في يوم الأربعاء 27 يناير 2021، التقى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد بممثلي جميع الصحف الكويتية في حديث مفتوح تم بثه أيضا على قنوات تلفزيون الكويت.
وبالنظر إلى ما قاله سموه، فالإيجابية الواضحة التي تبعث التفاؤل بالنفوس هي أن الشيخ صباح منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء قبل حوالي عام مازال يسلك طريقا لم يسلكه أسلافه بالمواجهة المباشرة العلنية والتفسير المبني على حجج مقبولة، وإن تبايننا بالرؤى حول بعضها.
وتبقى لاءاته التي أعلنها في الفصل التشريعي الخامس عشر لمجلس الأمة وأكدها في هذا اللقاء بشأن استجوابه «لا للإحالة للمحكمة الدستورية ولا للإحالة إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية ولا لطلب مد الأجل ولا للمناقشة في جلسة سرية» محل تقدير من الجميع.
سمو الشيخ صباح الخالد اقترب من قلوب الشعب حين صرح بأن جيب المواطن لن يمس. ودار جانب كبير من حواره في فلك همومهم حول ضرورة الاهتمام بالصحة، وإنقاذ التعليم، وتهيئة سوق العمل للشباب، ومواصلة مكافحة الفساد، وما هو المطلوب في طريق الإصلاح الاقتصادي...الخ، لكن يبقى السؤال المحير الذي يشغل عقول الكثيرين لسنوات طويلة: ما هو السبيل لتحقيق كل ذلك؟ وبالتالي كيف لنا ببلوغ غايتنا المثلى «كويت القانون والنزاهة والرخاء الحاضنة للجميع»؟ بداية الإنجاز يا سمو الرئيس تكمن بطلب تفسير ومن ثم تطبيق المادة 98 من الدستور «تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج»، والتي هي أساس العمل في البرلمان والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
كنا ولا نزال نصر على أن هناك معضلة معلقة في كلمة «فور» الواردة بنص المادة 98، تضع الحكومة باستمرار في شبهة المخالفة الدستورية.
وكونها لم تشرح بالمذكرة التفسيرية، طرحنا في مناسبات عدة أهمية الحسم بمعناها عبر توجيه السؤال للمحكمة الدستورية، ما هي المدة الزمنية التي تعنيها كلمة «فور»؟ هل هي قطعية وتعني مباشرة وفي حينه؟ أم هي مدة زمنية أخرى محددة؟ المادة 98 تسببت للحكومة بإشكالات وانتقادات متكررة كان آخرها مع انطلاق المجلس الحالي، فدائما ما يتبع تدشين أي دور انعقاد تشريعي بمطالبة النواب إياها تقديم برنامج عملها في حينه «رغم علمهم المؤكد بعدم جاهزيته».
وبالمقابل لم يتم ذلك أبدا من الحكومة، والتي أحيانا لا يكتمل تشكيلها إلى يوم واحد قبل الجلسة الأولى.
لقد قلنا بوضوح إنه ما لم تفسر المحكمة الدستورية كلمة «فور» والتي لا نفهم منها لغويا سوى أنها تعني «مباشرة وفي حينه» (كما عند تنفيذ الأحكام القضائية مثلا)، فسيظل الالتزام بتأدية المادة 98 في أول جلسة برلمانية تحضرها أي حكومة مشكلة حديثا شبه مستحيل وبحاجة إلى حل مبتكر، «كخلق نظام تعاون حثيث بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء والأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية» يكون في عهدته تفاصيل خريطة العمل الشاملة للحكومة المحدثة على الدوام.
وتبقى الحقيقة الثابتة المعززة لتبني مثل هذه الفكرة أن النظام الإداري بالبلد راسخ وغير متغير، أساسه المادة 52 من الدستور«السلطة التنفيذية يتولاها الأمير ومجلس الوزراء والوزراء على النحو المبين بالدستور».
فالكويت التي ينطلق العمل التنفيذي بها عبر بوابة المادة 55 من الدستور «يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه»، لا تعتمد في نظامها السياسي على أحزاب تأتي ببرامج مختلفة بمجرد تسلمها للسلطة، بل لديها خطط خمسية ورؤى مستقبلية إنمائية تسير عليها الوزارات والهيئات جميعا بتعاقب الحكومات.
مما يدعم الرأي بجدوى تكليف أمانتي مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للتخطيط لمساندة الحكومة في اعتماد ومتابعة مشاريعها.
فمتى ما تغيرت الحكومة لأي سبب، أو عدلت أو بدلت برامجها، يتم التحديث وتأتي المساندة من تلك الجهتين، وبالتالي ضمان انسيابية العمل دون اضطراب في تنفيذ الخطط، مع إمكانية تنقيحها بسلاسة لمواكبة ما تحتاجه الدولة من تدابير لإبقائها نشطة فتية في طريق النهضة والتطور.
تظل أمنيتنا الحالية بكل تأكيد هي أن نرى سمو رئيس مجلس الوزراء يدخل الجلسة القادمة في قاعة عبدالله السالم وبيده برنامج عمل الحكومة كاملا وبكل شفافية، وأن يكون هو المبادر الأول قبل النواب بجلب الحلول العملية والخلاقة لإتمام أولويات ورغبات المواطنين من تطوير للخدمات الصحية، وارتقاء بأساليب التعليم، وتوفير الوظائف للشباب، وتأمين السكن للأسر، ودعم المصالحة الوطنية، وطي ملفات الفساد بعد محاسبتها، وتحسين الاقتصاد ومصادر الدخل، والتخطيط لبناء كويت المستقبل، وعندها سيرى بنفسه إلى أين ستتجه البوصلة الشعبية، لمجلس الوزراء أم لمجلس الأمة.