخ بسبب عدم توافر المتطلبات اللازمة لعملنا هناك
- أصحاب هذه الصنعة يعدون على الأصابع ويجب تشجيعهم وليس إهمالها
- دول الخليج جميعها تهتم بهذه الحرفة وحوّلت أسواقها إلى مناطق تراثية مميزة
- زيارات متكررة لمخالفتنا بسبب تجاوزات ليس لنا ذنب فيها سوى أن السوق قديم
دارين العلي
على الرغم من طرقه المتصدعة وأسقف محلاته المهترئة وافتقاره لكثير من المقومات، يبقى سوق الصفافير صامدا أمام هجمات الحداثة التي تأتيه من كل حدب وصوب بانتظار من يخلصه من وضعه الحالي وربما يجعل منه معلما تراثيا كويتيا ليس بأقل من أسواق المباركية. فعلى قدمه، يبقى هذا السوق شاهدا على حقبة مهمة من تاريخ الكويت، قابعا هناك في منطقة شرق ومزارا لكل أهل الكويت من هواة الدوة والدلة التي يكاد ألا يخلو بيت في الكويت منها.
ولكي تبقى هذه الحرفة مستمرة يجهد محترفوها من المواطنين الذين باتوا يعدون على الأصابع لجعل السوق وجهة تراثية تليق بهذه الحرفة التي ورثوها عن الآباء والأجداد.
وفي جولة صغيرة داخل السوق يمكن أن تلاحظ بسرعة مدى الإهمال الذي يعانيه سواء من ناحية بنيانه أو من ناحية المخالفات الموجودة فيه والتي ليس لأصحاب السوق يد فيها سوى انهم يريدون «قضاء أعمالهم».
وخلال تنقلنا بالسوق التقينا حسين علي الصفار وهو صاحب أحد المحال وجد فرصة لينقل عبر «الأنباء» أشجانه ومخاوفه من عدم استمرار مهنة الأجداد والآباء، فتبقى الكنية وتذهب الحرفة! وهكذا بادرنا بالدعوة إلى مكتبه المتواضع الذي ينم عن أصالة هذه الحرفة التي تسابق الزمن لكي لا تندثر، وقد استرسل بذكرياته حول السوق وحول محل والده الذي تعود ملكيته لأكثر من 85 عاما.
بدأ الصفار يتحدث بحرقة عن السوق الذي يعود تاريخه الى أكثر من مائتي عام على حد قوله ما يجعل منه معلما تراثيا مهما إلا أنه مهمل بشكل كبير ويحتاج للتجديد والتطوير ليستمر شاهدا على تاريخ هذه الحرفة.
وأضاف: «أصحاب هذه الصنعة باتوا معدودين على الأصابع فيجب تشجيعهم على الاستمرار بها وليس إهمالها لحد يدفعهم للتخلي عنها أيضا، أنا تقاعدت منذ فترة وليس لي ملجأ سوى سوق الصفافير لأقضي به وقتي ويحز بنفسي أن أرى يوميا المطافئ أو البلدية أو الكهرباء يأتون إلى السوق لفرض المخالفات، فنحن نحاول جهدنا استمرار هذه الحرفة بأقل ما هو موجود لدينا فليس ذنبنا إن كان السوق قديما ويفتقر للمقومات، فليقوموا بتطوير وتحسين السوق ثم يخالفوننا في حال تجاوزنا الحدود».
نحن لا نريد أن تندثر هذه الحرفة وتذهب مع الزمن فهي مهنة الآباء والأجداد وهي من التراث الكويتي الأصيل.
التحول إلى سوق تراثي
وذكر الصفار أنه «منذ ما يقارب الخمس سنوات جاءت البلدية بعد أن أزالت كراجات مواجهة للسوق، وقالت بأنها ستقوم بإزالة السوق بكامله كونه قديما ومعرضا للسقوط، على أن يتم تحديد أرض في الشويخ كبديل له ولم نعارض ذلك ولكن التجهيزات كانت غير مطابقة لمتطلبات العمل كحفر الحدادين والتي يجلسون فيها أمام الأفران لضرب الحديد لحماية أنفسهم من النيران، إذ لم نتمكن من الحفر هناك لوجود كيبلات كهربائية أرضية، كما أن التهوية غير كافية».
