منذ زمن بعيد والسفير خالد الجارالله، من أكثر رجالات الدولة الذين خدموها بتفان وإخلاص، فقد أفنى شبابه في خدمة وطنه من خلال موقعه كنائب لوزير الخارجية.
حيث تدرج في الوزارة من ملحق ديبلوماسي حتى تقلد درجة وزير، لذا فهو يعتبر من أكثر الملمين بطبيعة عمل وزارة الخارجية ومتطلباتها، حيث كان يعمل توازنا مميزا بين واجباته الديبلوماسية والإدارية.
وعلى الرغم من كافة انشغالاته لم يكن يغلق أبواب مكتبه لكل من يطلب مقابلته، وكان حفظه الله لا يرد سائلا وما من يقصده في مظلمه إلا ووقف وقفه جاده في إنصافه ورد كافة حقوقه، فكان من القياديين القلائل، إذ كان لا يغلق أبوابه حتى أمام أصغر العاملين في الوزارة، وبتواضعه في تعامله مع الناس ازداد رفعة ومقاما.
وعلى الرغم من كل العطاء والتفاني في خدمة وطنه إلا أنه كان الجندي المجهول، فكان دائما يعمل بعيدا عن الإعلام، ومن القليل جدا أن يظهر في مقابلة أو أن يرد على منتقديه أو يقاضي من يتهمه بما ليس فيه، فدائما كان يقابل الإساءة بالإحسان، وكرمه جعل له شعبية واسعة في الأوساط الاجتماعية، فكل من له مظلمة أو حاجة كان لابد أن يطلب مقابلته وكان يقدم يد العون دائما للجميع.
هذا هو السفير خالد الجارالله الذي لا يعرفه كثيرون، رجل داوم على العطاء وخدمة وطنه، فلم يتغيب يوما عن عمله، فحتى في مرضه كان يقوى عليه ويتحمله ويذهب لعمله، حرصا منه على المصلحة العامة.
فهذا الرجل يعرف حق الله عليه، فلم يشغله المنصب وبريقه عن القيام بما يتطلبه المولى عز وجل منه، وكان الكريم المتسامح فقد تحمل جميع الأزمات التي كانت تعتري الدولة، وكان حريصا على أن يجد الحلول الموائمة لكل أزمة تعتري البلاد، فقد كان صاحب الرؤية الاستقرائية، فذكاؤه هو ابرز ما يميزه وهذا ما جعله من المقربين من سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، فكان من رجالاته المخلصين الذين خدموه بإخلاص وتفان.
حيث إنه في كافة الأزمات التي شهدتها الدولة كانت له رؤية واضحة وثاقبة في كيفية التعامل معها سواء أكانت إقليمية أو دولية، فهو رجل حازم وصاحب قرار صائب.
وهذا ما جعل خبر قبول استقالته، حديث البلد بل امتد إلى خارج الكويت، فالبعض تلقى الخبر بحزن، والبعض الآخر لا نعلم نواياه إلا انه قد تكون المسؤولية الجديدة المطلوبة من السفير خالد الجارالله تتطلب منه التفرغ التام للشق السياسي بعيدا عن مسؤولية إدارة وزارة الخارجية من الناحية الإدارية.
نعلم تماما أن قامة ومقام مثل السفير خالد الجارالله بالتأكيد سيكون له دور كبير في خدمة وطنه في الأيام المقبلة، فحكامنا أبدا لا ينسون رجالاتهم المخلصين، وبالأخص أن السفير خالد الجارالله من خريجي مدرسة المغفور له الشيخ صباح الأحمد، وبالتأكيد يمتلك خبرات لن تستغني الدولة عنه بسهولة.
إلا أن سنة الحياة هي التجديد في القيادات، ليتفرغ البعض لعمل قد يكون أكثر أهمية ويتولى الجدد تحمل المسؤولية، لأن إتاحة الفرصة للآخرين من متطلبات الحياة.
لذا، نقول للسفير خالد الجارالله بأننا لن ننساك، فقد كنت من اكثر المخلصين لوطنك وحكامك، فلم تنس حق الله عليك ولا حق العباد، وأياديك البيضاء خيرها على كثر من أبناء هذا الوطن الحبيب، وكثر لن ينسوك حتى إنني متأكدة من أن حكامنا لن يتركوك، وسيكون لك دور خلف الكواليس، فقد يكون وطنك اليوم بحاجة إليك أكثر مما مضى، وشكرا من القلب على كل شيء.