في الوقت الذي بدت فيه الأسواق تنعم بهدوء ما بعد التخلص من ظاهرة «الرئيس المغرد»، حيث كثيرا ما أزعجت تغريدات دونالد ترامب المتداولين والسياسيين على حد سواء، رغم أنه قاد الأسهم الأميركية إلى مستويات مرتفعة تاريخية، طفا جديد على السطح.
بطبيعة الأسواق، لا يحب المشاركون في السوق التغيرات الجامحة والمفاجئة، لكن حتى مع رحيل ترامب عن المكتب البيضاوي لم تنته هذه الممارسات، والتفتت وول ستريت إلى مغرد آخر أثار حفيظة البعض وابتهاج آخرين، وهو الملياردير إيلون ماسك مؤسس «تسلا».
تغريدات ماسك قادت الاتجاه الصعودي لأصول عدة في الأسابيع القليلة الماضية ومنها، العملة الرقمية بتكوين، وسهم الشركة المطورة للعبة «سايبر بانك 2077»، وغيرها من الأصول.
ولم ينس ماسك القفز على تريند منصات التداول والتواصل الاجتماعي وحديث الساعة في أغلب أنحاء العالم «حمى سهم جيم ستوب»، والتي قادها مجموعة من المستثمرين الهواة متسببين في خسائر حادة لعمالقة وول ستريت.
انخراط ماسك في الموجة الدافعة لسهم «جيم ستوب» خلقت «قسرا» مقارنة بين شركته وبين شركة الألعاب الإلكترونية، خاصة ان سهم شركته ارتفع بشكل جنوني خلال العام الماضي، وزادت ثروته بأكثر من 100 مليار دولار، ما جعله أغنى رجل في العالم عند مرحلة ما.
قائد أم منتفع؟
في ديسمبر الماضي، قال ماسك في مقابلة: «سوق الأسهم شيء غريب، الأمر أشبه بالاكتئاب الجنوني الذي يخبرك باستمرار عن قيمة شركتك، وأحيانا يكون اليوم جيدا وأحيانا أخرى يكون سيئا، لكن الشركة هي ذاتها، الأسواق مجنونة».
وبعد شهر من هذا الحديث، انخرط ماسك في واحدة من أكثر الأعمال الدرامية في سوق الأسهم إرباكا منذ سنوات - معركة بمليارات الدولارات على سهم «جيم ستوب» تدور رحاها بين نخبة صناديق التحوط ومستثمري التجزئة الذين يتواصلون عبر منصة «ريديت».
ومع بلوغ حمى السهم ذروتها الأسبوع الماضي، غرد ماسك بكلمة «جيم-ستونك!!» مع رابط لمنتدى «ريديت»، واعتبرت هذه التغريدة رسالة داعمة من الملياردير الذي يعد أمن أقوى شخصيات الأعمال على الإنترنت، وارتفع السهم بالفعل في اليوم التالي.
وفي حين يعتبر ماسك بطلا رأسماليا، إذ يدير شركتين كبيرتين في حالة لا تتكرر كثيرا داخل عالم الأعمال، فإنه بطريقة ما بات أيضا بطلا للجموع المناهضة للمؤسسات، وتكفيه تغريدة واحدة لتحريك الجماهير (يتابعه 44 مليون شخص على تويتر).
الأسبوع الماضي، غرد ماسك، الذي تبلغ ثروته نحو 180 مليار دولار، أن «ديسكورد» وهو تطبيق اتصالات مجاني، يغلق منتدى شهير لمتداولي «جيم ستوب».. اللافت ان الشركة تراجعت عن هذا القرار لاحقا وأعلنت تعاونها مع المنتدى.
وهذه «التأثيرات الناعمة» يوظفها أيضا ماسك جيدا لصالحه، وبصفته خبيرا في الترويج الذاتي، ينشر بانتظام رسائل جادة حول «تسلا» و«سبيس إكس»، حتى أن البعض شبهه بمؤسس «آبل» الراحل ستيف جوبز.