وبسبب أهمية توافر هذه المتطلبات رفضنا الذهاب إلى الشويخ وقلنا بأن هذه الحرفة يمكن أن تندثر في حال إزالة السوق، وقد وصل الأمر إلى سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، الذي أمر بأن يتم تحويل السوق إلى سوق تراثي شبيه بسوق المباركية، وقال سموه آنذاك انه يقصد المنطقة بين الحين والآخر ليستمع إلى صوت سوق الصفارين.
وأسف الصفار انه ومنذ ذلك الوقت تم اعتماد هذا التوجه على أن يتم إخلاء السوق لفترة معينة، تمهيدا لإعادة بنائه كسوق المباركية وتحسين الأرضيات وكسوة المحلات ولكن لم يتم التنفيذ حتى الآن، ولذا نحن نناشد الجهات المعنية المبادرة للتنفيذ ونحن مستعدون للإخلاء لتعود على السوق ويكون بأبهى حلة، وليس كما هو الآن طرق متصدعة وأسقف مهترئة وآيلة للسقوط.
تاريخ مهنة الصفافير
ويقول الصفار ان حرفة الصفافير تعود لأكثر من 200 عام، كانت صناعتها تعتمد على النحاس ولم يكن هناك ألمنيوم أو حديد، ولكن مع الزمن قلت رغبة الناس بالنحاس فتوجه أصحاب السوق نحو «الشينكو» وحتى «التوانكي» في المنازل لم تكن من «الفيبرغلاس» كما هو اليوم وانما من حديد الشينكو وكذلك خزائن المطابخ لتخزين الحبوب وما إلى ذلك.
ويضيف: «لا يوجد منزل في الكويت إلا ويحتاج شيئا من سوق الصفافير سواء الخزائن أو الدوة أو «التوانكي» وغيرها ولولا توافرها في هذا السوق بأسعار رخيصة لاضطر المواطن أن يشتريها من الخارج بأسعار مرتفعة».
وأكد أن دول الخليج جميعها تعتني بهذه الأسواق وتحدث عن زيارته لسوق الصفارين في دبي وهو قمة في الترتيب بهدف الحفاظ عليه كسوق تراثي، كما أنه مليء بالسياح على مختلف مشاربهم، آسفا انه هنا في الكويت بالرغم من أنه يعتبر مزارا لجميع أهل الكويت خصوصا في شهر رمضان حيث يكتظ السوق بالزوار والمشترين إلا أنه للأسف مهمل من قبل المعنيين بتطويره ليبقى شاهدا على تاريخ هذه الحرفة.
ويقول إن الأطفال يأتون الى السوق ونقوم بتعليمهم هذه الحرفة وكذلك أشجع دائما أحفادي وأولادي على زيارة السوق والتعرف على الحرفة وكيفية العمل بها لأنني أخشى من اندثارها وأحاول أن أنقلها إلى الأجيال المقبلة ليحافظوا عليها.
«محل الوالد».. مقصد الشيوخ
خلال لقائنا معه وعندما ذكر «محل الوالد» استرسل الصفار في حديثه عن ذكريات الزمن الجميل قائلا: «نملكه ونعمل به منذ أكثر من 85 سنة وقد ذكر والدي أن شيوخ قصر دسمان رحمهم الله: الشيخ أحمد الجابر والشيخ عبدالله السالم والشيخ صباح السالم كانوا يرسلون له، حيث كان يقصد القصر من السوق مشيا على الأقدام ويحضر دلال القهوة لتبييضها ثم يعيدها إلى القصر مجددا».
كما عاد بالذاكرة الى أيام الأميرين الراحلين الشيخ جابر الأحمد والشيخ صباح الأحمد، رحمهما الله، واللذين كانا يقصدان السوق للتسامر مع الشياب من أصحاب المحلات فيجلسان بينهم ويتحدثان إليهم في كثير من الأوقات.
ويذكر الصفار العم أبورضا الصنايعي الذي يعمل في المحل منذ 70 عاما وهو إيراني الأصل وأولاده يعيشون في كندا قام بتعليمهم أطباء ومهندسين من عمله في سوق الصفافير، بالإضافة الى عامل هندي يعمل منذ 22 سنة في هذه الحرفة داخل في محله.
واختتم الصفار حديثه برجاء ألا تنقطع هذه الحرفة بسبب إهمالها وأن يتم النظر إلى السوق بعين التراث ليبقى شاهدا للأجيال القادمة على تاريخ الصنعة في الكويت.