الأساسيات مضطربة
أعلنت «تسلا» الأسبوع الماضي عن مبيعات في الربع الرابع بلغت 10.7 مليارات دولار وأرباح 24 سنتا للسهم، وهو الربع الخامس على التوالي من الأرباح، قائلة إنها ستزيد الإنتاج بنسبة 50% على الأقل في عام 2021 مقارنة.
وبعد ساعات من الإعلان، بيعت بعض الأسهم، لكن المساهمين المخلصين في «تسلا» بالكاد التفتوا إلى الأمر، شراء الأسهم في مايو 2019 والاحتفاظ بها إلى الآن حقق لهم مكاسب أكثر من 22 ضعف الاستثمار الأولي.
وهذه الحقيقة يجب أن تثير قلق المساهمين بقدر ما تسعدهم، فشركة «تسلا» تبلغ قيمتها السوقية 800 مليار دولار في الوقت الراهن، أي أكثر من 7 أضعاف القيمة الإجمالية لشركتي «فورد» و«جنرال موتورز».
ويقترن هذا التقييم المتضخم بحصة صغيرة للشركة من سوق السيارات العالمي، ومن الواضح أن الإيمان بالرئيس التنفيذي إيلون ماسك يحقق أثرا سحريا، أو ربما الملياردير هو من يمارس سحره ببساطة لقيادة الجماهير كما هو الحال مع هوس «جيم ستوب».
ورغم الشعبية، فإن افتراض حصة سوقية متزايدة إلى الأبد سيكون خطأ، حصلت الشركة على 13% فقط من إجمالي حصة سوق السيارات الكهربائية في أوروبا الغربية العام الماضي، متخلفة عن «فولكس فاجن» بنحو 10 نقاط مئوية، حسب أرقام.
العواقب قد تكون كارثية
بغض النظر عن المخاوف التنافسية، تم تداول سهم «تسلا» عند 1371 ضعف الأرباح في مرحلة ما من الأسبوع الماضي، وهذا المضاعف الهائل يشكل فقط راحة زائفة.
وكسبت الشركة في الرابع الرابع 270 مليون دولار من الدخل الصافي، لكن ذلك كان مدعوما ببيعها 401 مليون دولار من الديون التنظيمية لصانعي السيارات الآخرين الذين يحتاجون إلى الوفاء بالتزامات الانبعاثات.
وتجاوزت مبيعات «تسلا» الائتمانية بشكل ملحوظ صافي الدخل لمدة خمسة فصول متتالية، وقد تصبح هذه الائتمانات أقل قيمة بمرور الوقت، مع زيادة عدد الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية.
ومن السهل تجاهل هذه المخاوف في سوق يتميز بالتداول اليومي النشط للغاية والذي يتم تنسيقه على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن إغفالها بشكل تام قد يكون خطأ باهظا بمجرد أن يستيقظ المستثمرون في النهاية.
وفي نمط مشابه لما حدث مع سهم «جيم ستوب»، فإن سهم «تسلا» ارتفع بأكثر من 700% خلال العام الماضي، متجاهلا كل المخاوف بشأن الأساسيات، كما خسر المستثمرون الذين راهنوا على انخفاضه باستخدام ممارسة البيع على المكشوف نحو 38 مليار دولار.
ورفض المستثمر مايكور بوري، الذي اشتهر بممارسات البيع على المكشوف، المقارنة بين سهمي «تسلا» و«جيم ستوب»، لكنه دعا في الوقت ذاته إلى إصلاح هذه الممارسة، قبل أن يتراجع عن موقفه بحذف التغريدات.
ومع ذلك، فإن بوري الذي جنى ثروته من انفجار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة، يعرف برهانه عبر البيع على المكشوف لأسهم «تسلا» إذ يتوقع أن ينهار سعر سهمها بطريقة مماثلة لفقاعة الإسكان.